الصفحات

سر الورقة ...* وليد.ع.العايش

⏪⏬
ولج جوليان إلى المكتب الذي انتظر وقتا لابأس به للوصول إليه ، كان هناك ثلة من الأشخاص ينتظرون دورهم : ( ربما تأخرت في القدوم ) ... قال لنفسه ...
جوليان شاب في مقتبل العمر ، وسيم الوجه ، بهي الطلة ، طويل القامة ، أسود الشعر ، خفيف الظل ، نشأ في قرية بعيدة عن العاصمة ، لكنه جاءها منذ زمن طويل ...
كان يعرف بين رفاق الدراسة بإحساسه المرهف كوردة جورية ، وربما ك ياسمينة أطلت برأسها في صباح ريفي جميل ...
عندما كان يجول بنظره أرجاء المكتب فوجئ بفنجان قهوة كاد يحط الرحال فوق رأسه ، تمالك نفسه وتناول الفنجان ( شكرا ... شكرا لك ) ... انتظر الشخص هنيهة !!! ثم انصرف عنه ممتعضا .
( ماذا تريد يا سيد جول ) أتاه السؤال من مدير المكتب ، ناوله ورقة محمرة الوجنتين ( هههه ... نعم نعم ... اقترب إلي ) ... دنا جول كما أسماه الرجل ذو الياقة الحمراء واللحية الكثة ( ماذا ياسيدي ) ... كتب الرجل رقما على ورقة صغيرة وناولها للشاب ، في ذاك الوقت كان الرعد يقصف في الخارج ، بينما الطيور تغادر فجأة خوفا من عاصفة قادمة لا محالة ...
حمل جوليان الورقة وخرج دون أن ينبس بكلمة واحدة .
في الطابق الأسفل كان هناك مكتب آخر ، قرر أن يزوره لعل شيئا ما يتغير ، بدأ المطر يضرب النوافذ بقسوة ، الرياح تشتد أكثر وأكثر ، هذه المرة لم يضطر للانتظار مطولا : ( أنت جوليان ... أليس كذلك ... إليك بهذه ) دفع إليه بورقة جديدة رافقتها ابتسامة ساحرة ( تفضل اشرب فنجان قهوة ) ... ضحك جوليان ثم غادر المكان مسرعا ...
أرخت العاصفة جدائلها ، أوحلت الأرض ، البرد ارتفع منسوبه كموج البحر ، الطريق إلى القرية أصبح وعرا للغاية ، الحياة تكاد تلامس خيوط الموت في هذه الأمسية ...
كافة الدروب وعرة ، بل تحولت إلى دروب مسدودة ، حتى الثقوب الصغيرة غابت خلف الغيوم السوداء ، تحول جوليان إلى إنسان بائس ، يتسول كلمة في بستان مليء بالألغام ، الذاكرة فقدت كلمة المرور نحو براعم تحلم بالولادة ...
( ماذا حصل معك يا جوليان ) ... قالت الزوجة الشابة ... كان متجهم الوجه ، مرتعد الأطراف ، الغيظ يحيط به من كل مكان : ( لاشيء ... لاشيء ... دعيني وحيدا ... آه أوقدي المدفأة ) ...
في صبيحة اليوم التالي استيقظ قبل دجاجاته العشرة ، ارتدى ثيابه الشتوية وغادر على الفور : ( ألا تريد أن تشرب القهوة ) نادت زوجته ... ( لعن الله القهوة ) قالها وهو في طريقه إلى سيارته القديمة ... لم يكن هذا اليوم شبيها بشقيقه ، لقد خرجت الشمس ، وتزينت السماء بأسراب العصافير ، ترك على ثغره ابتسامة مستجدة ، هل كان يتفاءل !!! ...
الساعة تشير إلى التاسعة صباحا ، المكتب الفخم يثير الرغبة في الجلوس ، كأس الشاي لم تتأخر في الحضور ، مد يده صوب جيبه الأيمن ، أخرج ورقة ونقدها للرجل ... ( يالك من بخيل ) قال الرجل في سره ...
سارت عقارب الساعة ببطء شديد ، تجول كثيرا في ذاك المكتب ( ألم يحن دوري ياسيد ... ) ... الجواب كان غائما جدا ، يعاود جوليان انتظاره ، دخل وخرج الكثير من الرعية ، أشكال مختلفة مرت على مرآه ، أحدهم كان يحمل كيسا أسودا ، أخرج منه رزم نقود وزعها على بعض القابعين خلف طاولات خشبية ثم ترك المكان ( إنه كريم جدا ... مالي به !!! ) ...
انتهى كل شيء ، لم يبق سواه في المكتب : ( هيا هيا يا سيد جوليان ... لكن لا تتأخر فلم يعد لدينا وقت ) ...
سكت الشاب الوسيم بينما انفرجت أسارير الباب الموصد بقفل كهربائي ...
نظر إلى الرجل القابع هناك ، كان يبدو متعبا للغاية ، السيجار وحده يعلن عن حيوية ما : ( ما خطبك أيها الشاب ) ... ناوله الورقة ذاتها ثم تقهقر قليلا إلى الوراء ، قهقه الرجل : ( فقط هذا !!! ... تكرم ... تكرم ) ... أضاءت الحياة فجأة أمام ناظري جوليان ، لابد أن حلمه بات وشيك الإمطار ، كاد يخر فرحا ، أمسك الرجل الوقور بقلم ذو لون مختلف ، كتب شيئا ما على ورقة صفراء صغيرة ومد يده صوب الشاب ، قرأ جوليان رقما ما : ( شكرا يا سيدي ... شكرا لك ) ...
-
*وليد.ع.العايش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.