الصفحات

رَاقِصَة وَلَكِن بِقَلَم الأديبة ...*عَبِير صَفْوَت

رَاقِصَة وَلَكِن بِقَلَم الأديبة ...*عَبِير صَفْوَت
⏪⏬
سَقَط النُّورِ مِنْ السَّمَاءِ حَتَّي تلفح الْأُفُق بجلباب أَسْوَد يعارك فَكَرِه راقية الْمُظْهِر ، أَنْسَانِيه التَّوَاجُد فِي رُؤْيَةِ الْآخَرِين ، حَتَّي استكانت الْمَرْأَةِ فِي مَقْعَدُهَا تُقْصَد الْحَقّ . . حَتَّي )
زخت الأمطارُ مِنْ عُيُونُهَا الزَّرْقَاء وكيانها الْأَشْقَر يَهْتَز كَا قَطَعَه مرشيملو بَيْضَاء ، تتفصد الْعَسَلُ مِنْ الْجَبِين وملامح وَجْهِهَا الْأَمْلَس يَجْنِي ثِمَار الْوُرُود الْحَمْرَاء ، تَفَوَّهَت شِفَاهًا البمبي ، كَطِفْل يتتوق لِصَدْر أُمِّه ، تبوح بِصَوْتِهَا الْأَقْرَب لِصَوْت الْكُمَّان ، تَعْزِف عَلِيّ أَمَالَه مِنْ بُؤْبُؤِ عُيُونُهَا ، تستجدي الْقَانِط أَمَامَهَا بِلُطْف يَحِير نَاظِرُه :
بِاَللَّهِ عَلَيْك ، مَاذَا لَك مِنِّي غَيْرِ الصِّدْقِ ذَاتِه ؟ !
قَالَ لَهَا صَاحِبِ الْحَالِ بِهَذِهِ الْجِهَةِ الرَّسْمِيَّة :
الْمُجْتَمَع سيدتي الْجَمِيلَة ، مَاذَا سَيَقُول ؟ !
قَامَت الرَّاقِصَة فِي زَهْو ، بِحَرَكَة لولبية مِن كفوفها الْبَيْضَاء ، كَأَنَّهَا تَسْتَعِدّ إنْ تَقَدَّمَ رَقْصَة شَيِّقُه مِن صَمِيم قَلْبُهَا ، نَظَرْت إلَيّ السَّمَاء ، حَتَّي ظَنّ الْمُوَظَّف الحكومي ، أَنَّهَا تَفَكَّر بِالْغِنَاء أَو تُعْلِن عَن اسْتِعْراض ، حَتَّي قَالَت بِلَا ادني مَلامِح تأثيرية ، فَرَغْت مِنْهَا الأحاسيس ، إلَّا لَيْس بِالْإِمْكَان أَفْضَلُ مِمَّا كَانَ .
حَتَّي تَحَاكَّت . . )
أَنَا رَاقِصَةٌ محترفة ، طَالَمَا كُنْت أُرِي الرَّقْص مِثْلِهِ مِثْلُ السَّبَّاحَةِ أَوْ مُمَارَسَةِ الرِّيَاضَةِ أَوْ مِنْ الْعَادَاتِ اليَوْمِيَّة مِثْلَمَا كَانَتْ تَقُولُ أُمِّي ، كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ المصيرية ، وَأَنَا اسْتَمَع لِكُلّ نَغَمَاتٌ الْأَحْدَاث البشعة وَالْأَفْعَال السلوكية المقشعرة لِلْجِسْم ، وَأَنَا أَرْقَص .
كَانَ ذَاكَ الْحَالِّ بِالنِّسْبَةِ لنشئتي مِثْل الْعَوَامِل الطَّبِيعِيَّة ، السَّمَاء تُرْعَد وَأَنَا أَرْقَص .
الْأَرْض تَهْتَزّ وَأَنَا أَرْقَص .
الْحُرُوب تُقَام وَأَنَا أَرْقَص .
الصِّرَاع دَائِمٌ وَأَنَا أَرْقَص .
الْحِلْم يَتَجَدَّد وَأَنَا أَرْقَص .
تَعَلَّمْت أَنَّ الطَّرِيقَ إلَيّ شتي الطموحات الْمُخْتَلِفَة يَخْرُجُ مِنْ رَحِمَ الرَّقْص ، أَرْقَص لِكَي أَنْصَح ، أَرْقَص لِكَي ابْنِي جِيل صَحِيحٌ مِنْ فَحِيح الْحُرِّيَّة إنَّمَا لَا مَنَاط عَنْ الِاعْتِدَالِ ، أَرْقَص كَي أُعْطِي الْفُقَرَاء وَأَتَعَلَّم وَأَكُون رَمْزًا مِنْ رُمُوزٍ الْمُجْتَمَع ، بِقُوَّة دَافِعَةٌ مِن الرَّقْص الْمُشَرِّع ، حِينَ يَكُونُ الْعَطَاء مُتَعَدِّد فِي صُورَةِ الرَّائِعَة .
تَعَلَّمْت كَيْفَ أَصْنَعُ مِنْ الرَّقْص تِمْثَالٌ الْحُرِّيَّة وَالْعَطَاء لِلْآخَرِين ، أَرْقَص لِأَقْوَم بِالْبِنَاء ، أَرْقَص لِأَصْنَع ، أَرْقَص لِأَوْجُه ، أَرْقَص لِصُنْع أَشْرَف العَلاَقَات ، نَسْتَطِيعُ أَنْ نشكل الْحُرِّيَّة حَسَب تَفَاصِيل أَجْسَادِنَا .
لَكِن هُنَاك الْكَثِيرُ الَّذِي يُعْتَبَرُ عَلِيٍّ فِي هَذَا الْأَمْرِ ، وَلَم يراودني يَوْمًا شَكَّ فِي مُسَاءَلَةٍ نَفْسِي ، تَفَكَّرْت بِنَفْسِي ، مَا سَبَبُ تُمْسِكِي بِالرَّقْص؟! طَالَمَا صَارَت ميولي الْجَدِيدَة نَحْو الْإِنْسَانِيَّة ، إنَّمَا لَمْ أُرِي الرَّقْص أَوْ أَيُّ شَيّ آخَر بَعِيدٌ عَنْ الرَّقْص .
كُنْت أَتَنَاوَل طَعَامِي وَأَنَا أُرِي الراقصات فِي مُلْهِي أُمِّي اللَّيْلِيّ يَلْتَوِي خصرهن متاثرين بِالْحُزْن أَوْ الْفَرَحُ لَكِن وَهْنٌ فِي حَالَةِ الرَّقْص .
فَعِنْدَمَا تَمْر الرَّاقِصَة بِأَزْمَة ، كَانَت تَجْهَر أُمِّي بِوَجْه التَّابِعِ لَهَا قَائِلُه بِعُنْف :
وَاد يَا شَفْطَة عَلِي النهواند وَأَنْزَل بالسيكة خَلَّيْنَا نَفْهَم ، مَا هِيَ العِبارَةُ ؟!
طَالَمَا حَلَّت الْمَشَاكِل والأزمات فَوْقِ هَذِهِ المِنْضَدَة الرخامية تَصْطَكّ الْكُؤُوس وتترنح وَتَمَلُّك أُمِّي زِمَامَ الأُمُورِ ، وَهِي تُطْرَح القضاية عَلِيّ نَغَمَاتٌ الطَّرَب وَهَزّ خَصْر الراقصات .
كَبِرَت وَقَد تَوَجَّهَت إلَيّ الثَّوَاب ، بَعْدَمَا اسْتَقَلَّت نَفْسِي بِعَمَلِي فِي الرَّقْص الْحُرّ ، حَتَّي أَرَدْت أَنْ أَعْمَلَ الصَّالِح كُنْت أَتَصَدَّق وَاعْمَل الْمَشَارِيع الَّتِي لَا تُعْرَفُ عَنْ الرَّقْص شَيّ ، نَجَحْت وَتَأَلَّقَت ولقبني الْجَمِيع , رَاقِصَةٌ الْخَيْر .
وَصَلَت بَهْزٌ الْوَسَط إلَيّ أَعَلَيّ مَرَاتِب الْحَيَاة وَالتَّمَيُّز مِنْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كَان لعطائهم ثَمَرَة التَّقَدُّم وَفَتْح طُرُق جَدِيدَةٌ لِكُلِّ طَامِح .
كُنْت ابْنِي وَإِنْشَاء وَأَطْيَب أَوْجَاع الْجَمِيع
لَم ينقصني شَيّ ، إلَّا شَيّ وَاحِد طَالَمَا بَحَثْتُ عَنْهُ طَوِيلًا وَلَمْ أَجِدْهُ حَتَّي الْآن . . وهو)
لِمَاذَا أَتُمْسِك بِالرَّقْص ؟ ! مِثْلَمَا يَتَمَسَّك الْإِنْسَان بِأَبْسَط حُقُوقِهِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ .
حَاوَلَت الاِبْتِعَاد وَالتَّنَكُّر مِن الرَّقْص والراقصات ، إِنَّمَا مَا كُنْت إمَامِه أَمَالَه رَأْسِي وخصري والتخاذل إمَام الرَّقْص .
فَعِنْدَمَا أُفَكِّر أَوْ أَحَلَّ قَضِيَّةٌ مِنْ الْقَضَايَا الْهَامَة ، كُنْت أُرِي بِطَانَةٌ الْمُشْكِلَة أَصْوَات مِن النهاوند والسيكة والصول ، فَكُنْت لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَجِدَ الْحِلُّ إلَّا بَهْزٌ وَسَطِي بَيْنَ الْجُمُوعِ ينبهرون وَأَنَا أهْيَم فِي الْمَحَالِّ أَرْبِطَه بِالْوَاقِع .
إلَيْك حَالِي وَمَا تَتَجَوَّل بِهِ نَفْسِي عَبَّر الْوَاقِع أتساءل ، هَلْ مِنْ حَقِّ التَّارِيخ لِلْآخَرِين ؟ ! أَنْ يَتَطَهَّرَ أُمِّ أَنَّ يَظَلّ بِقُبْحِه .
اِنْزَلَقَت دَمْعُه حارِقَةٌ ألْهَبَت أَجْفَان صَاحِبِ الْحَالِ ، ارتعشت يَدَاه وَهُوَ يُؤَكِّد بِكَلِمَة مَخْتُومَة ، تَمَّت الْمُوَافَقَة .
-
*عَبِير صَفْوَت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.