الصفحات

المدرسة هي المجال الحيوي لتنمية ثقافة حقوق الإنسان ...**بقلم : صبحة بغورة ـ الجزائر

إذا قامت بمسؤولياتها في توفير البيئة «الديمقراطية» : المدرسة هي المجال الحيوي لتنمية ثقافة حقوق الإنسان

لاشك أن عملية التربية بصفة عامة عملية بطبيعتها مستمرة وطويلة المدى، وليست التربية على قيـــم ومبادئ حقوق الإنسان عملية منفصلة عنها بل مستغرقة فيها, فعملية تأديب الأطفال في المحيط الأسري على الآداب العامة والأخلاق الكريمة ثم تربيتهم وتعـويدهم على العادات الحسنة هي في حقيقتها روافـد رئيســية لفــهم معنى حـقـوق الإنسان، وواضح هـنا أنه يقع على عاتـق الوالدين المســـؤولية الكامــلة. والإشكالية في هذا الموضوع أن المجتمعات حديثة العهد بالنمو أو التي تخطو خطواتها الأولى في نــهج
الديمقراطــية أنه لا تكون درجة الوعي على نفس المستوى عند جميـع الأفراد, ويظهر أثــر ذلك عند أول احتكاك خارجي مع أفراد المجتمع حيث تتباين الأخلاقيات، ولعل أول ما يصادفه الطفل في هذا المجال هو المحيط المدرســــي الذي يتجمع فـيه عـدد هائــل من التلاميذ والطلبة قدموا من بيئات ومستويات اجتماعية مختلفة بما يعنيه ذلك من الاختلاف في الثقافة وفي المنظومات السلوكية.

البيئة التربوية إذًا ممثلة في المدرسة تجد نفسها وعــاء يضم المتناقضات من نماذج تحمل ترسبات قــد يعود بعضها عند الفرد الواحد إلى مرحلة تشكيله جنينًا في رحـم أمه، والواقـع حاليـًا أن المدرســــة في بعض المجتمعات العـربية ضحية لتخـلفها، عاجزة عن
صبحة بغورة
صبحة بغورة
التأثـير في المجتمع، فاشلة في تشكيل اتجاهات التلاميذ وتوجيه سلوكياتهم وفي تكوين وجـدان تجاه الأشياء، هذا بالرغـم من سنوات الدراسة الطويلة التي يقضونها من عمرهم فيها والحجم الساعي اليومي للعملية التربوية، ولأهمــية أن تطال التربية على مبادئ حقوق الإنسان مستوى العلاقات والحيـــاة بالمؤسسات التعليمية فقد ركـزت اهتمامي على تـناول الجانب التربوي المرتبط بالمجال التعليمي لدعم ثقافة حقوق الإنسان.

لعل ما يمكن ملاحظته في البدايات الأولى من عمر التلاميذ بالمدارس ميل الكثيرين منهم إلى الأنانيــــة وحب إثبات الذات، وهما طرفان لمسار حيــاتي طويل سيتضمن كل القيم والمفاهــيم المخالفة تماما للقيــم الحقيقية لحقوق الإنسان، وسـيكون من السلبية ألا يتــم تقــويــم السلوكيات في السـنوات الأولى، هـذا على افتراض أن القائمين علــى هـذه العملية قد تلـقـوا تكوينًا مناســــبًا يؤهـلهم لها، إذ لـن نسـتطيع إقناع الآخرين بعقيدة أو مذهب أو حتى بفكرة إذا كانت أوضاعنا لا تجعـلنا قـدوة، وحول هذا الموضوع أورد فيما يــــلي نمــاذج لبعض الإشكاليات وطريقة التعامل معها.

- إن محاولة إثبات الذات هـي من قـــوة الشخصية في جانبها الإيجابــي، ولكن أن يتحول الأمر إلى إلغاء الآخر فهذا الجانب السلبي لها، لأن هذا المـــبدأ العـقيم يعكس ضـيق أفـق مكتسب من المحيط الأســــري المحدود، وقد يمـتد أثـره في المحيط المدرسـي إلى تجاهل الآخرين والى إنكار حقـهم هم أيضًا في إثبات وجودهم والتعبـير عـن قناعتهم الذاتية، وتبرز هنا فضائل الحوار بين التلاميذ حول فكرة ما يتم عرضها عمدًا تحت إشراف المربي الذي يحتفظ لنفسـه بدورين: أولهما ضمان عـدم خـروج الحوار عن الموضوع وعن آداب الحديث، وثانيهما الـتدخل في نهايـته لتلـخيص الموضوع من صلب ما دار من حـــوار بيـن التلاميذ، وهـذا من شأنه ترســيخ حــق الاختلاف في الرأي مع الآخرين وتفعـيل روح الانفتـاح .

- من الصواب أن نعرّف المخطئ بخطورة خطئه، وإلا كان ذلك إقرارًا منا بأنه يحسن صنعًا، وكذلك الأحكام التي تكون عادة محكومة بمواقف أصحابها و الزاوية التي ينظرون بها للأشياء، ومن هنا تـبرز أهمية مرور التلاميذ على دوائر التعلم الثلاثة: استماع واطلاع - رؤية وتعلم وفـهم - ممارسة وتطبــيق، فهذا من شأنه بلورة المعاني السامية للمسؤولية ومنها تقـدير أهمية اتخاذ الأحكام و القرارات.

- إنه ليس كل من يخالف الحقيقة هو من قبيل الكذب، فقد يكون من قبيل الجهل، لأن الكذب لا يكون عن جهل بالحقيقة، بل عن علم بها وتعمد إخفائها، أو إظهارها بما يخالفها أو الكذب عن طريق الحـذف، وهذا المعيار يزيل اللبس ويرفع الحرج عن من يريد أن يعبر عن رأيه، ويتيح له مجال حرية واسع للتعبير دون أن يواجه الاتهامات، بل سيضمن له هذا المعيار كرامته بفضل قـيم التســامح والحرية.

- إنه بعيدًا عن أشكال التمييز ومحاولات التفرقة فإن عدم الاعتراف لشخص ما بالكفاءة يجهض حقـه في التقدير، ولكن في المقابل على هذا الشخص أن يدرك أنه عندما يقلده الآخرون فهذا يعني أنه متمــيز ولا داعي لأن يتفاخـر بأنـه الأفضل، ولكن يــدع للآخرين مهمـة التأكـد من ذلك، وهذا يعـزز الاتجاهات ويدعم الموقف والسلوكيات التي تسمح للناس بالمشـاركة في حياة مجتمعهم.

- وتحت شعار «إن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين» يمكن التأكيد على أن مجال الحـرية في الحقيقة مقيد زمانًـا ومكانًـا، إذ إن «حرية الحركة التي يتمتع بها أصبعك تنتهي عندما يبـدأ مجال الحرية الذي يحمي عيـــن الآخـر» وهذا ينسجم مع ترسيـخ مبدأ أن المســاواة في الحقوق يقابلها مســاواة أيضًا في الواجبات.

إن مسؤولية المدرسة في توفير الجو الديمقراطي السليم تجعلها المجال الحيوي الهام لتنمية ثقافـة حقـوق الإنسان، ولعـل أهــم المجالس المـؤثرة في هذا المجال مجلـس الطـلاب على مستوى الصـف وعـلى مستوى المدرسـة ككل، والنادي التربــوي الذي يشارك فـيه المربون أيضًا، ومجالس أولياء التلامـيذ المدعـوين لإشراكهم في القرارات التعـليمية والعمل على تعـزيز المفاهيم التربوية لإحداث التكامل بـيـن دور المدرسة و رسالة الأسرة في بناء عقل وروح وجسد الأطفال وعدم الاكتفاء بنقل المعارف وتلقين العلوم التي قد تؤهلهم لخوض الحياة المهنية ولكن بدون قــيم إنسانية تضمن خـلق ظروف مناسبة لحيــاة أفضل يـكون من أبرزها الحــق في العيش في بيـئة نظيفة يسـود فيها سقف عال من الاعـتقاد بأنـه مـن الصواب أن يتوقع الفرد ألا يعرض أحد صحته للخطر، وأن النظافة مظهر حضاري راق ووســـيلة من وسـائل تقبل المجتمع للفرد وتقديــرهم له، فالمجتمع الإنساني يرفض من يجلب لهم الأمراض، وأن هذه المجالس فرصة لشحن النفـوس والعـقـول وجـمع الـرأي حـول حقيقية أن سعادة المجتمع مرهـونــة بدور الأسرة في التربية السليمة والتنشئة الصحيحة وتبادل الخبرات والتجا رب حول وسائل تحقــــــيق هذه الأهـداف التي تصب كلها في اتجاه نشر ثقافة حـقوق الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.