الصفحات

خوان خيلمان ... المنفى والذّاكرة ...* بقلم: بومعزة عبد الغاني

⏪ـ المنفى، قتل ابنه في ظلّ الدّكتاتوريّة و اختفاء حفيدته ميّز حياته وتجربته الشعريّة ـ
الفاجعة عنوان لقصيدة الحياة :
خوان خيلمان هو ابن لمهاجرين أصولهم من يهود أوكرانيا، بدا في كتابة الشّعر في سنّ التّاسعة لكسب قلب جارته الصّغيرة، كتب في
هذا السّياق”في البدايّة، أرسلت لها قصائد شاعر أرجنتيني من القرن التّاسع عشر، تجاهلتني، فحاولت مرّة أخرى، فكان نصيبي التجاهل واللاّمبالاة،فقمت بالاحتفاظ بالقصائد ولا أعرف السّبب”، دون أن يدري كان قدر خوان جلمان هو الشّعر والنّضال والخسارات الكبرى، سنة 1945، كان سنّه خمس عشرة سنة، انخرط في فيدراليّة الشّبيبة الشّيوعيّة بتشجيع من والديه اللّذين تعرّضا للاظهاد، في سنة 1975 ولأنّه كان من أكثر العناصر نشاطا وثقافة واندفاعا أرسلته أحد المنظمّات اليساريّة التّي كان ينشط فيها إلى الخارج لفضح حكم العسكر وإدانة الجرائم ضدّ حقوق الإنسان فوجد نفسه منفيّا ولاجئا سياسيا، في 24 أوت 1976 سيعيش مأساته الأولى و هي اختطاف الجيش لابنه مارسيلو وزوجته التي كانت آنذاك حامل، لم يكن بمقدوره العودة للبلاد بما انّه مطلوب من عدالة بلاده فبقي في المنفى متنقلا بين مدريد وروما ونيويورك وباريس والمكسيك، يكتب الشّعر ويراسل الصّحف والمجلات ويبحث عن حفيدته، في سنة 1989، نجح فريق من الأطبّاء الشّرعيين في العثور على بقايا ابنه مارسيلو، بعد مرور إحدى عشر سنة ، اكتشف انّه تمّ تبني حفيدته من قبل عائلة أحد العسكريين في الأوروغواي، كتب رئيس فريق الطبّ الشّرعي الذّي عثر على بقايا مارسيلو” قضينا اللّيل عنده، بقي طوال الليل مستيقظا يقرأ تقرا التّقرير الطبّي، في اليوم التّالي طرح علينا عشرات الأسئلة، كان محطّما وحزينا،أخفى ملامح حزنه وبدا كرجل يقاوم الصّدمة والفاجعة، جلس أمامي ووضع الملف فوق المكتب وراح يقلب الأوراق ويطرح الأسئلة، كانت أسئلة دقيقة، عن أسباب الموت، الطريقة التّي مات بها ابنه، كان يريد أن يعرف كلّ شيء لكن دون أن يظهر ضعفه وصدمته، بعد فترة وقف واتّجه صوب الحمّام، بقي فيه لفترة وجيزة، ربّما عشرة أو خمس عشرة دقيقة، عندما عاد كان وجهه مبلّلا بالماء فعرفت أنّه كان يبكي”، في سنة 2000 نجح خوان خيلمان في تحديد مكان حفيدته”ماكارينا”، في سنة 2011 أدانت محكمة البلدان الأمريكيّة لحقوق الإنسان دولة الأوروغواي لاختفاء زوجة ابنه مارسيلو ولحذف هويّة حفيدته، في اليوم الذّي صدر حكم بالسّجن لمدّة خمسة وعشرين سنة ضدّ المتورّطين في قتل ابنه قال” شاهدت مجموعة من الشّباب يقفزون فرحا، بالنسبة لي لم أشعر بشيء، لا فرح، لا رضى، لا كراهيّة ولا شعور بالانتقام، لقد مات كلّ شيء في داخلي منذ إن خسرت عائلتي” .

في أكتوبر 1989، تمّ إصدار عفو رئاسي عنه وعن ستة وأربعين عضوا سابقا في منظمات يساريّة كانت تنشط في السريّة في فترة حكم العسكر، طعن في العفو واحتجّ علانيّة عليه، وتظاهر ضدّ القرار وقام بكتابة مذكّرات احتجاج كتعبير عن رفضه ومعارضته .

ـ واجبات المنفى ـ
لا تنسى المنفى
حارب اللّغة التّي تحارب المنفى !
لا تنسى المنفى / بمعنى آخر الأرض /
أو الوطن أو حليب جيّد أو منديل
حيث نهتز / نعيش أطفال /
لا تنسى أسباب المنفى /
دكتاتوريّة عسكريّة / أو أخطاء /
ارتكبناها من أجلك / ضدّك أنت /
الأرض التّي نحن منها
هناك عند أقدامنا / كفجر ممتد /
وأنت / أنت قلب صغير جدا
أي صباح كنسيان /
لا، لا تنسى أن تنسى النسيان ..
---
كتب خوان خيلمان في مذكّرته التّي يحتفظ بها في جيب سترته(لخوان خيلمان قصّة طريفة مع الدّفاتر الصّغيرة التّي لا تغادر جيب سترته أينما ذهب بحيث تحوّل محتواها من كتابات وملاحظات وقصائد قصيرة إلى مادة خام لمشروع شبيه بالمذكّرات )، بينما كان جالسا في مقهى شاهد رجلا في مثل سنّه يمسك بيدّ بنت صغيرة وخمّن انّها قد تكون حفيدته، واقفان أمام واجهة عرض عليها دمى و ألعاب للأطفال، أحيا فيه المشهد ذكريات لها علاقة بالعائلة فكتب ” كثيرا ما فكرت في هذا الرّجل السّاهد، جمع تحت سقف بيته هؤلاء الصبيّة الصّغار مقنعا نفسه بأنّهم سيزفّون له الأخبار المفرحة أو السيّئة،كثيرا ما فكرت في نفس الرّجل المسن، يتلقى خبر العثور على حفيدته الضّائعة، كثيرا ما تساءلت ماذا سيكون عليه بعد كلّ هذه الفجائع، هذا الرّجل، هذا الوطن الذّي ينتج المنفيين، الغيابات، الاختفاءات، التجليّات في الوقت الخطأ”،عندما تمّ منحه جائزة”سيرفانتس”قال أمام جمهور من أهل الفن والأدب ” الجروح لم تغلق بعد، علاجها الوحيد الحقيقة ثمّ العدالة، فقط نسيان حقيقي هو الممكن”، وجاء في خطاب تقديم الجائزة ” التزامه نحو الواقع و الوقوف إلى جانب الإنسان المضطهد ولأنّه كذلك نجح في دمج تجربته الشخصيّة”مأساة أو ملحمة”في مشروعه الشّعري، بمثل هذه المقاييس الجريئة، فان أشعار خوان خيلمان تتساءل عن الواقع من خلال لغة تجعل من المعاني والدّلالات وسيطا بينه وبين القارئ، لغة ذات سطح أملس وشفّافة، كلمات لا تتجنّب المحاكاة السّاخرة والمحتوى الحكائي، كذلك الاستعارات الناتجة عن الصّور الوامضة.

“، يعترف له النقّاد بأنّه نجح في إعادة ابتكار لغة شعريّة جديدة وجامع بين التّيارات الشعريّة السّائدة في تلك الفترة، يظهر هذا جليا من خلال المقارنة بينه وبين كتابات”يوحنا الصّليب”و”الشّاعر الأرجنتيني”هوميرو مانزي”، فهو يتحاور في قصائده مع شخصيات مختلفة ساردا قصصا إنسانيّة بلغة راقيّة تعكس نضج التجربة، يمكن العودة لديوانه”قصائد سيدني ويست”(سنة 1969) حيث قام بخلق خليط متنوّع العناصر من الشخصيّات والأمكنة والأحداث مستعملا لغة شفّافة وروحانيّة يبرز فيها صراع أبطاله في عالم يتغذّى على العنف والاكراهات، كتب في هذا السّياق”أكتب الشعر لأنّه ليس لديّ أي خيار آخر”،هو الشّاعر الذّي اعترف دائما بضعفه أمام لحظة الكتابة، انسياقاتها الحلزونيّة، استعادة الذّكريات وهو يعيد حفر قبور الماضي، انّها لحظة عذاب لا تطاق، للكلمة مرجعيتها الأولى، القصيدة جسم يحتوي بداخله التصدّعات وما ينجم عنها من حالة تشظّي واستنزاف، كتب النّاقد”دانيال فريدبيرغ”وهو تلميذه في عغموده الاسبوعي بعد وفاة خوان خيلمان”الجائزة الوحيدة التّي كانت تنقصه هي نوبل، لم يكن غاضبا أو مستوعبا، فكلما فاز بجائزة ما، أيّ كانت النتيجة معاكسة للتوقّعات، تغوص قصائده نحو التّعقيد، تصبح قصيدة مقاومة لفكرة الانفتاح على الآخرين، أظنّه يقول بشكل ما انّه يرفض أن يعرض شعره في حفل المتوجّين، هذا لا يعني القطيعة، لا، هي طريقته للهروب بعيدا عن النّمطي والمستهلك والاشتغال بعمق وصمت ” .

---
ـ امرأة و رجل جرفتهما الحياة ـ
امرأة و رجل جرفتهما الحياة
امرأة و رجل وجها لوجه
يسكنان الليل غارقان في أيدي بعضهما
امرأة ورجل جرفتهما الحياة
امرأة ورجل جرفتهما الحياة ،
امرأة ورجل وجها لوجه
يسكنان الليل، غارقان في أيدي بعضهما
متناغمان، منفلتان في العتمة
رؤوسهم ترتاح في طفولة جميلة
خلقاها معا، طفولة مليئة بالشّمس، الضّوء ،
امرأة و رجل مقيّدان بشفاههم
يملآن الليل البطيء بكلّ ذكرياتهم
امرأة و رجل أكثر جمالا ببعضهما
يحتلان مكانا في الأرض ..
---
المنفى والقصيدة :

كتب في اعترافاته عن افتتانه بالمكسيك البلد الذّي قرّر الإقامة فيه إلى حين وفاته، كانت بالنسبة له أحد أهم اكتشافات حياته، يقال أنّ الشّعراء قلوبهم معلقة كثيرا بالأمكنة، لديهم ذاكرة كذاكرة الأفيال، تختار بحدس غامض و وجداني الأمكنة التّي ترغب أن تموت فيها، المكسيك بلد يليق بعزلتهم، هو أيضا بلد ملهم للشعراء والفنّانين والثّوريين السّاخطين، مثل، تروتسكي، فريدا كاهلو و دييغو ريفيرا،غارسيا ماركيز، كتب عن تجربته هذه” كنت في المنفى، بين أوروبا وأمريكا اللاّتينيّة، بعد إقامة قصيرة في نيكاراغوا سافرت للمكسيك، في اليوم الأوّل فتنت بما رأيته، كأنّه انفجار هادئ بداخلي، فقررت البقاء فيها للأبد، بدعم من حبّي لهذا البلد العظيم وحبّي لزوجتي”، أوّل أعماله المطبوعة هو ديوان”الكمان وأسئلة أخرى”(سنة 1956)، تمّ تقديمه من قبل الشّاعر”راوول غونزاليس تونيون”، سرعان ما تلقى مديح النّقاد، ثمّ صدر له”اللّعبة التّي نسير فيها”(1959)، و”فيلوريو ديل سولو”(1961)، “غوتان” (1962)،”كوليرا بوي”(1965)، “إعادة طبع وسماكة”(1971) و”قصائد سيدني وايت”(1969)، في سنة 1980، أعاد نشر كتاب”وقائع وعلاقات”، تبعه “تعيينات وتعقيبات”(سنة 1982)،”نحو الجنوب”(1982)،”تحت أمطار الأرجنتين(ملاحظات هزيمة، 1983)، “لوحة الضّوء”(1985)، “انقطاعات،الجزء الثاني”(1986)، “ذلك”(1986)، و”البشارات” .

كتب عن مدى ارتباطه بالكتابة وخاصة الشّعر، كيف أنّه غيّر حياته، جعله ينظر للحياة والنّاس بمنظور فلسفي وروحاني، كيف أمكن للشعر مداواة جراحه ومآسيه من خلال الكلمة والصّفح وحالة التصوّف التّي وجد نفسه فيها وهذا تعويضا عن حالة فقدان و خسارة” الشّعر يمكن أن يتحدّث عن كلّ شيء، السّياسة، الورقة الأخيرة التّي سقطت في الخريف، الصّبيّ الذّي عاقبته أمّه، حجر موجود في الشّارع، الحبّ، هذا ليس بالبساطة التّي نعتقد”، قال مبرّرا باستحالة وضع حدود لأراضي يصعب الولوج إليها مثل الكتابة ، تميّزت قصائده بتخريبها الأسلوبي ومحتواها الجريء، الغير النمطي، تماشيا مع حسّ الفكاهة مما سبّب له الكثير من المشاكل كالسّجن مرتين والنفي ويضيف مستفيضا في كتاب انقطاعات:” بالنسبة لي يمكن أن يكون الشّعر شجرة بلا أوراق تعطي الظلّ، أنّها اللّغة المتفحمّة، وسيلة لمساءلة الواقع، طرح الأسئلة، أعتقد إنّني لا استطيع العيش بدون هذا، انّه أسلوب حياة، طريقة تختارها بإرادتك الشّخصيّة لأنّك مقتنع ومؤمن بها”، حتّى خوليو كورتازار أحد أعمدة الأدب في الأرجنتين، مهاجر ومنفي أخر فضّل العيش والموت في فرنسا لأنّه ما عاد يحتمل مواجهة أشباح الماضي وهي تعكّر أيّامه وتجعل من الكتابة أشبه بجلد الذّات، يمكن القول أنّ خوليو كورتازار هو خوان خيلمان الرّوايّة، عاشا كلاهما فترات صعبة في حياتهما وواجها بالكتابة تغوّل الحياة التّي آلت إليها بلادهم على الحلم، كتب عن خوان خيلمان وهو من أشدّ المعجبين بكتاباته:” عندما نسأل عن خوان، يقال لنا بأنّه يشجّعنا على العودة بشكل واضح إلى الماضي و أكثر وضوحا بشأن المستقبل”، في مناسبة أخرى كتب توطئة لكتابه” صمت العيون” الصّادر في باريس:” الأسئلة، قوّة التكوين، التّأليف والتّركيب، لمسته الفنيّة في قصائد شبيهة بلوحات فنيّة والتزامه الاجتماعي كلها حاضرة بقوّة في جميع أعماله، أنّها المقدرة الخارقة على تصوير الحياة في ثلاثين عملا أدبيّا”، من جهة أخرى وهذه المرّة خوان خيلمان يكتب في مقدّمة ديوانه” الكمان وأسئلة أخرى”(1956):” التّأثير لا يتعلق فقط بطريقة الكلام، لكن أيضا من خلال الرّؤيّة، البصيرة الشعريّة، كما قال بينيديتي ذات مرّة، أنا أنتمي إلى سلالة فاليخو ، لكن التّأثير الرّئيسي يظلّ الواقع ” .
---
ـ كلّ يوم ـ
كلّ يوم
ترون رفيقا يسقط
لا يمكنك تغيير ما حدث
الرّفيق سقط
ولا يمكن إخفاء كآبة الألم
لا الاسم
لا الوجوه
لا الأحلام
بها يقطع الرّفيق الحزن بمقصّه الذّهبي
منفصلة
على حافة رجل،
أو امرأة
جمع كلّ معاناته
في قلبه
تحت شجرة
العالم يبكي من أجل الطعام
هناك الكثير من المعاناة في الفم
أنّها معاناة يجب القيام بها
الرّفيق غير العالم
و وضع طبقات في الأفق
الآن ترونه يموت
كلّ الأيّام
تعتقدون انّه سحب
قطعة من السّماء
مع ظلال الفجر
أو
كلّ الأيّام ، بين السّاعة 5 و 7 ، هو
يسقط متدثّرا بالمطلق / بالأبدي ..
---
من دون أدنى شك فانّ خوان خيلمان شاعر عجن روحه بخميرة القصيدة، القصيدة تسكنه وتنزف منه دمّا عندما ينزف الجسد، وإذا كان شعره علامة خاصة بالأدب الأرجنتيني فشخصيته، جسده وروحه كان لديها مظهرها الخاص، متميّز عن غيره، أحد الفنّانين المسئولين عن تخليد شخصيّة الشّاعر في الكثير من رسوماته هو الرسّام(ميغيل ربسو/ رسام كاريكاتور) ورفيقه :”عيناه صافيّة كعيني سلحفاة، نحافته، شاربه وسيجارته، هي نوع يعطيك انطباعا بأنّك برفقة شخص فظ بملامح مكفهرة، حزينة وعندما يتعلق الأمر بتسليط الضّوء على الجوانب التّي أخذها بعين الاعتبار في كلّ مرّة فأنا أقوم برسمه بالطريقة التّي اكتشفه فيها”، لم يكن جسده خاص جدّا، بمعنى آخر شكله الخارجي، بل صوته الذّي لا لبس فيه يصعب مسحه أو نسيانه من الذّاكرة بمجرّد سماعه:” النشوة النّاتجة عن جمله الشعريّة، طريقته في الإلقاء لم أرها في أيّ مكان آخر”، الطريقة التّي يقرأ بها قصائده يولّد لدى المتلّقي انطباع خاص وكأنّها قراءته الخاصة للقصيدة، انّه أشبه بجهاز آلي ذو طاقة غريبة يساعدك على حفظ كلّ الأصوات الصّادرة منه، لهجته حاضرة دائما في أبياته، الصّوت غير قابل للتجزئة، عندما يقرأ، يشرح ميغويل ريسبو الذّي لا يخفي إعجابه بالشّاعر:” أعتقد إنّنا نتحدّث عن أعظم شاعر أرجنتيني وليس فقط على الجوائز الأدبيّة التّي فاز بها، النّضال من أجل استعادة الذّاكرة كانت قضيّة ثابتة وأولويّة الأولويات بالنسبة لخوان خيلمان، قبل سنوات من وفاته قام بجمع كلّ قصائده في مجلد واحد تحت عنوان”الأعمال الشعريّة الكاملة” وأضاف لها الجزء الثاني بعنوان”الكمان وأسئلة أخرى”(1956)، بالنسبة لخوان خيلمان فهو يشعر دائما بأنّه ينقصه شيء ما، انّه لم يكتب بعد ما يمكن تسميته بقصيدة حياته، القصيدة المثاليّة، الأبديّة التّي تخلّده، شعور يشاركه فيه كلّ الكتاب المؤمنين بقدرهم :” أعتقد أنّ عدم الرّضا هو ما يجعلني أواصل الكتابة لأنّني وهذا ما أشعر به منذ عقود إنّني أركض خلف ـ السيّدة ـ (الشّعر)لأنّه لا احد يمكنه القول بأنّه أمسك بالمنتهى، نهاية النّهايات”، لذا يستكين لذاته القلقة ويمارس في حالات الاكتآب التّي تصيبه كغيره من المبدعين القلقين و المتوتّرين، يمارس على نفسه الوحدة والعزلة وقد اعترف أنّ أسعد أوقاته هي عند التقاء التجربة والخيال والتّعبير في لحظة سرياليّة نادرة الحدوث، يعترف كلّ من عرفه عن قرب أو تعامل معه بانّه مقاتل عنيد ومؤمن بقدره، يتذكّره أصدقاءه كرجل يتمتّع بروح مرحة للغاية حتّى غيّرت مأساة ابنه حياته، كاتب كبير، أحد أكبر الأسماء الأدبيّة في أمريكا اللاّتينيّة وهو”ادواردو غاليانو”كتب نعيّا لصديقه :” لن أجد أبدا الكلمات المناسبة للتعبير عن امتناني لهذا الرّجل متعدّد الشخصيات، سأظلّ وفيا لكلّ قصيدة وكلّ كلمة تركها لي “، تركت وفاته فراغا كبيرا في عالم الشّعر المكتوب بالاسبانيّة، على الرّغم من أنّ هناك مقولة اسبانيّة مشهورة”هناك قصيدة بالاسبانيّة لديها ألف باب وكلّها مفتوحة ” .
---

ـ الذّي يحصل ـ

إنني أعطيتك دمّي، أصواتي
يداي ، رأسي
بالإضافة، عزلتي ، السيّدة العظيمة
مثل يوم خريف حلو جدّا
بالإضافة إلى، كلّ نسياني
ليلغى كلّ شيء ويدوم اللّيل
في العاصفة، في سوء الحظ
أكثر من ذلك، وهبتك موتي
سوف أرى وجهك ينتصب بين موجات العتمة
ومازلت لا أستطيع تغطيتك، أنت تواصل النّار
وأنت تدمّرني ، و أنت تبنيني
---
ـ ارفع يديك ـ

ارفع يديك
انها تحتوي الليل
حررني من عطشي
دع الليل يغطينا بجرس
فليقرع بلطف مع كل ضربة حب
ادفن ألمي، طهر نفحاتي
اريد ان احبك حرا
تدمر العالم حتى يحدث هذا
تعيد خلق العالم حتى يحدث هذا
---

ـ أنّهم يركبون ـ

أنّهم يركبون أبناءهم/ يفتحون النوافذ
لخيول العالم لكي تدخل /
حصان الجنوب المضيء /
حصان متعتك الكبرى /
/دفأك / امرأة موجودة /
حتى يكون هناك حب في مكان ما /
الرفاق يتلألؤن على نوافذ الجنوب /
جنوب ساطع كقلبك /
استدر كالنجوم/ كالرفاق /
أنت تصعد فقط /
عندما ترفع يديك إلى السّماء /
تهبها الصحة أو النور مثل بطنك /
بطنك يكتب رسائل إلى الشّمس /
على جدران العتمة اكتب/
اكتب لرجل يتمزّق /
اكتب كلمة حريّة .

*بومعزة عبد الغاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.