الصفحات

أم البنات | قصة قصيرة ...*مريم بدر حوامدة

⏪⏬
في صباح صيفي حَملت طفلتها الصغرى التي تم فطامها عن الرضاعة،

ثلاثة ايام أمضتها الطفلة في الصراخ حتى فتت كبد والدتها حزناً ، عندما اكتشفت حملاً جديدا في بطنها ادى الى ضرورة فطام الطفلة ، خرجت تبحث عمن يبيع حليب البقر كون الطفلة رفضت أن تشرب حليب النعاج والماعز التي يقومون بتربيتها في مزرعتهم ،
البيت يقع في نهاية الشارع المؤدي للمدينة وما بين البيت والقرية المجاورة شارع ضيق مسفلت لا يسمح بمرور سوى مركبة واحدة صغيرة يلاصق الشارع الضيق سور من الحجارة والصخور يحمي البستان الكبير وكروم العنب التابعة للمزرعة وفي منتصف هذه الطريق عند التواء محاذي لليمين توجد بئر عميقة مغلقة بباب حديدي وقفل كبير وفي جانبها المؤدي للشارع نبتت شجرة " كينا" كبيرة كانوا يستظلون بها بعد انتشال الماء من البئر ويجلس الرعاة أيضاً بعد سقاية الماشية ، كانت تسير ببطىء وتجلس أحيانا في الطريق الطويل إن وجدت صخرة مناسبة ما للجلوس ،
بعد مشوار صعب وجدت أول بيت في القرية يقع على اليمين ويبتعد مساحة ملعب كرة قدم عن الطريق العام ،
صاحبة البيت أصغر منها سناً ويبدو عليها علامات الدلال والبؤس معاً
استقبلت الضيفة استقبالاً يليق باخلاقها وعلمت عما تبحث الضيفة وقدمت لها حليب البقر هدية للطفلة الصغيرة ولم تقبل باي ثمن له بالرغم أن ملكية البقرة تعود لوالدة زوجها الشرسة ، وبدورها حدثت ضيفتها بمأساتها لعدم احتفاظ رحمها بالذكور وانها تنجب الإناث بنت كل عام مما ادى الى ايذاءها نفسياً وتسميتها بأم البنات وتعرضها للغمز واللمز من والدة زوجها وزوجات أسلافها ،
رق قلب والدتي لحالها وحزنت عليها جداً وطمأنتها ببعض الحكم والأيات القرآنية وهدأت من روعها واتفقتا على تبادل الزيارات الدائمة فواظبت والدتي على الذهاب يومياً لاحضار الحليب لشقيقتي وكانت أم البنات تعبىء طاسة الحليب ولا تأخذ ثمن لها وتضيف الى الكمية المتبقية الماء كي لا تشعر والدة زوجها بان الحليب في نقصان ولكي تخفف مشقة حضور أمي اليومي للقرية كانت تلتقي بها قرب شجرة الكينا تلك الشجرة الوادعة الصامتة الحافظة لعهودهن وشكواهن من الحياة يتبادلن الاحاديث والهدايا تحت ظلالها ونصائح والدتي العديدة كونها الأكبر سناً ، استمر الحال أكثر من حولين على تبادل الحليب وهذه العلاقة الطيبة الى ان اكتشفت والدة زوج ام البنات نقصان الحليب والخدعة ولكنها لم تبدِ غضباً لانه خلال هذه المدة تعرفت بوالدتي وكان هناك نوع من الاستلطاف ولكنها كتمت الأمر في صدرها ،
استمرت ام البنات في انجاب البنات وتخلل ذلك انجاب ذكرين اثنين وكان المجموع هو ثمانية فتيايات وصبيان مات أحدهم وهو شاب واستمرت علاقتها بوالدتي بالود والحب المنقطع النظير لسنوات تجاوزت الخمسين عام لم تختلفان ولم تفرقهما الظروف ،
كانت أمي على فراش الموت تصارع زفراته مغمضة العينين منذ ثلاثة ايام لا تعرف أحداً الى ان وصلت أم البنات فهمَْسّتُ في اذنها أمي :أفيقي انها صاحبتك أتت أم البنات إليك انها هنا ..
فتحت والدتي عينيها ولم تستطع النطق نظرت لصاحبتها وتسربت دمعة واحدة احرقت قلوب من كانوا وماتت أمي ليلتها ،
فجر اليوم الثاني كانت أم البنات قد نظفت قبر والدتي وفرشته بأغصان شجرة الكينا الخضراء وصنعت من أوراق الزيتون وسادة بيضاء رقيقة كي تحمي رأس أمي من برودة وقسوة صخرة القبر
وزينت لها المكان وودعتها ولم تعد للزيارة و دخول البيت الذي غابت عنه أمي ،

*مريم حوامدة
ـــــــــــــــــــــــــــ
⏪من فصول محنتي مع الكائنات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.