الصفحات

الديك ذو العرف الأبيض | قصة قصيرة ...*متولي محمد متولي

⏬⏫ 
العمارة المجاورة لنا مكونة من سبعة طوابق ، ومبنية على مساحة كبيرة من الأرض ، فوق سطحها الكبير توجد الكثير من العشش المبنية بالخشب والصاج والتي يرتع فيها عدد ٌ كبير ٌمن الدجاج والبط من كل الأعمار، والأحجام، والألوان !

يتوسط هذه العشش برج ٌ خشبي ٌّ يرتفع في السماء عدة أدوار ، إنه أكبر و أشهر برج حمام ٍ في المنطقة كلها ، بناه صاحب العمارة ، فقد كانت هوايته المفضلة تربية الأنواع النادرة من الحمام !
أما أنا فكانت هوايتي أن أصعد كل يوم قبل غروب الشمس ، لألعب بالكرة فوق سطح العمارة التي أسكن فيها ، و أراقب أسراب الحمام وهي تطير وتحلق في الجو ، ثم تعود إلى أعشاشها فوق البرج ! ليس هذا فحسب ، فقد كنت أستمتع أيضا برؤية أسراب البط والدجاج من كل شكل ولون ، والتي يربونها في تلك العشش المتفرقة حول البرج !
لم يكن يفسد على َّ فرحتي إلا رؤية ذلك الشيخ الضرير الأشعث الأغبر ذو الشعر الأبيض ، واللحية البيضاء ، والذي كان يعيش في عشة صغيرة من تلك العشش ! وكان يأتي له بالطعام كل يوم خادم ٌ يضعه له في نفس الأطباق التي يوضع فيها أكل الطيور ! كنت أبكي وأنا أشاهد ذلك المسكين يزحف في الليل ، ويطوف السطح زاحفا ، حتى غلب على ظني أنه مشلول أيضا !
كنت أتساءل عمن يكون ، ولماذا طرحوه فوق السطح كالمنبوذ ، في عشة تعيث فيها الجرذان والهوام ! أيكون أحد الخدم أو العمال الذين ليس لهم أهل ، وعندما كبرت سنه ، وأصابه العجز والعمى ، نبذوه بهذه الطريقة الوحشية !
لقد راعني ذات ليلة ، أن ديكا كبيرا استطاع أن يخرج من عشته ، وكان الشيخ الضرير قريبا منها ، فظل الديك ُ يقفز نحوه ، وينقره في وجهه ، حتى سال منه الدم ، وهو يصرخ ويستنجد ، و لا مغيث ، حتى اصطبغ شعر رأسه ولحيته الأبيض بلون الدم الأحمر ، كنت في السابعة من عمري ، ولم أستطع أن أفعل أي شيء !!
في صباح اليوم التالي ، صحوت على صوت المنادي وهو يعلن وفاة صاحب العمارة ، لم أشعر بأي حزن كما كان يحدث عندما كنت أسمع صوت الناعي من قبل ، فكيف أحزن على رجل غليظ القلب مثله ، يرمي بأحد خدمه أو عماله فوق السطح بهذه الوحشية !
لكن الذي يحيرني ، أنني لم أعد أرى الشيخ الضرير على سطح العمارة ، بل إنهم جاؤوا بخادمة غسلت ، ومسحت العشة ، ثم وضعوا فيها بعض الدجاج والبط ! وما زلت حتى الآن أتساءل في ذهول ، أين ذهبوا بذلك المسكين المشلول !

*متولي محمد متولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.