⏪⏬
اعتدت على هذه الحياة التي صعقثني بيدها الخفية، المكررة ، البالغة القوة، استنفذت بداخلي حبي لها،حتى توحدت اعصابي مع الفقر،
فالفقر لا يعني لي شيئا سوى الفقر ولا أغوص بالمعاني الكامنة في داخله ،لذا لا يترك عندي غير انطباع وحيد أنه ينكس الرأس بوهن، ولا شيء غير ذلك، هو قرصة جوع، أما أن يكون شيئا آخرا فهذا لا وجود له في رأسي.
عندما استيقظت اليوم صباحا سألت زوجتي:
- هل بقي معنا شيء من الراتب
قالت لي بأسى وبمعنويات هابطة :
- لا ...لا يوجد
رغم هدوءها فقد أحدث صوتها فرقعة انفجارية داخلي، فبعد قليل ستستيقظ فاطمة، وستهرع بغريزتها الطفولية الى حضني ، مطلقة براءتها الملائكية تحلق بين متاهات غنى الله وأبوهاالفقير على الارض:
ـ صباح الخير بابا
هذه الحمولة تزداد ثقلا كلما فكرت صعودا ونزولا ممن سأقترض، لم يكن هناك الكثير من المعارف استطيع الطلب منهم، لهذا تابعت مج السيجارة بشكل رتيب وأنا أمضغ عجزي.
ابدد الوقت الذي لا يجدي قط، رمقتني زوجتي من طرف عينيها المنقوعتين بالهم، لا.... هي رسالة لي تلمع بنعومة على عينيها الجميلتين : هيا اخرج، أشرب كأس ماء، روحي منقبضة، هاجعة في المذلة، افكار مختلطة معتدية على بعضها وعلى مخي، لقد اهرمتني اهوال الحاجة.
إن الخروج من البيت ، ووضع قدماي في الشارع ، تعتريني فيه اعراض انحطاط،
ان تمشي في مدينتك ، تبدد بناؤك الضخم فيها، تبعثر رأسك المنظم ، العنيد، تشعر كأنك تمشي في خلاء بدلا من الاسفلت والابنية ، كما هو حال جبلة الآن.
تهاويت على كرسي بلاستيك، واشعلت سيجارة ، وأنا متأكد ان بقاءي في البيت لن يغير في الامر شيء، وصوت في داخلي يجأر:
ـ هيا اخرج....لا تبدد الوقت
ابنتي النائمة ، فاطمة، مازالت تردد في نومها ماطلبته مني، لك الله يافاطمة، لا تشمئزي مني يافاطمة ، لا تكرهيني، إن استيقظتي ولم تجدي ما وعدتك به.
نفسها الهادئ المستغرق في الحلم ، يمر على مبسمها النجمي، مستسلمة لهدية عيد ميلادها ، مزهوة بقالب الكاتو ، ورفقاءها الذين ينشدون لها اغنية سنة حلوة يافاطمة....
شربت كأس ماء وخرجت، إنها الساعة التاسعة صباحا، وللتو بدأت الحياة تدب في جبلة، تداهمني اصواتا معتدية على ذاتها وعلى بعضها، تشعرني بأني صغير ، غير موجود، تائه، روحي منقبضة خوفا،لاتعرف اين تنبسط، مشيت حول الملعب البلدي، هناك شيء يتشبث أن ادور على عقبي وأعود الى البيت، صدري يعلو ويهبط،مرت من امامي اربعة فتيات من هواة الجري، لم استرق كعادتي النظرات الى مؤخراتم الحماسية، الساحرة، ولا الى اثدائهن المتفجرة بالضجيج، هلوسة بائس ، لو كنت امتلك نقود لتناولت فنجان قهوة من هذا البائع ، لذا انعطفت جنوبا اعري واجهات المحلات من محتوياتها، اتلفت يمينا وشمالا الى الوجوه ، لا اعرف احدا ولا احد يشعر بي، لطخة تتحرك في الشارع.
الآن استيقظت فاطمة ، مسدت امها شعرها برقة، وزمت شفتيها وقبلتها مئة قبلة، كانت سعيدة بهذا التدليل وهذه العاطفة، فافتر ثغرها عن ابتسامة ، وهي تلقي تحية الصباح:
ـ صباح الخير ماما
واصلت المسير ، امشي دون هدف،انعطفت غربا باتجاه البحر، معطوبا مشوشا،
اجتاز البقاليات والصيدليات وعربات السمك ،ستوقفني محل بيع العاب اطفال،
هنا كاد قلبي يخرج من فمي، اوقظت الدمى في شعورا سريا، سمعت ضحكةفاطمة، كم كانت تشعر بالفخر وأنا امسك بيدها ، وكم كنت سعيدا،هي واثقة اني ذاهب بها الى حيث تريد،قلت لها:
ـ اتدرين اين نحن ذاهبان ????
ـ لا
دخلنا المحل واشتريت لها دمية وعربة اطفال، فشكرتني بقبلة على خدي وهي تتناغىّ:
ـ احبك يابابا
ـانا احبك يافاطنة
انحبست حنجرتي ، اشعر بان دمعتي خارج السيطرة، شعرت بالدوار، هناك كرسي خشبي قرب باب المحل، تهاويت عليه، من الداخل اقتربت مني فتاة ترتدي حجابا، قالت لي بأنوثة لطيفة:
ـ اتريد شيء
لم اتكلم بقيت صامتا، اني تعب، منفعل، سيطر العجز على جسدي، بدأت ابكي،
سألتني بلهفة:
ـ ماذا تريد لا قدمه لك
نهضت بتثاقل ومشيت حذرا من الحفر المنتشرة في الشارع ، عائدا من حيث اتيت .
*فؤاد حسن محمد
جبلة ــ سوريا
اعتدت على هذه الحياة التي صعقثني بيدها الخفية، المكررة ، البالغة القوة، استنفذت بداخلي حبي لها،حتى توحدت اعصابي مع الفقر،
فالفقر لا يعني لي شيئا سوى الفقر ولا أغوص بالمعاني الكامنة في داخله ،لذا لا يترك عندي غير انطباع وحيد أنه ينكس الرأس بوهن، ولا شيء غير ذلك، هو قرصة جوع، أما أن يكون شيئا آخرا فهذا لا وجود له في رأسي.
عندما استيقظت اليوم صباحا سألت زوجتي:
- هل بقي معنا شيء من الراتب
قالت لي بأسى وبمعنويات هابطة :
- لا ...لا يوجد
رغم هدوءها فقد أحدث صوتها فرقعة انفجارية داخلي، فبعد قليل ستستيقظ فاطمة، وستهرع بغريزتها الطفولية الى حضني ، مطلقة براءتها الملائكية تحلق بين متاهات غنى الله وأبوهاالفقير على الارض:
ـ صباح الخير بابا
هذه الحمولة تزداد ثقلا كلما فكرت صعودا ونزولا ممن سأقترض، لم يكن هناك الكثير من المعارف استطيع الطلب منهم، لهذا تابعت مج السيجارة بشكل رتيب وأنا أمضغ عجزي.
ابدد الوقت الذي لا يجدي قط، رمقتني زوجتي من طرف عينيها المنقوعتين بالهم، لا.... هي رسالة لي تلمع بنعومة على عينيها الجميلتين : هيا اخرج، أشرب كأس ماء، روحي منقبضة، هاجعة في المذلة، افكار مختلطة معتدية على بعضها وعلى مخي، لقد اهرمتني اهوال الحاجة.
إن الخروج من البيت ، ووضع قدماي في الشارع ، تعتريني فيه اعراض انحطاط،
ان تمشي في مدينتك ، تبدد بناؤك الضخم فيها، تبعثر رأسك المنظم ، العنيد، تشعر كأنك تمشي في خلاء بدلا من الاسفلت والابنية ، كما هو حال جبلة الآن.
تهاويت على كرسي بلاستيك، واشعلت سيجارة ، وأنا متأكد ان بقاءي في البيت لن يغير في الامر شيء، وصوت في داخلي يجأر:
ـ هيا اخرج....لا تبدد الوقت
ابنتي النائمة ، فاطمة، مازالت تردد في نومها ماطلبته مني، لك الله يافاطمة، لا تشمئزي مني يافاطمة ، لا تكرهيني، إن استيقظتي ولم تجدي ما وعدتك به.
نفسها الهادئ المستغرق في الحلم ، يمر على مبسمها النجمي، مستسلمة لهدية عيد ميلادها ، مزهوة بقالب الكاتو ، ورفقاءها الذين ينشدون لها اغنية سنة حلوة يافاطمة....
شربت كأس ماء وخرجت، إنها الساعة التاسعة صباحا، وللتو بدأت الحياة تدب في جبلة، تداهمني اصواتا معتدية على ذاتها وعلى بعضها، تشعرني بأني صغير ، غير موجود، تائه، روحي منقبضة خوفا،لاتعرف اين تنبسط، مشيت حول الملعب البلدي، هناك شيء يتشبث أن ادور على عقبي وأعود الى البيت، صدري يعلو ويهبط،مرت من امامي اربعة فتيات من هواة الجري، لم استرق كعادتي النظرات الى مؤخراتم الحماسية، الساحرة، ولا الى اثدائهن المتفجرة بالضجيج، هلوسة بائس ، لو كنت امتلك نقود لتناولت فنجان قهوة من هذا البائع ، لذا انعطفت جنوبا اعري واجهات المحلات من محتوياتها، اتلفت يمينا وشمالا الى الوجوه ، لا اعرف احدا ولا احد يشعر بي، لطخة تتحرك في الشارع.
الآن استيقظت فاطمة ، مسدت امها شعرها برقة، وزمت شفتيها وقبلتها مئة قبلة، كانت سعيدة بهذا التدليل وهذه العاطفة، فافتر ثغرها عن ابتسامة ، وهي تلقي تحية الصباح:
ـ صباح الخير ماما
واصلت المسير ، امشي دون هدف،انعطفت غربا باتجاه البحر، معطوبا مشوشا،
اجتاز البقاليات والصيدليات وعربات السمك ،ستوقفني محل بيع العاب اطفال،
هنا كاد قلبي يخرج من فمي، اوقظت الدمى في شعورا سريا، سمعت ضحكةفاطمة، كم كانت تشعر بالفخر وأنا امسك بيدها ، وكم كنت سعيدا،هي واثقة اني ذاهب بها الى حيث تريد،قلت لها:
ـ اتدرين اين نحن ذاهبان ????
ـ لا
دخلنا المحل واشتريت لها دمية وعربة اطفال، فشكرتني بقبلة على خدي وهي تتناغىّ:
ـ احبك يابابا
ـانا احبك يافاطنة
انحبست حنجرتي ، اشعر بان دمعتي خارج السيطرة، شعرت بالدوار، هناك كرسي خشبي قرب باب المحل، تهاويت عليه، من الداخل اقتربت مني فتاة ترتدي حجابا، قالت لي بأنوثة لطيفة:
ـ اتريد شيء
لم اتكلم بقيت صامتا، اني تعب، منفعل، سيطر العجز على جسدي، بدأت ابكي،
سألتني بلهفة:
ـ ماذا تريد لا قدمه لك
نهضت بتثاقل ومشيت حذرا من الحفر المنتشرة في الشارع ، عائدا من حيث اتيت .
*فؤاد حسن محمد
جبلة ــ سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق