اعلان >> المصباح للنشر الإلكتروني * مجلة المصباح ـ دروب أدبية @ لنشر مقالاتكم وأخباركم الثقافية والأدبية ومشاركاتكم الأبداعية عبر أتصل بنا العناوين الإلكترونية التالية :m.droob77@gmail.com أو أسرة التحرير عبر إتصل بنا @

لماذا نكتب؟

نكتب لأننا نطمح فى الأفضل دوما.. نكتب لأن الكتابة حياة وأمل.. نكتب لأننا لا نستطيع ألا نفعل..

نكتب لأننا نؤمن بأن هناك على الجانب الآخر من يقرأ .. نكتب لأننا نحب أن نتواصل معكم ..

نكتب لأن الكتابة متنفس فى البراح خارج زحام الواقع. نكتب من أجلك وربما لن نعرفك أبدأ..

نكتب لأن نكون سباقين في فعل ما يغير واقعنا إلى الأفضل .. نكتب لنكون إيجابيين في حياتنا..

نكتب ونكتب، وسنكتب لأن قدر الأنسان العظيم فى المحاولة المرة تلو الأخرى بلا توان أو تهاون..

نكتب لنصور الأفكار التي تجول بخاطرنا .. نكتب لنخرجها إلى حيز الذكر و نسعى لتنفيذها

أخبارالثقاقة والأدب

طاقة الفعل الشعري قراءة في مجموعة (قصائد تحترف العشق) للشاعر محمد جلال الصائغ | جاسم خلف الياس


تنهض مجموعة (قصائد تحترف العشق) للشاعر محمد جلال الصائغ، على فاعلية التلغيم الجدلي، إذ تشكل علاقة الحضور (القرب) / الغياب (البعد) خصيصة شعرية، لا تخلو منها أية قصيدة من قصائد المجموعة، فهي تتجلى حينا، فيشكل (الظهور) مملكتها المكشوفة، وتتخفى حينا آخر، فيشكل (التواري) مملكتها الملغومة، وحين يتصادم أو يتنافر أو يتفارق طرفا تلك العلاقة – سواء أتت
بشكل مباشر الحياة / الموت، أو بتعبير مرادف في أحد طرفيها الحب / الموت –فإن الفاعلية التعبيرية ترتقي، وتميط اللثام عن قوة خفية تغتذي بأسرارها، في الوقت الذي ترقّي فاعلية التذوق قدرتها على ((اختراق وممارسة لصورة الاختراق، وأعظم الاختراقات ما أجريت في أصلد الأجساد، وأمنعها، وأقدرها على التأبي واللاإمتثال)) ().
إن الاستعارات التقابلية المباشرة التي تشكلت في المجموعة، لا يصعب على أي قارئ مهما تعددت شعريات قراءاته في متكآتها السياقية أو النصية كشفها وقراءتها. وأما الاستعارات التي تعتمد على التعبير المرادف في طرف واحد، فهي التي تهمنا هنا تحديدا، ولنأخذ هذا المقطع أنموذجا لها:
((أنا رجل باع كل التقاليد في الحب والموت
واختار حبا عظيما
وموتا عظيما على صدر أنثى
تفتح فيه ألوف الأزاهر)) ().
فحين استبدل الشاعر مفردة (الحياة) بمفردة (الحب) لم تتغير هذه الجدلية التي انطوت تحت جدلية أكبر هي (الحضور/ الغياب) تلك الجدلية التي حظيت بمرتع خصب، فمكثت ولم تغادر مرعاها كما قلنا في المجموعة كلها، ولم تكمن فاعليتها في النسيج اللغوي المتراص الذي احتوى ما قبلها وما بعدها، ولا في إيقاعها المتمثل بموسيقاها الخارجية، وجرس ألفاظها، وإيقاعها الداخلي فحسب، وإنما في التلغيم النصي، وكشف تمرد العاشق، وتحرره من التقاليد في الموت، فكما يرغب الفارس في الموت في ساحة الوغى، يرغب هذا العاشق في الموت على صدر أنثى، وكأن هذا التمرد هو ((احتجاج غريزة الاعتباط شبه النيرفانية ضد الضيم الذي أنزله به التاريخ والوجود، أو قل ضد إصرار المُعاش على مصادرة الفرح)) ().
أما الاستعارات التي صاغها بانسياب جمالي خبيئ، فإن القارئ يستشف دلالاتها عبر تحرير المفردة من برودة تفسيرها القاموسي، والقائها في جمر التأويل، كما في قصيدة (أحزان تدعوك للضحك) التي ترتهن السخرية المرّة دوت التواصل مع المتن الشعري:
((مضحك ما تدعينه
محزن ما تدعينه
قد زعمت الآن أن لا بيت في الماضي احتوانا
لا ولم أرحل بكفي فوق نهديك ببطء وسكينة
اكذبي ما شئت عندي شاهد ينفي الأكاذيب
ويلغي كل قول تزعمينه)) ().
إن هذا المفتتح النصي يفضي إلى استعارة تقابلية (ظاهرة) تتمحور حولها كل أفعال القصيدة: الكذب / الصدق، كما تشكل أداة استقطاب لعدة استعارات أخر، منها استعارة ضمنية تتعلق بالغياب المتمثل برحيل المعشوقة، وتواريها في المسافات البعيدة، والحضور المتمثل بذكرياتها وهداياها وأفعالها التي تشكل حافزا وجدانيا قويا، يدفعه لتمثيل فشل تجربته في العشق. ومما يجدر الملاحظة إليه، إن هذا الرحيل (الغياب) يتكرر في مجمل القصائد التي احترفت العشق، ولكن دون جدوى، فالرحيل يبعدها عنه، ويدنيه من الأحزان، وبهذا نكون أمام استعارة تقابلية جديدة، هي البعد / القرب، إذ تنتشر بشكل انفجاري في كل القصائد، كما في السطرين الشعريين:
((ربما حطمت
((واتركيني
ربما حطمت أقداري التي تبعدني عنك
وتدنيني من الأحزان)) ().
نعود من جديد إلى الاستعارة المضمرة التي ستقودنا إلى تأويل تقابلي أبعد مما هو في الادعاء الذي سيبقى يراوح في دائرة الشك، ما لم ينفي المدّعى ذلك ليمكث في دائرة اليقين، وهذه إحدى الاستعارات التي انبثقت الآن. ولكننا نرى أن المدعية (العاشقة) - ولا نقول (المعشوقة) لنخرجها من دائرة المفعولية، إلى دائرة الفاعل، أسوة بالعاشق – تتلبسها حالة (السكوت) أو (السكون) وذلك لغيابها عن المشهد، على الرغم من توجيه الخطاب لها، وبذلك يصبح الخطاب الشعري بمثابة (تيار الوعي) الذي فرض نفسه على العاشق ليبث لواعجه ودواخله، ويكشف حالته النفسية بغرور يجسد نظرته الدونية إلى (معشوقته) – ولا نقول العاشقة، لأنها هنا خرجت من دائرة الفاعل، إلى دائرة المفعولية حسب ما سنرى لاحقا – في حين يعلو صوت المدّعى عليه (العاشق) وينفي ما زعمت معشوقته من كلام، فـالـ(بيت) والـ(كف) هما الشاهدان على حضور كل منهما في مكان محدد، وفعل محدد، حدث في زمن مضى. وسأقتصر قراءتي لمجموعة (قصائد تحترف العشق) على قصيدة (مساء وغربة) (). لاقتراب فضائها الشعري من بقية القصائد، وكأننا أمام وحدة موضوعية للمجموعة كلها.
تبدأ القصيدة باقتراب نوعي يتخذ من التعبير السردي مفتتحا للولوج إلى عالم يتحكم به خطابان، خطاب يتجه من الشاعر إلى ذاته، وخطاب يتجه من الشاعر إلى مخاطب مخصوص (حبيبته). الأول حوار داخلي عبّر فيه عن فعله الذاتي الذي يتحدد في (س) الاستقبال، وإمكانية توظيفه في فضاء يكون فيه الشاعر مًرسِلا ومُرسَلا إليه في الآن نفسه، والثاني حوار خارجي يكون فيه المخاطب هو المرسل إليه بشكل مباشر، والقارئ المرسل إليه بشكل غير مباشر.
وإذا كان بعض الشعراء ينتقل من الألم الذاتي إلى الألم الجماعي بتمظهرات واضحة في بنية النص، نجد أن الشاعر محمد الصائغ ظل في دائرة الألم الذاتي، يؤطر مصير عشقه المأساوي بخطاب تذكاري – إن جاز التعبير – يختزن طاقته التأثيرية في صور شعرية، تتضمن إشارات تعزز اقترابه من الفضاء التراجيدي الذي يحاول أن يخفيه، ولكن دون جدوى (نار الحنين، الرحيل، الليل الحزين، الوجه الحزين......).
في هذا الخطاب الإقناعي يسعى الشاعر إلى حذف (كم) الخبرية الدالة على التعداد، فحين يقول (وظلت هداياك في القلب تشعل نار الحنين) فهو يكرّس حقيقة ما يأتي به من أدلة على عمق العلاقة بينهما، هذه الأدلة الحجاجية، تجعل الأمر لملزما بما حققه الراصد/ الشاعر، أو الرائي / الشاعر، من أفعال تنغلق على الذات، وتتناول تجربته التي وضعها في مسار إقناعي مباشر، فالضميران الظاهران في الخطاب (كاف الخطاب) المكسورة في (حزنكِ، هداياكِ، أصابعكِ، فساتينكِ) و (ياء المتكلم) الساكنة في (ليلي، وجهي، عنّي، عمري، حلمي، حزني) يشكلان حضورا في الخطاب، وقصدا في الارسال، وبهذا حقق جدلية الحضور فاعليتها الحضور القصدي مقابل الغياب العيني، وهذا واضح في أفعال التذكر التي فعلّتها (الهدايا والأصابع والفاستين) التي كرّست هذه الجدلية، وكأنها أطلال يبكيها الشاعر، ويوظفها في تشوقه لسطوتها عليه مرة، وفي تمركزه حول ذاته مرة أخرى، وهو الشاعر العاشق المنفعل جراء (الرحيل). أما جدلية المكوث/ الرحيل التي هي ظاهرة للعيان في مجمل صور القصيدة، فهناك أنين داخلي جراء جدلية السكون/ الحركة في كل من الضميرين المذكورين آنفا، وقد جاء هذا الأنين بشكل تلقائي ليعبر عن مدى الظمأ الذي عانى الشاعر منه بعد الارتواء.
تتشكل البؤرة النصية في قصيدة (مساء وغربة) في فعل الرحيل، إذ تعد هذه البؤرة مركز تقاطب وجذب لباقي الأفعال الجزئية التي تحدث في النص، والتي تؤدي بدورها إلى العمل الكلي، فعلى الرغم من خلو العنوان من كل ما يتعلق بالرحيل، إلا أن الشاعر يدخلنا في دائرة الحزن منذ البداية، فالمساء غالبا ما يبعث إلى الحزن وهو يقود الوقت إلى عتمة الليل، والوحدة ستقود الشاعر العاشق إلى الاغتراب النفسي، لذا نشعر بخيبة هذا العاشق من ثريا النص كما هو متعارف عليه.
في أول سطر شعري من القصيدة (سأقرأ بعضا من الشعر هذا المساء) تتجسد استعارتان تقابليتان ضمنيتان، تتعلقان بالحضور والغياب، الاولى: تتجسد في تنافر (كل / بعض) ؛ ولأن الشاعر اكد على حضور (بعض) أشعاره، فإن غياب الباقي سيبقى متعلقا بهذه السببية التي فرضها الشاعر، الثانية: تتجسد في تنافر (المساء / الصباح) فالشاعر يمتلئ بالحزن والاسى في المساء، وهذا ما جعله يخوّل نفسه الانشغال بقراءة الشعر، أما في الصباح فيتعذر عليه قراءة الشعر، إما لعدم وجود حافز يدفعه للقراءة، أو لانشغاله بتفاصيل الحياة اليومية التي تلهيه عن القراءة، وفي كلتا الحالتين، يتعذر على الشاعر القراءة؛ ولهذا جاء الحرف (س) الذي يفيد الاستقبال، في المساء، لأنه سيأخذه إلى الليل، الذي يشكل طوله أحد مسوغات القراءة، ويعاضد هذا التسويغ حمل العاشقة حزنها والرحيل عنه، وما سؤاله (هل ترحلين) إلا استفزازا لمخيّلته الشعرية؛ لأنه على يقين تام بانها رحلت (وأنت رحلت). والسؤال الذي ظل يراود الشاعر كما راود الاقدمين والمحدثين، هو، ما الذي ستخلفه العاشقة بعد الرحيل؟:
((وظلت هداياك في القلب تشعل نار الحنين
وظلت أصابعك الناعمات تفتش عني
وظلت فساتينك السود تحمل حزنا كليلي الحزين)) ().
وهنا تفعّل جدلية الحضور / الغياب شعرية النص المحترف للعشق، وتضعنا أمام غياب العاشقة بوصفها شخصية، تمارس وجودها من جهة، وحضور هداياها وأصابعها الناعمات، وفساتينها التي تفعّل الذاكرة وجودهم من جهة أخرى، إلا أن هذا الحضور المجازي لن يجدي شيئا أمام رحيلها، ومغادرتها لفضاء اليخضور النعناعي كما يطلق عليه يوسف سامي اليوسف، ذلك الرحيل الذي أفسد حلمه، وحوّلها إلى حاضرة / غائبة في الآن نفسه في الأسطر الثلاثة. لقد احتوى كل سطر على شيء ما أدّى إلى فعل إنجازي، يؤدي بدوره إلى حالة معينة، فالـ(هدايا) ستظل تشعل نار الحنين في قلبه، والـ(الأصابع) ستظل تفتش عنه في كل مكان، والـ(فساتين) ستظل تحمل حزنها الذي يشبه ليله الحزين، وقد قاد الفعل (ظل) الأفعال الإنجازية الثلاثة إلى فضاء استشرافي لا يستطيع مغادرة الحلم، ولا القفز فوق الواقع.
انتهى المقطع الاول دون الحصول إلا على دلالات متقاربة، تجلت في متعلقات الرحيل والمكوث، لذا سنواصل القراءة، ونؤجل فاعلية التأويل التقابلي إلى ما بعد قراءة المقطع الثاني؛ لعله يمنحنا فرصة جديدة لتنشيط هذه الفاعلية.
((سأقرأ بعضا من الشعر)) ().
يكرر الشاعر هذه اللازمة القبلية في المقطع الثاني، وبالصيغة المستقبلية ذاتها، وإن دل هذا الفعل الشعري على شيء، فإنما يدل على استمرارية الحالة التي تمظهرت في المقطع الأول، لا سيما وجود تركيبين (فليلي طويل) و (رحلت أنت) بوصفهما قرينتان قارتان في كلا المقطعين، إذ يعزز وجود إحداهما وجود الأخرى. ومثلما فعّلت مفردة (بعض) علاقة الحضور والغياب في المقطع الأول، يفعّل التركيب (شيئا من) تلك العلاقة التي تضعنا مواجهة أمام استعارة تنافرية ضمنية، ما زالت تتجسد في بعض / كل؛ ورحيل / مكوث . وبسبب هذا الرحيل فلم تعد هناك أمنيات للعاشق؛ لأن غدا عندما يصحو لن يجد من تقبّل وجهه الحزين، وعندما يقتل لن يجد من تصلّي عليه.
في السطر الأخير من القصيدة (غدا لو قتلت فمن سيقيم عليّ الصلاة) تنحرف الطقوس الدينية المتعارف عليها، والمراسيم التي تتعلق بدفن الميت، فهل حدث خلل معرفي في حدود التجربة الحياتية (للشاعر = العاشق) بشأن صلاة الميت؟ وهل أراد الشاعر العاشق الوصول إلى المستحيل عبر هذا المطلب المفترض؟ لكن عندما نتأمل السطر الشعري جيدا، تعود بنا ذاكرتنا القرائية إلى قصيدته الأولى في المجموعة (سيرتي الذاتي) فنقرأ من جديد (أنا رجل باع كل التقاليد في الحب والموت). وعليه ندرك أن مطلبه الاستثنائي لا يتحقق إلا في الحلم أو الشعر، فالـ((الشعر كالحلم كل شيء ممكن)) ().
يبقى لدينا سطر شعري في المقطع الأول لم نتناوله؛ لعدم توافقه مع ما جاء في المقطع، فشكل بذلك خرقا، أو خللا سياقيا، وسطرا مفارقا كما بدا قبل قراءة المقطع الثاني، ولكن بعد القراءة سعى هذا الخرق إلى فتح المجال أمام فاعلية التأويل التقابلي، فشكل لدينا مستويين – وإن كان واضح المعاني والدلالات – ما قيل (المعبر عنه) ، وما لم يقل (المسكوت عنه) بمعنى آخر الظاهر والباطن، أو الذات والآخر؛ ولأن الكتابة - حسب ما متعارف عليها - ترتبط بالأحوال الذهنية والنفسية المتقابلة، فهي تنشأ، وتترعرع في الفضاءات الدلالية لهذه العوالم المتقابلة، والوضعيات الثنائية(). فإن كل شيء فيها قابل للتأويل، حتى وإن كان عناصر النص وتقاناته متفرقة، فـ((كلما كانت العناصر متفرقة عن بعضها في البدء، وبدا الامر صعبا في أيجاد علاقة بين العناصر؛ بسبب غموضها، كلما ارتفعت القيمة الجمالية للعمل في اللحظة التي يتم اكتشاف بنية التجتنس فيه)) (). وهذا ما حصل لنا مع السطر الشعري آنف الذكر. وفي نهاية القراءة أتساءل: ما علاقة كل النساء بما فعلته امرأة عشقت ورحلت عن عاشقها؟ وهل اختار الشاعر دائرة النرجسية والغرور ليعلن ابتعاده عن كل النساء؟ وهل أن القحط الذي أصابه جراء رحيل عاشقته جعله يصد ويرفض الوفرة من الأحلام والآمال؟ تبقى هذه الأسئلة تنتظر أسئلة أخر في كل قراءة.

ليست هناك تعليقات:

أخبار ثقافية

قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة

قراءات أدبية

أدب عالمي

كتاب للقراءة

الأعلى مشاهدة

دروب المبدعين

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...