الصفحات

صفاء والتلاسيميا || بقلم: ميساء اغبارية ــ فلسطين


لطالما كان مرض التلاسيميا مرض يواجهه فئات عديدة من الناس البعيدين عنا، فئات لا تتعدى نظرة المجتمع اليهم اكثر من نظرة
شفقة والدعاء لهم بالشفاء من باب التعاطف معهم ليس اكثر . اعتقد ان معظم الناس في مجتمعنا الشرقي اليوم يجهلون بعض الامراض واعراضها ونتائجها ويجهلون قسوة نظراتهم وما يمرون به المرضى من حالة نفسية صعبة اضافة لحالة اجسادهم المرهقة. كنت ذات يوم احد هؤلاء الاشخاص لم
اتعمق يوما بأي تفاصيل مرض صغير كان او كبير كنت اقتصر الحديث واختصره بدعوة للمرضى والتمني بالشفاء لهم ايضا من باب التعاطف والرحمة. الى ان اقتربت ذات يوم وتعمقت بحياة انسانة لا أريد ان اقول مريضة بقدر ما اود ان ابوح بشجاعتها كأنثى في مجتمع شرقي.

صفاء صديقة لي ولدت وهي تحمل مرض التلاسيميا الكبرى ،اليوم صفاء ابنة الاثنين والثلاثين عاما، ابنة المئات من أكياس الدم الاسبوعية المعلقة لإدخالها الى جسدها في بداية صداقتي معها قبل سنين عديدة صدقا كنت اندهش من هذه القوة الغريبة ،قوة تحلت بها طيلة السنين الفائتة.

لا أنكر انني كنت اتغاضى عن الحديث معها في موضوع مرضها لئلا اضعها في موقف محرج او جارح خاصة بعد ان اعتاد هذا المجتمع ان يفضل الصمت على الحديث ومواجهة مشاكله العديدة بطريقة ادبية وهادفة.

اذكر انني ذات يوم قمت بالاتصال بها سائلة اياها : أين أنتِ ؟ ردت بنبرتها السعيدة المعتادة "بعبي بنزين" حينها ظننت للوهلة الأولى انها فعلا في محطة الوقود ،الى ان ضحكت ساخرة مني وقالت لي "ولك يعني بفوت دم"، كان الدم بالنسبة لها وقود جسدها ،لا انسى شعوري في تلك اللحظة انتابني احساس بالصمت لدقائق قليلة امام تساؤلات كثيرة في مخيلتي : يا الله ما هذه الشجاعة الغريبة وهي في اصعب لحظات وجعها كم كانت تمثل بنظري كل شخص يعاني من مرض ما لكن مرضه لم يمنعه للحظة واحدة من العيش بسعادة وكل راحة . طالت احاديثنا عن هذا المرض ومعاناة اصحابه من الاوجاع الجسدية والنفسية المتلقاة من المجتمع.

حدثتني بكل عفوية وصدق عن نظرة الأخرين القاسية لها وعن تساؤلات غبية تعرضت لها بسبب جهل يمر به مجتمعنا، لكنها ومع كل هذا حاولت وما زالت تحاول ان تثبت لجميع ان سبب ثقتها بنفسها هي نظراتهم الجارحة والقاسية التي افتعلت داخلها قوة رهيبة ارتبطت بأيمان الله وحبه لها وابتلائها، وان حاجتها لدم كل اسابيع قليلة لا يمثل حاجتها لشفقة احد.

اخجل من نفسي حقا حين ارى الامل يتصاعد في قلب هذه الفتاة وارى كيفية اثبات حضورها ومواجهة اي عقبة تمر بها دون عرقلة من شحوب وجهها او تقلص حجم جسدها، بل كانت اعراض مرضها مميزات لها تجعلها فريدة مجتمعها.. وحدها في نظري التي اثبتت حقا ان مرض الجسد لا يقتل روح الشباب.

صفاء هنا من حروفي اهنئكِ على صفاء قلبكِ وعقلكِ وقوة شخصيتكِ وحبكِ للحياة، فأنتِ نعم القدوة ونعم العبرة لكل شخص لا يعاني من مشكلة صحية لكنه يعاني من تذمر كبير بسبب ضعف ايمانه بالله وضعف شخصيته في هذه الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.