الصفحات

جمالية البوح الوجداني في قصيدة "ما سرك الليلة ...حبيبي" لبسمة الهواري

*هاشم خليل عبدالغني
القصيدة :-
ما سِرّكَ الليلة .. حبيبي.. ؟
تعود بعد احتراقي..... تلملم شتاتي
وتهدهد عيون الأرق .. تعود .. ملء لهفتك .
تسألني..والجواب ... بين رعشتين ولمسة
هل.. أنْسَتْكِ المسافات .. هوايَ ..؟
وهل طوّقَ اليأس .. خاصرة الأمنيات..؟
هل عانق نيْسان .. محافل الوجع ؟
ورتّب على أرصفة .. الانتظار ..سرادق السراب...

هل أغلق أيلول .. معابر الحنين .. ؟ وهل سكب
العبرات .. أنهارا ؟ في المآقي.
يفيق صوتي بأقاصي السؤال .. متثائبا.. كئيبا..
هل زاركِ طيفي .. ذات حنين..؟
ليسكب ألحان الحياة ... في قيثارة أورفيوس..
كيف أنتِ .. من دوني..؟
أجرّ السؤال ....على مساحات حيرتي....
يفيق صوتي بأقاصي السؤال .. متثائبا.. كئيبا..
كيف الجواب يا ترى.. ؟ "
" أنا يا حبيبي.. كل مساء.. أعزف لحن الشوق
بتقاسيم تقاسيم.. وأحجب طرف الوجد
عن عيون الفؤاد.. ككل مساء
يوقظ النبض ... عهود الانتظار..
ويرقص رقصة الألم .. والعذاب..
كل مساء .. ينتابني .. وله اللقاء .. بشارع الضباب..
ويموت الهمس ..على شفاه العتاب.. أما زلتَ تسألني ..
كيف أنتِ.. من دوني..؟
==
دراما شعرية متماسكة تسردها الشاعرة ( بسمة الهواري ) في قصيدتها لوقائع وجدانية مادية وحسية ، تربط في سردها بين حاضر مؤلم وماض تحن إليه ، تنبض القصيدة بالمشاعر الإنسانية والرهافة الحسية والدفء الوجداني.
سنحاول في هذه الوقفة السريعة ، الولوج إلى أجواء القصيدة من خلال لقاء اشتياق الحبيب للحبيب ، وتبادل النظرات التي تترجم صورها داخل براويز الفؤاد ،ويبدأ حديث اللقاء ليخفف من لهيب الشوق ، ليُخرِجَ نفسا دافئا يرافقه همس لا يكاد يسمع ، ليعبر عما فعله الفراق ... همس عتاب وشوق وألم وتحقيق ولوم .
تبدأ الشاعرة " بسمة الهواري " قصيدتها الرائعة " ما سرك الليلة ...حبيبي " بتساؤل موجع !! ما السر الذي دفعك الليلة حبيبي ، حتى تعود ، خاصة أنك تعود بعد اشتداد معاناتي وآلامي ! تعود لتجمع ما تفرق وتشتت من ذاتي ، ولتهدهد ارقي وسهري ، ها أنت تعود بإرادتك حرقة وشوقاً . ..
" ما سِرّكَ الليلة .. حبيبي ..؟
تعود بعد احتراقي
تلملم شتاتي..
وتهدهد عيون الأرق..
تعود..
ملء لهفتك "
تسألني .. والجواب ردا على السؤال ، يتحرك بين رجفة القلب واهتزازه ، ولمسة يد ، ( دلالة على حميمية متوهجة ) ...و يسأل المحب الحبيبة ، هل أنساك البعد والغياب حبي ؟ ويتابع توجيه أسئلته لمحبوبته، هل أحاط بك الاستسلام وحاصر رغباتك القنوط ؟
" تسألني..والجواب
بين..
رعشتين..
ولمسة..
هل..
أنْسَتْكِ المسافات
هوايَ..؟
وهل طوّقَ اليأس
خاصرة الأمنيات..؟ "
وتستمر الأسئلة المؤثرة من قبل المحب ، هل عانق نيسان وضم لصدره أماكن الألم والوجع ، وأثبت وأقام على جوانب الترقب خيمة أوهام متحركة من سراب ؟ نيسان :( الشّهر الرّابع من شهور السّنة الشّمسيَّة ، وهو أحد شهور فصل الرّبيع ). ويواصل الحبيب أسئلته للحبيبة ، هل أوصد وأقفل أيلول جسور العبور للشوق واللهفة ؟ وهل صب وسكب " أيلول " الدموع بغزارة في مآقي العيون ؟

" هل عانق نيْسان
محافل الوجع ؟
ورتّب على أرصفة
الانتظار
سرادق السراب..
هل أغلق أيلول
معابر الحنين.. ؟
وهل سكب
العبرات في المآقي
أنهارا.. ؟
وتستمر الأسئلة ..هل زارك طيف خيالي ذات مرة في يوم ما أو ليلة ما شوقاَ وحنيناً ، ليصب ويسكب أنغام وإيقاعات الأغاني في روح الحياة كمعزوفة ( أورفيوس ) معزوفة حب حزينة رقيقة عزفها أورفيوس على قيثارته ألحانا شجية حزناً على فقدان زوجته (أوريدس ). إشارة لطيفة معبرة من الشاعرة إلى " أسطورة أورفيوس و يوريدس " ليعود الحبيب ويسأل سؤالاً يطمئن من خلاله على حبيبته ، كيف أنت من دوني ؟ سؤال يتمدد على مساحة حجم مساحة ترددي واضطرابي ، ليستيقظ صوتي من غشيةٍ لحقته ، من كسل وملل كئيب حزين كسير.
"يفيق صوتي بأقاصي السؤال
متثائبا.. كئيبا..
هل زاركِ طيفي
ذات حنين..؟
ليسكب ألحان الحياة
في قيثارة أورفيوس..
كيف أنتِ ..
من دوني..؟
أجرّ السؤال
على مساحات حيرتي....
يفيق صوتي بأقاصي السؤال
متثائبا.. كئيبا..
كيف الجواب يا ترى.. ؟ "
كيف أنت من دوني ؟
تجيب الشاعرة " بسمة الهواري " بكل بساطة وسلاسة ، أنا يا حبيبي في كل مساء أعزف ألحان الشوق على أوتار اللهفة والحنين ، لَحْناً مُنْفَرِداً على نَمَطٍ موسيقِيٍّ مُعَيَّنٍ ، وأخفي وأستر حبي عن نبضات قلبي ، كعادتي كل مساء ، حين تهيج وتثير نبضات القلب مواثيق المودة والوفاء والأمان ، ويرقص القلب ويهتز على إيقاع ونغم الحزن والأسى كمظهر وجداني موثوق .
" أنا يا حبيبي..
كل مساء..
أعزف لحن الشوق
بتقاسيم تقاسيم..
وأحجب طرف الوجد
عن عيون الفؤاد..
ككل مساء
يوقظ النبض
عهود الانتظار..
ويرقص رقصة الألم
والعذاب.."

تعود الشاعرة " بسمة الهواري " لتقول في كل مساء يا حبيبي ، يصيبني حزن شديد وحب أشد من شدة الوجد والترقب وطول الانتظار ، بمكان تكسوه الإضطربات والتشوهات الضبابية ، تلبدت الأحاسيس ومات الهمس الخفي اللين على شفاه اللوم والمؤاخذة .. بعد كل هذه المعاناة التي عشتها بعيدا عنك.. تسألني كيف أنت من بعدي ؟ كأنها تقول بحرقة وألم ، ما تَزالُ الأُمورُ كَما كانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ... أَيِ الأُمورُ مُسْتَمِرَّةٌ كَما كانَتْ .

" كل مساء
ينتابني
وله الانتظار
بشارع الضباب..
ويموت الهمس
على شفاه العتاب..
أما زلتَ تسألني ..
كيف أنتِ..
من دوني..؟ "
وختاماً...رسمت الشاعرة ( بسمة الهواري ) لوحة وجدانية ، عبرت من خلالها عن ذاتها شعراً وتنفسياً عن معاناة خاصة ، في محاولة لتطهير النفس ، تطهيراً ذاتياً يعيد العواطف إلى نصابها
لتستعيد الشاعرة توازنها العاطفي ، وتتخلص من الاحتقان الداخلي ..تحاشياً للانهيار .

* هاشم خليل عبدالغني
 الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.