الصفحات

صدر حديثاً رواية (ملح البحر) تأليف: ريم صدقني .. رواية تسكن سطورها سجينة دفنت نحو عشرين عاماً خلف القضبان | السيناريست والناقد الياس الحاج


صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب
وضمن سلسلة (إبداعات شابة) رواية (ملح البحر)، تأليف: ريم صدقني.
تعصف رياح الأمطار، وتمر فصول من سنين التشرد على التائهة (مريم)، ولاتزال لوحة البحر ضبابية بلون أحمر داكن حزين فوق سطح الماء، بينما صخور من الملح تجمدت كمقلتيها المتحجرتين بالدمع وهي تقترب أكثر فأكثر متوكئة على روحها، هامسة لشفاه موج يضرب الشاطئ بعنف صارخ:
- لا بد أن يعود (بحر)، لأجل أرواح من ملح البحر، المسكونين بالحلم، الأمل، الحب.. لأجل من أمسكوا بظلال الشمس ساعة المغيب، من ليس لهم ليل يغفو، ولا صباح يرحل.

رواية (ملح البحر)، تأليف: ريم صدقني، رواية من القطع المتوسط تقع في 239 صفحة، صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2017.
مطالعة ..
ملح البحر .. رواية تسكن سطورها سجينة دفنت نحو عشرين عاماً خلف القضبان ، وتخرج إلى السجن الأرحب في زمن الحرب ، زمن الفساد ، تجار الأزمات والأجساد ، لتعيش الجوع والقهر والفقر والبؤس والحرمان ، متطلعة نحو المجد ، والانتقام ممن اغتصبوا بشهواتهم رحم أنثى .
وتدور رحى أزمنة الرواية حول قصة حب تبحث عن المجد ، مشكلة في تراكم وتداخل عوالمها السيكولوجية والفلسفية المتتالية مفترق طرق في آراء القرّاء ، والناتجة عن زخم أنواء أحداثها وانقلاباتها داخل مكنونات المتأمل لأسلوبية الكتابة المبتكرة ، والباحثة أيضاً عن معالجة تبتعد عن الإسهاب والتكرار السردي ، في تفاصيل عوالمها ، مبدعة في تكوينها خلقاً شعرياً روائياً دون أن تغيب عن ذاكرتها شخوصها الرئيسة وصراعاتهم المحورية، مشكلة في مساراتها، معادلاً كيمائياً في زمنين متصلين، السجن والقضبان من جهة ، والسجن الأوسع من جهة أخرى ، والذي أطلقت عليه ( الحياة ) في حكاية عشق مملحة بدموعها .. لأجل عشاق البحر .. لأجل الحب.
تنطلق أمواج الرواية من الزنزانة رقم ( ثلاثة وثلاثون ) عمر السيد المسيح، وفي إثني عشر فصلاً ( موجاً ) ... نوع من أنواع الملح ( حواس ، خوف ، نبض ، دم ، زبد ، أرواح ، رحيل ... إلخ ). وكأنها البشارة على أيدي تلاميذ المصلوب ، امتداداً لأنواع صلب المظلومين والمقهورين الحالمين بكسرة خبز أو جرعة ماء ، وكأنها تعيد شريط ذاكرة ( بؤساء .. فيكتور هوغو ) ، المتمثلة بشقاء المغضوب عليهم من المحرومين والحالمين بمجد الخلود .
ومن بؤرة الإبداع الأدبي الشاعري تنطلق كاتبة ( ملح البحر ) نحو هدف التأثير ، في عملية تواصل ( جر ودفع ) فتحمّل القارئ مسؤولية التأويل والإسقاط كشريك في صياغة أحداثها ، وكمن يشاهد شريطاً سينمائياً دون تعقيد فيخترق مجالات التفكيك والغوص فيما وراء الكلمات وأعماق السطور ، وبذلك يسجل للكاتبة مهارتها وحنكة صياغتها الأقرب إلى الدرامية المُحكمة، محققة عملية التواصل الفكري لموضوع شمولي المعالم والأحداث البانورامية ، الممتدة من زمن الحرب ( نكسة حزيران ) إلى موانئ الناس وإبحارهم في مواجهة العواصف المغتصبة لأحلامهم .
تشرع ( ريم صدقني ) نوافذ بنية الرواية العميقة وتفككها إلى وحدات مزخرفة بشاعرية الحروف والكلمات والظلال وألوان الأزمنة ( الليل والنهار والفجر والغروب ، تسرّب الضوء من فوّهة زنزانة ، شموس البحر والبحّارة ، الأقبية المظلمة ، الأبنية الفخمة الشاهقة بأنوراها ) ، وبما يجعل القارئ الملهم مساهماً في رسم ملامح الشخصيات الأدبية ، وفتح مغالقها ، وتوضيح مقاصدها ، مستعيرة الصورة تلو الصورة ، كموج يتلاطم بين أضلع كاتبتها ، وكملح لا حياة من دونه في أحداث الحياة المفترضة والمتخيلة والواقعية ،والتي تهدأ مرة وتثور مرات في براكين وحمم وانفجارات عواطف ، إلا أن مواسم المطر تنبئنا بمساحات من شروق الأمل والذي لا يغيب في أي مفصل من إيقاع الواقع الرمادي المرير والمغتصب لأحلام البطلة ( مريم ) والحبيب ( بحر) .
ملح البحر .. نتاج ينير ظلمة الخافق بالحب ، فيلهب ويلهم القارئ للمشاركة بتفاعل قوة اللغة وتداعيات الروح، ومنها نسجت الأديبة والشاعرة ( صدقني ) رؤاها البحثية على مستوى " التناص الأدبي " ومن وحي انفتاحها على روايات شهيرة، ومناقشة ذرواتها في إسقاطات تندرج تحت ما يسمى ( بحث العلوم الإنسانية ) ، فاضحة بعمق الذات البشرية ونزعاتها وغرائزها ، محققة حضورها كأيقونة أدبية تتناغم في لغتها الراقية مع ذائقة مختلف الثقافات فتعبر عنهم بأسلوب شعري آسر، وهي بذلك إضافة جادة في الرواية النسوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.