الصفحات

أحلام في الجنّة ...*مريم حوامدة

⏪⏬ 
خيال الطفلة وأمنياتها واتساع مداركها والطاقة الهائلة من النشاط والحيوية لاحتواء كل جديد في العالم الذي يحيطها او تسمع عنه جعلها تفكر بما لا يخطر ببال الأطفال ،

المذياع الصغير هو من يجوب بها اقطاب الدنيا بالرغم من حقارة البطاريات الأربعة التي تستهلك بسرعة حيث أن الشقيق المتوسط في سن المراهقة ويومياً يحافظ على سرعة عودته من العمل في نفس الموعد واحتضان الراديو الازرق ذو الدولابين الصغيرين واحد على اليمين من أجل التقاط المحطات والآخر على اليسار لرفع الصوت واخفاضة كان أشبه بشكل بيوت مدينة " سيدي بوسعيد التونسية " وحتى لا تفوته حفلة سيدة الغناء العربي الساعة السادسة والنصف مساءً الجميع يحافظ على وضع الراديو قرب فراشه المحاذي دوما لفراش والدته حيث يمضون السهرات ويفضلون النوم في العراء صيفاً على رصفة اسمنيه لبئر الماء
لتعود الأخت الكبرى في اواخر الليل بعد إطفاء المصابيح الصغيرة لدس المذياع في فراشها وخفض الصوت كي تتابع برامجها المفضلة " همسات الليل وبعض المسلسلات الاذاعية " ولطالما ازعجتني مراهقتها وصوت الأغنيات ليلاً وصفير الشجن الموسيقي ال" باك رواند " للأحداث ، بينما كنت اخفي أناملي خجلاً تحت الغطاء وأبدأ بالعد لنقاط أسئلة الامتحان القادم والتأكد من الاجابات الصحيحة في ذاكرتي حيث أغفو مستغرقة بنوم نصف عميق ،
كانت فرصتي للحصول على هذا الراديو نادرة جداً كون العائلة تمنعني من ذلك بسبب الدراسة والتفوق وامل أمي المنتظر في وضع شهادتي العليا في برواز زجاجي وتعليقها في مدخل البيت او في غرفتها ،
" أحمد " كان عشقي الأخوي عدا عن أنه شقيقي الذي يكبرني مباشرة بل كان اكثر من ذلك فهو رفيقي في طريق المدرسة والصديق الذي افشي له أسراري واخطط معه وأداري اخفاقاته واكاذيبه للوالد بخصوص الامتحانات المدرسية والتقاعس عن العمل في المزرعة والحديقة ،
دلال الوالد لي كثيراً وكلمتي المسموعة المصدّقة لأسباب لا ادركها تحديداً ولكن اعتقد ذلك لاني احمل اسم جدتي او لكثرة شوق والدي لانجاب بنت أخرى تكون سمراء البشرة تشبهه ، كان هذا شفيعاً لي عند حدوث المصائب التي نقترفها سوياً وبالخفاء ،
أوائل الربيع والدي منشغل في حراثة بستان البيت وتقليب التربة وتعشيبها ووضع سياج من الحجارة يحيط بالأشجار التي جرفت رياح الكوانين وامطارهما تربتها ، انشغال والدي منحني الفرصة الذهبية للاختلاء مع أحمد وممارسة هوايتي في الغناء والرقص ، اقترحت عليه أن نبتعد قليلا عن نظر والدي الى ناحية الحديقة من الجهة الجنوبية حيث هناك فتحة صغيرة في السور الحجري وبوابة خشبية نصف مصفحة بلوح صفيح رقيق كنت قد تركت قفل البوابة مفتوح كي نهرب مسرعين اذا ما سمع والدي الضجيج ، احضرت كرتونة كبيرة فارغة كانوا يضعون فيها علب السمن الكبيرة وتباع في محلات التجارة بالجملة استخدمتها والدتي ونفذت قبل عامين من الحدث ، قمت بربط حبل طويل نوعا ما من جهة واحدة للكرتونة والطرف الاخر المقابل له أيضاً وعلقتها في عنق أحمد وناولته اعواد طويلة كالعصي من أغصان شجرة الدراق وأشرت له عندما أبدأ بالغناء فوراً تبدأ بالنقر على هذا الطبل الكبير ليكون اللحن منتظماً وكنت قد وضعت في أصابعي حلقات من الحديد الدائري تشبه الخواتم ولكنها واسعة قليلاً على مقاس أصابعي كانت تستعمل عنق لمصابيح المازوت ومجرد طرقها مع بعض يحدث خشخشة تضيف ايقاعا للمعزوفة ،
و مع أول ضربة للكرتونة بدأت أصدح بأغنية "سميرة توفيق " لقيتك والدنيا ليل .... ولم أكمل حيث داهمتني وأحمد الحصى الصغيرة التي قذف بها أبي عند سماعه اول الغناء والصوت ،
لشدة خوفي خلعت الصندل من أقدامي وهربت من الباب الخشبي الى خارج الحديقة وتركت أحمد تكبله الكرتونة المربوطة في عنقه ولم يستطع التخلص منها بسرعة بل وقع فريسة لصفعات والدي وغضبه ،
لم أعد للبيت يومها إلا مساءً من شدة الخوف من عقاب والدي مكثت طيلة اليوم في بيت جيران لنا في فناء بيتهم المقابل للحديقة ولم ارى احمد ولم أسمع له صوت فقد حكم عليه أبي بحراثة جزء كبير من الحديقه، قلقي عليه جعلني في حالة حزن وندم على ما اقترفته من ذنب عندما جعلت منه طبال الحفل ،
ضحكات والدي أشعرتني بالراحة عندما عدت واطرقت السمع من خلف الباب وهو يحدث أمي واخوتي الكبار عن فعلتي وكان جل غضبه أن أغنيتي بدأت حينما أعلنت سماعة المسجد ظهراً دعاء الفلاح
"الله أكبر حيّ على الصلاة "

*مريم حوامدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.