غنى وبكى ، فأبكى عصفورة حطت على سور الذكريات ، وعلت السماء مسحة من الحزن و الكآبة فبكت وبكى الحجر وتوسدت الرياح صفصافة عليها عصافير تنشد لجرحها أغنية الرحيل ، كان الليل كئيبا باردا ، والقمر يطلع و يغيب عندما لم يعد بقربها ، تهاطلت عبراتها كالمدرار شقت خطوطا على وجنتها ، فتوسدتها باردة كالعدم و بكت في صمت ، موت الفرح في ربوع مملكتها حقيقة جرفتها إلى عالم الأحزان ،ألامها ليست الوحيدة المرسومة على خرائط هذا الكون وليس بمقدورها تغيير الأقدار ، شعرت بلسعات برد لاذعة تسري في كامل جسمها أنهكت قواها وحطمت طموحاتها ، وأثارت بداخلها الكثير من التساؤلات التي فجرت في عينيها بركانا من اليأس وأضافت أنهارا من الحسرة ترسمها لوحة مشوهة و متداخلة الألوان كالأزمنة للمتوحشة ، فتأبى الشمس أن تشرق على ربوع أرضها التي ترعرعت فيها وعلى قلوب أثقلت بالهموم و الأحزان .
أصابها ذبول مميت يحكي سيرتها و جرحها العميق الذي صنعه نزيف لا يريد أن ينقطع ليغزو أقاليم وجهها و جسدها ، رددت من أعماقها.. " ما الذي أصاب أهل هذه البلاد؟ " لقد سعوا خلف تيار كل النداءات المجنونة وركبوا صهوة المستحيل غير مبالين ، وشغلت بالهم أفكار عاتية فأضرمت في كيانهم نيران العنف و التمرد ، فصاروا لا يجيدون الترتيب ولا حتى فهم ما يدور حولهم فتوارت كلماتهم وسكنت طيات الظلام واندثرت بصماتهم ولاحقتها ريح أبعدت شظايا عـقولهم إلى شطآن الهول والدمار ، حينها أدركوا أنهم الأسطر المستقيمة التي كانت تسير نحو حقيقة مقنعة ، وقتها أعلنوا الحداد و رفعوا التحدي حتى لا يهانوا ويطعنوا بألفاظ كأنها لعنة إلهية أصابتهم وما فعلوا ذلك إلا لإنقاذ وطنهم الذي حمل بمذكرته نصوصا لا تقــرأ .. ولا تكتــب .
كلمات بدون عناوين كل شيء فيها مجهول والدموع تحكي تقارير الموت و العذاب ، عيناها تراقب الحياة الوديعة بزقزقة العصافير تتعلق بحبال واهية من الأمل علها تنقذها وتقودها إلى جواب يشفي حيرتها ، تجتاز حقولا ملغمة كي تصل إليه ،تعترضها أشواك الحقدو تلبسها أثواب الخوف ،وتخفي لحظات سوداء لم تنقض بعد ، تليها الأيام و الساعات و الدقائق، وتتذكر ليلة مضت فتحت نافذة غرفتها وتنهدت عميقا متمتمة، " لما تـأتي الأحزان مسرعة الخطوات وترحل الفرحة مع أول أسراب السنونوات محلقة في سماء مدينتي ، هاجرة شرفاتي ، وكل مرة تعدنـي بالعودة مع ربيع الأفراح لوضع آخر اللمسات " ، وبين تلافيف مخها المنهك تتذكر حبيبها يغمرها صوته بالحنان و ينهض فيها شوق عنيد فطالما استقبلته بحضن بهيج ، رددت " ما أقساك يا زمن قتلوه أذن قتلوني .. فمن يلم أشتاتي بعدك ومن يوقف هذه الهمجية؟ قتلوك قربي وعلى مسمعي تخترق الرصاصة رأسك و وجهك الملائكي و كأنه ثمن الحب أو عقاب لمن سولت له نفسه أن يحب على أرض أرادوها نارا تأكل الأخضر و اليابس وأشلاء أجساد مفحمة ودماء تسيل عبركل شيء يذكرني ببيروت ثانية " تذكرته يوم جمع حقائبه المبعثرة وهو يتلمس كل الممرات ، ويجتاز كل المطارات و يختصر الدروب ، ترك البحر يبتلع بعض ذكرياته الممزقة مودعا أحزانه خلف البحار ، مفلتا من سخرية الأقدار ، خال حينها أنه تجنب لقاء مشؤوم مع زمن طالما حدد معه المواعيد الوفية ، وكان يحمل بين صفحات كتبه صورة حبيبته ، وفي غربته حقق نشوة الانتصار النادرة ، درس و تفوق وفي فراق وطنه حرر ألف رسالة حب في الكون غمرها صبابة عارمة ، وحين دنى من خرائطها اخترق حجب السكون كأنها طيور أذا ذكرت الأوطان حنت إلى الغناء ، وفرت من أقفاص الغربة حتى و إن كانت قضبانها ذهبا و زمردا ، وتنتهي به الأسفار ويحن إلى ارض علمته شقاوة الصبيان و عشق الشباب و اختلاف الأفكار ، ابتعد طويلا عن ثراها الزكي .
عاد و لايزال لحال على حاله ، أصابه شرود إلى مسافات لا نهاية لها ، بدت له نظرات أهل مدينته خاسئة و كأنها ولت من حرب ضارية فالجراح هنا لها طعم الموت بكل أنواعه والفراغ أكبر من أن تملأه أرصدة البنوك ، لم تجذ به رفاهية الغرب ولا إغراءاتهم ، فالوطن أولا و آخرا ، غريبة هي الأحداث على أرض طال حزنها ، مداها غبار و تلال أنبتت الشوك ترعى فيها الأفاعي ، الأيام تكرر نفسها و الزمن لا معنى له .
عادت من جديد تكرر عباراتها ثانية و ثالثة " قاهر أنت يا ومن رميتني بوابل من الهزائم حتى السقوط ، وكيف لي الوقوف ثانية ؟ فالسقوط معناه الحتف ، وخوفي من سقوط لا أقف بعده ، وكيف وكل هذه الانكسارات؟ وفي كل جولة من العمر يجعلني دمية قديمة ألم قهر أنوثتي وتمادى في قهرها حتى عدا جرحا بحجم الكون ، كزهرة أماتها الصقيع " وعادت ثانية تبحث في أرشيف ذاكرتها عندما تعرفت عليه تأملها في شبه ذهول فتخيلها فراشة زاهية الألوان و التنسيق متباهية بعرض فتونها ، افتتنته بسحرها فانصاع يبوح لها ما أملـته عوطفه ، فمن شمسها يتمتع ، ومن أشعتها التي أوقدتها أنامل الرحمن يستنشق من أنفاسها فتطير به أجنحة السعادة إلى خلجان بكـر تنعدم فيها رائحة الشياطين ، عشق فيها رقتها البالغة وأنوثتها الطاغية ، فخص لها زاوية في قلبه ، أحبته هي أيضا، لم تجد حبا مثله في هذا الزمن المتحجر ، عصافير الحب طرزت زقزقتها من الوريد إلى الوريد ، تبادلت معه الرسائل كتبت الخواطر، لما بلغها أمر موته ارتعشت كطائر مذ بوح ، بكت حتى تجمرت عيناها ، حبها صار مجرد ذكرى تستعيدها بكل قوتها حتى و إن أبت ذاكرتها ، شعرت بالوحدة رابضة في أعماقها و الغربة معشعشة في أغوارها ، اختلطت أفكارها وتضخمت في رحم ذهنها ، حاولت الهروب بعيدا عن حدود الزمان و المكان ، استلقت على سريرها ، غفت عينيها وفي حلمها يأتيها حبيبها رفقة نسيم هب من جنة نعيم ، وداعب ستائرها الباهية الألوان ، أعاد البسمة إلى ثغرها ، تفتح النعمان ، وحط الحمام من حولها ، فعاد الربيع وتوارت أحزانها كسحابة أرسلت مطرها قطرات .. قطرات ، قال : "بوادر الصباح ستشرق يا حبيبتي .. وتظهر شمس الأمل وسيتلاشى السواد وترجع الطمأنينة إلى القلوب وينبلج الفجر لا محالة وتحلق طيور الرحمة في الفضاء وتخطي ـ للــه ـ خطوة الإيمان و تعلمي من الألم أن تبكي ، وحبي ما دمت حية لأن شعار الحياة اختبار و رواية وقصة نتجاوزها بسمو الروح و صفو القلب ومن يحقد حتما يموت حرقة، فالإنسان تافه مسكين ، يموت من ظن نفسه جبارا فالقهر يصنع إنسانية ، وألم المدامع يصنع أمة ووجع القلب يجسد الحنان بلمسة ، فالحياة ياحبيبتي تستمر رغم الداء و الدواء
* صبحــة بغــورة
أصابها ذبول مميت يحكي سيرتها و جرحها العميق الذي صنعه نزيف لا يريد أن ينقطع ليغزو أقاليم وجهها و جسدها ، رددت من أعماقها.. " ما الذي أصاب أهل هذه البلاد؟ " لقد سعوا خلف تيار كل النداءات المجنونة وركبوا صهوة المستحيل غير مبالين ، وشغلت بالهم أفكار عاتية فأضرمت في كيانهم نيران العنف و التمرد ، فصاروا لا يجيدون الترتيب ولا حتى فهم ما يدور حولهم فتوارت كلماتهم وسكنت طيات الظلام واندثرت بصماتهم ولاحقتها ريح أبعدت شظايا عـقولهم إلى شطآن الهول والدمار ، حينها أدركوا أنهم الأسطر المستقيمة التي كانت تسير نحو حقيقة مقنعة ، وقتها أعلنوا الحداد و رفعوا التحدي حتى لا يهانوا ويطعنوا بألفاظ كأنها لعنة إلهية أصابتهم وما فعلوا ذلك إلا لإنقاذ وطنهم الذي حمل بمذكرته نصوصا لا تقــرأ .. ولا تكتــب .
كلمات بدون عناوين كل شيء فيها مجهول والدموع تحكي تقارير الموت و العذاب ، عيناها تراقب الحياة الوديعة بزقزقة العصافير تتعلق بحبال واهية من الأمل علها تنقذها وتقودها إلى جواب يشفي حيرتها ، تجتاز حقولا ملغمة كي تصل إليه ،تعترضها أشواك الحقدو تلبسها أثواب الخوف ،وتخفي لحظات سوداء لم تنقض بعد ، تليها الأيام و الساعات و الدقائق، وتتذكر ليلة مضت فتحت نافذة غرفتها وتنهدت عميقا متمتمة، " لما تـأتي الأحزان مسرعة الخطوات وترحل الفرحة مع أول أسراب السنونوات محلقة في سماء مدينتي ، هاجرة شرفاتي ، وكل مرة تعدنـي بالعودة مع ربيع الأفراح لوضع آخر اللمسات " ، وبين تلافيف مخها المنهك تتذكر حبيبها يغمرها صوته بالحنان و ينهض فيها شوق عنيد فطالما استقبلته بحضن بهيج ، رددت " ما أقساك يا زمن قتلوه أذن قتلوني .. فمن يلم أشتاتي بعدك ومن يوقف هذه الهمجية؟ قتلوك قربي وعلى مسمعي تخترق الرصاصة رأسك و وجهك الملائكي و كأنه ثمن الحب أو عقاب لمن سولت له نفسه أن يحب على أرض أرادوها نارا تأكل الأخضر و اليابس وأشلاء أجساد مفحمة ودماء تسيل عبركل شيء يذكرني ببيروت ثانية " تذكرته يوم جمع حقائبه المبعثرة وهو يتلمس كل الممرات ، ويجتاز كل المطارات و يختصر الدروب ، ترك البحر يبتلع بعض ذكرياته الممزقة مودعا أحزانه خلف البحار ، مفلتا من سخرية الأقدار ، خال حينها أنه تجنب لقاء مشؤوم مع زمن طالما حدد معه المواعيد الوفية ، وكان يحمل بين صفحات كتبه صورة حبيبته ، وفي غربته حقق نشوة الانتصار النادرة ، درس و تفوق وفي فراق وطنه حرر ألف رسالة حب في الكون غمرها صبابة عارمة ، وحين دنى من خرائطها اخترق حجب السكون كأنها طيور أذا ذكرت الأوطان حنت إلى الغناء ، وفرت من أقفاص الغربة حتى و إن كانت قضبانها ذهبا و زمردا ، وتنتهي به الأسفار ويحن إلى ارض علمته شقاوة الصبيان و عشق الشباب و اختلاف الأفكار ، ابتعد طويلا عن ثراها الزكي .
عاد و لايزال لحال على حاله ، أصابه شرود إلى مسافات لا نهاية لها ، بدت له نظرات أهل مدينته خاسئة و كأنها ولت من حرب ضارية فالجراح هنا لها طعم الموت بكل أنواعه والفراغ أكبر من أن تملأه أرصدة البنوك ، لم تجذ به رفاهية الغرب ولا إغراءاتهم ، فالوطن أولا و آخرا ، غريبة هي الأحداث على أرض طال حزنها ، مداها غبار و تلال أنبتت الشوك ترعى فيها الأفاعي ، الأيام تكرر نفسها و الزمن لا معنى له .
عادت من جديد تكرر عباراتها ثانية و ثالثة " قاهر أنت يا ومن رميتني بوابل من الهزائم حتى السقوط ، وكيف لي الوقوف ثانية ؟ فالسقوط معناه الحتف ، وخوفي من سقوط لا أقف بعده ، وكيف وكل هذه الانكسارات؟ وفي كل جولة من العمر يجعلني دمية قديمة ألم قهر أنوثتي وتمادى في قهرها حتى عدا جرحا بحجم الكون ، كزهرة أماتها الصقيع " وعادت ثانية تبحث في أرشيف ذاكرتها عندما تعرفت عليه تأملها في شبه ذهول فتخيلها فراشة زاهية الألوان و التنسيق متباهية بعرض فتونها ، افتتنته بسحرها فانصاع يبوح لها ما أملـته عوطفه ، فمن شمسها يتمتع ، ومن أشعتها التي أوقدتها أنامل الرحمن يستنشق من أنفاسها فتطير به أجنحة السعادة إلى خلجان بكـر تنعدم فيها رائحة الشياطين ، عشق فيها رقتها البالغة وأنوثتها الطاغية ، فخص لها زاوية في قلبه ، أحبته هي أيضا، لم تجد حبا مثله في هذا الزمن المتحجر ، عصافير الحب طرزت زقزقتها من الوريد إلى الوريد ، تبادلت معه الرسائل كتبت الخواطر، لما بلغها أمر موته ارتعشت كطائر مذ بوح ، بكت حتى تجمرت عيناها ، حبها صار مجرد ذكرى تستعيدها بكل قوتها حتى و إن أبت ذاكرتها ، شعرت بالوحدة رابضة في أعماقها و الغربة معشعشة في أغوارها ، اختلطت أفكارها وتضخمت في رحم ذهنها ، حاولت الهروب بعيدا عن حدود الزمان و المكان ، استلقت على سريرها ، غفت عينيها وفي حلمها يأتيها حبيبها رفقة نسيم هب من جنة نعيم ، وداعب ستائرها الباهية الألوان ، أعاد البسمة إلى ثغرها ، تفتح النعمان ، وحط الحمام من حولها ، فعاد الربيع وتوارت أحزانها كسحابة أرسلت مطرها قطرات .. قطرات ، قال : "بوادر الصباح ستشرق يا حبيبتي .. وتظهر شمس الأمل وسيتلاشى السواد وترجع الطمأنينة إلى القلوب وينبلج الفجر لا محالة وتحلق طيور الرحمة في الفضاء وتخطي ـ للــه ـ خطوة الإيمان و تعلمي من الألم أن تبكي ، وحبي ما دمت حية لأن شعار الحياة اختبار و رواية وقصة نتجاوزها بسمو الروح و صفو القلب ومن يحقد حتما يموت حرقة، فالإنسان تافه مسكين ، يموت من ظن نفسه جبارا فالقهر يصنع إنسانية ، وألم المدامع يصنع أمة ووجع القلب يجسد الحنان بلمسة ، فالحياة ياحبيبتي تستمر رغم الداء و الدواء
* صبحــة بغــورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.