الصفحات

وحشةَ الطرقات ...**خلدون عماد رحمة

بخفّة طائرَينِ أزرقَينِ كنّا نلوّنُ وحشةَ الطرقات . قلتُ لكِ وخمرُ الحبور يطفح على قلبي : اقتربي منّي أكثرَ لأجعل روحي قميصاً لعريِ هذا الكون , ابتسمتِ بنعومةٍ باهرةٍ وهمستِ فيّ : ما أعمقَ أسرارنا وما أخلدَ عناقنا الطويل عند حافة النهر .
أتأخذني حبيبي إلى النهر لأعمّدَ قلبي بدمع عينيك , أم لأكتشفَ سرّ أنوثتي بين تدفّق الماﺀ وعطش الشهوة في منفى يديك ؟ ..
أضع يدي بهدوﺀٍ على قوسِ خصرها , أبتكرُ كلاماً غامضَ التكوين والتجلّي : يا حبيبتي
أنتِ آلهتي التي أعبُدُ , حُبّكِ ديني وديدني وبرزخ نشوري وفنائي , أنتِ التباسُ الجمال بالرؤيا وانصهارُ الوعي بالجنون واغترابُ الروح بالجسدْ .
كنتُ أتصوّفُ بهالة روحها وأشطحُ , كنتُ أتعشّقُ بسماﺀات عينيها الكونيّتين حدّ التبخّر والفناﺀ .
فجأةً وبلا أيّ مقدمةٍ .. سَقَطَتْ على الأرض , سَقَطَتْ آلهة الجمال حبيبتي بكامل أنوثتها , سقطت كما تسقطُ غزالة عطشى في فخاخ السراب , لا أصدّق ما أرى : وجهها المرمريّ الشفّاف ارتطمَ بحافّة الرصيف , شيﺀ ما انكسرَ والدّمُ الكرزيّ يتدفّق من أنفها الصغير كتدفّق النهر , فستانها السماويّ تعفّر بالغبار وتمزّق من صرخة ذهولي , يا إلهي , كل ارتباك الكون دبّ في كياني كأني مفخخ بأطنانٍ من البارود .
حملتها بجنونٍ وركضتُ , ركضتُ بلا وعيٍ مثل ظبيٍ فتيّ يسابق الشعاع في براري البعيد ,ركضتُ بها إلى ما لستُ أعرفُ وكأنّ الجهاتَ تموّهت بالجهاتِ , بعد مسافةِ خوفٍ وتعبٍ وهذيانٍ وجدْتُنِي عند حافة النهر وحيداً , لم تكُ بين يديّ ,
لم أجد حبيبتيَ المغمى عليها بين يديّ
لم أجد سوى قلبي بين يديّ
قلبي الذي ينزفُ دماً كرزياً ويصبغ النهر بالأحمر .
حينها آمنتُ أنّ القلبَ أنثى .
القلبُ أنثى ...

*خلدون عماد رحمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.