حين كنت أهمّ، في الصباح الباكر، أن أغلق باب البيت خلفي، لاحقني صوت أبي محذّراً بألا أتأخر عن موعد عودتي، مهما كان السبب، وهو يعرف أنني طبيبةٌ أعمل في مستشفى، وربما يطرأ أمر خارج عن إرادتي ويستدعي تأخيري، لكنه أعاد تحذيره، وسمعته يهمس لأمي أن عليّ أن أخفف من المساحيق على وجهي. وفي الحقيقة، أنا أكثر منها لأخفي شحوب بشرتي، والهالات الداكنة التي أطلت بقبح لا يوصف تحت عيني. وأغلقت الباب خلفي على صوت أمي، وهي تدعو الله أن يرزقني بابن حلالٍ يسترني، عاجلاً غير آجل. عندما كنت أسير في الشارع، لكي أقف
على ناصيته، في انتظار سيارة أجرة تقلني إلى المستشفى الذي أعمل فيه طبيبة، أشاحت جارتي الشابة بوجهها بعيداً، وهي تطارد نظرات زوجها الذي يقف إلى جوارها في انتظار سيارة أجرة، وفهمت أنها تخشى أن ينظر إلي، فأنا أفوقها جمالاً، ولكني لست "خطّافة رجالة" كما تتوقع، وحين وقفت سيارة أجرة ركبت فيها، ولم تفكّر جارتي أن تلحق بي، على الرغم من أن السيارة كانت بلا ركاب. حين وصلت إلى العمل، توقفت زميلتان عن الثرثرة بمجرد قدومي، وألقى زميل ثالث دعابة سمجة عن حظ الجميلات العاثر، وحظ الدميمات الذي يكال بالحفنات، فلوت كل واحدة منهما وجهها، وكأن شيطاناً مريداً حلّ في المكان، ولم يرد على تحية الصباح سواه، ولكني تعجلت المرور على المرضى في القسم، لكي لا أبقى في مكانٍ تفوح منه الكراهية والنفاق، ويُنصب لي فيه فخٌّ على هيئة مجاملة. بدأت في المرور على المرضى، حتى وقفت بالقرب من مريضةٍ، بدأ لسانها يلهج بالدعاء لي؛ لأني أنقذتها من موتٍ محققٍ بعد عون الله بالطبع. وقالت لي فيما قالت: يا رب يرزقك بابن الحلال قريباً.. فكتمت زميلةٌ لي ضحكة، وهمست لزميلٍ آخر: إني قد حصلت على فرصتي، وعلى المريضة أن تدعو لي بدعاء آخر، وتصنّعت بالطبع أني لم أسمع، وإن كان قلبي يبكي بصمت. في اجتماع المدير مع الأطباء، ألمح المدير بكلماتٍ سمجة، وبنظرات قاتلة كالسهام، أن على الطبيبات المحافظة على سمعة مستشفاه الخاص، وكأني أنا التي تشوّه سمعة مستشفاه، على الرغم من أن فضائح كثيرة تصل إلى مسامعه عن علاقة ممرضات بأطباء، ولكنه كان يراني مصدر الشر، وحاولت أن أتشاغل بالعبث بأظافري حتى أنهى اجتماعه، وكنت أول المنسحبين من غرفته مكيفة الهواء قبل أن أختنق. في باحة المشفى، كنت أهم بالرواح، لكني تلكأت، لأستمتع بمنظر الورود المنتشرة بشتى ألوانها. وفجأة ظهر أحد الأطباء الذي نُقل إلى المستشفى منذ أيام، وبدأ يصرخ في وجهي، متهماً إياي بأني خدعته، فهو وقع في غرامي، بمجرد أن رآني، لكنه عرف اليوم أني مطلقة. ويرى أني قد تعمدت إيقاعه في حبائلي، ولم يمنحني فرصةً للدفاع عن نفسي، وتركني، وأنا أشعر أنني مجرمة، لأني مطلقة. وصلت إلى باب البيت، ورأيت جارتي العجوز تنظر إلي نظرةً بمعنى أنه لا يحق لي الخروج من الأساس. وبمجرد أن دلفت من الباب، عاجلني أبي بعرض زواجٍ تقدم به رجلٌ لديه زوجة وعدة أطفال، ويريدني زوجة ثانية، لمجرد أنه يمتلك مالاً كثيراً، ويتذرع بأن الشرع حلل له أربعاً، ولا يرى أبي بأساً أن أتزوج من رجل مثله، لأني مطلقة. دخلت إلى غرفتي، ولم أحر جواباً على أبي الذي لم ينس أن ينبهني أنني تأخرت في عودتي إلى البيت. ولم يكن تأخيري إلا تلك الدقائق التي تأملت فيها الطبيعة الجميلة في حديقة المشفى، ووقفت أمام مرآتي أنظر إلى نفسي؛ فلم أتعرفها، لم أرَ سوى مطلقة، على الرغم من أنني تزوجت شهراً واحداً، ولم يجمعني الفراش بمن تزوجته سوى مرة واحدة، ثم طلقني وتزوج ثانيةً بفتاة جديدة، حيث رحب به أهلها أيما ترحيب لثرائه وصيت عائلته، وبذلك منحه المجتمع فرصة للحياة، فيما وصمت إلى الأبد بلقب مطلقة.
*سما حسن
على ناصيته، في انتظار سيارة أجرة تقلني إلى المستشفى الذي أعمل فيه طبيبة، أشاحت جارتي الشابة بوجهها بعيداً، وهي تطارد نظرات زوجها الذي يقف إلى جوارها في انتظار سيارة أجرة، وفهمت أنها تخشى أن ينظر إلي، فأنا أفوقها جمالاً، ولكني لست "خطّافة رجالة" كما تتوقع، وحين وقفت سيارة أجرة ركبت فيها، ولم تفكّر جارتي أن تلحق بي، على الرغم من أن السيارة كانت بلا ركاب. حين وصلت إلى العمل، توقفت زميلتان عن الثرثرة بمجرد قدومي، وألقى زميل ثالث دعابة سمجة عن حظ الجميلات العاثر، وحظ الدميمات الذي يكال بالحفنات، فلوت كل واحدة منهما وجهها، وكأن شيطاناً مريداً حلّ في المكان، ولم يرد على تحية الصباح سواه، ولكني تعجلت المرور على المرضى في القسم، لكي لا أبقى في مكانٍ تفوح منه الكراهية والنفاق، ويُنصب لي فيه فخٌّ على هيئة مجاملة. بدأت في المرور على المرضى، حتى وقفت بالقرب من مريضةٍ، بدأ لسانها يلهج بالدعاء لي؛ لأني أنقذتها من موتٍ محققٍ بعد عون الله بالطبع. وقالت لي فيما قالت: يا رب يرزقك بابن الحلال قريباً.. فكتمت زميلةٌ لي ضحكة، وهمست لزميلٍ آخر: إني قد حصلت على فرصتي، وعلى المريضة أن تدعو لي بدعاء آخر، وتصنّعت بالطبع أني لم أسمع، وإن كان قلبي يبكي بصمت. في اجتماع المدير مع الأطباء، ألمح المدير بكلماتٍ سمجة، وبنظرات قاتلة كالسهام، أن على الطبيبات المحافظة على سمعة مستشفاه الخاص، وكأني أنا التي تشوّه سمعة مستشفاه، على الرغم من أن فضائح كثيرة تصل إلى مسامعه عن علاقة ممرضات بأطباء، ولكنه كان يراني مصدر الشر، وحاولت أن أتشاغل بالعبث بأظافري حتى أنهى اجتماعه، وكنت أول المنسحبين من غرفته مكيفة الهواء قبل أن أختنق. في باحة المشفى، كنت أهم بالرواح، لكني تلكأت، لأستمتع بمنظر الورود المنتشرة بشتى ألوانها. وفجأة ظهر أحد الأطباء الذي نُقل إلى المستشفى منذ أيام، وبدأ يصرخ في وجهي، متهماً إياي بأني خدعته، فهو وقع في غرامي، بمجرد أن رآني، لكنه عرف اليوم أني مطلقة. ويرى أني قد تعمدت إيقاعه في حبائلي، ولم يمنحني فرصةً للدفاع عن نفسي، وتركني، وأنا أشعر أنني مجرمة، لأني مطلقة. وصلت إلى باب البيت، ورأيت جارتي العجوز تنظر إلي نظرةً بمعنى أنه لا يحق لي الخروج من الأساس. وبمجرد أن دلفت من الباب، عاجلني أبي بعرض زواجٍ تقدم به رجلٌ لديه زوجة وعدة أطفال، ويريدني زوجة ثانية، لمجرد أنه يمتلك مالاً كثيراً، ويتذرع بأن الشرع حلل له أربعاً، ولا يرى أبي بأساً أن أتزوج من رجل مثله، لأني مطلقة. دخلت إلى غرفتي، ولم أحر جواباً على أبي الذي لم ينس أن ينبهني أنني تأخرت في عودتي إلى البيت. ولم يكن تأخيري إلا تلك الدقائق التي تأملت فيها الطبيعة الجميلة في حديقة المشفى، ووقفت أمام مرآتي أنظر إلى نفسي؛ فلم أتعرفها، لم أرَ سوى مطلقة، على الرغم من أنني تزوجت شهراً واحداً، ولم يجمعني الفراش بمن تزوجته سوى مرة واحدة، ثم طلقني وتزوج ثانيةً بفتاة جديدة، حيث رحب به أهلها أيما ترحيب لثرائه وصيت عائلته، وبذلك منحه المجتمع فرصة للحياة، فيما وصمت إلى الأبد بلقب مطلقة.
*سما حسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.