الصفحات

ذكاءُ مدير || مريم زامل

*قصّة راقتني
في صباحِ يومٍ ربيعيٍّ مشمسٍ ،وبينما كانت أشعّةُ الشمسِ تتدفّقُ إلى مكتبِ رجلِ الأعمالِ العجوز;الرئيس التنفيذيّ للشركة التي يملكها..اتّخذ قراراً بالتنحّي عن منصبِه وإعطاءِ الفرصةِ للدماءِ الشابّةِ الجديدةِ بإدارةِ شركتِه.
لم يُرِد أن يوكلَ بهذه المهمّةِ لأحدِ أبنائه أو أحفادِه،وقرّرَ اتّخاذَ قرارٍ مختلف.
استدعى كلَّ المسؤولين التنفيذيّين الشباب إلى غرفةِ الاجتماعِ،وألقى إليهم بالتصريحِ القنبلة.

لقد حان الوقتُ بالنسبةِ لي للتنحّي،واختيار الرئيسِ التنفيذيّ القادم من بينكم.
تسمَّرَ الجميعُ في ذهول.واستمرَّ قائلاً:
ستخضعون لاختبارٍ عمليٍّ،وتعودون بنتيجته في مثلِ هذا اليوم من العامِ القادم،وفي هذه القاعةِ نفسِها أيضاً.والاختبارُ سيكون كالتالي:
سيتمُّ توزيعُ البذورِ النباتية التالية عليكم،وقد أتيتُ بها خصّيصاً من حديقتي الخاصّة.سيستلمُ كلُّ واحدٍ منكم بذرةً واحدةً فقط،وعليكم أن تزرعوها وتعتنوا بها عنايةً كاملةً طوالَ العام.ومَن يأتيني بنبتةٍ صحّيّةٍ تفوقُ ما لدى الآخرين سيكون المستحقَّ لهذا المنصب الهامّ.
كان بين الحضورِ شابٌّ استلم كالآخرين بذرتَه وعاد إلى منزله وأخبرَ زوجته بالقصّة.أسرعَت الزوجةُ بتحضير الوعاءِ والتربةِ الملائمة والسماد،وتمَّ زرعُ البذرة.
وكانا كلَّ يومٍ لا ينفكّان عن متابعة البذرة والاعتناءِ بها جيداً.بعد مرورِ ثلاثةِ أسابيع بدأ الجميعُ في الحديثِ عن بذرتِه التي نمَت وترعرعَت،ما عدا الشابّ الذي لم تنمُ بذرتُه رغم كلّ الجهودِ التي بذلَها في سبيلِ ذلك.
مرَّت أربعةُ أسابيعَ،ثم خمسةُ ولاشيءَ بالنسبةِ للشابّ.
مرَّت ستّةُ أشهرٍ والجميع يتحدّثُ عن مدى النموِّ الذي بلغَته نبتتُه،والشابُّ صامتٌ لايتحدّث.
وأخيراً أزفَ الموعد..
قال لزوجتِه بأنّه لن يذهبَ إلى الاجتماعِ بوعاءٍ فارغ.
فقالت له:-ولكن علينا أن نكونَ صادقين بشأنِ ما حدث،كان يعلمُ في قرارةِ نفسِه بأنّها على حقّ،ولكنه كان يخشى من أكثر اللحظات الحرجة التي سيواجهها في حياته.وأخيراً اتخذ قراره بالذهابِ بوعائه الفارغ رغم كلّ شيء.وعند وصوله انبهر من أشكالِ وأحجامِ النباتات التي رآها فوق الطاولة في غرفةِ الاجتماع،كانت غايةً في الروعةِ والجمال.
تسلَّلَ بهدوء ووضعَ وعاءَه الفارغَ على الأرض،وبقي واقفاً منتظراً مجيئَ الرئيس مع جميع الحاضرين.
كتمَ زملاؤه ضحكاتِهم والبعضُ منهم أبدَوا أسفَهم من الموقفِ المحرِجِ لزميلهم.
وأخيراً أطلَّ الرئيسُ،ودخلَ الغرفةَ مبتسماً.عاينَ الزهورَ التي نمَت وترعرعَت وأخذَت أشكالاً رائعةً..ولم تفارق البسمةُ شفتَيه.
في الوقتِ الذي بدأ الرئيسُ كلامَه مُشيداً بما رآه،ومهنِّئاً الجميعَ على هذا النجاحِ الباهرِ الذي حقّقوه،توارى الشابُّ في آخرِ القاعة وراءَ زملائه المبتهجين الفرِحين
قال الرئيسُ:-يالها من زهورٍ ونباتاتٍ جميلةٍ ورائعة.
-اليوم سيتمُّ تكريمُ أحدِكم،وسيصبح الرئيسَ التنفيذيَّ القادم.
وفي هذه اللحظةِ لاحظَ الرئيسُ الشابَّ ووعاءَه الفارغَ،فأمرَ المديرَ الماليّ أن يستدعِيَ الشابَّ إلى المقدّمة.
هنا شعرَ الشابُّ بالرعبِ،وقال في نفسِه:-بالتأكيد سيتمُّ طردي اليوم لأنّي الفاشلُ الوحيدُ في القاعة.
عند وصولِ الشابِّ سأله الرئيسُ:-ماذا حصلَ للبذرةِ التي أعطيتُكَ إيّاها?!
قصَّ له الشابُّ ماحدثَ له بكلِّ صراحة،وكيف فشلَ برغم كلِّ المحاولاتِ الحثيثةِ التي قامَ بها لإنباتِها.
كان الجميعُ في هذه اللحظةِ واقفين بانتظار ما سيحدث،فطلبَ منهم الرئيسُ الجلوسَ،ماعدا الشابَّ..
ووجَّهَ حديثَه إليهم قائلاً:
-"رحِّبوا معي بالرئيس التنفيذيِّ القادم".."إنّه الشابُّ الذي لم تنبت بذرتُه"..
جرَت همساتٌ وهمهماتٌ واحتجاجاتٌ في القاعة..كيف يمكنُ أن يكونَ هذا?!!..
وتابع الرئيسُ قائلاً:"في العام الماضي كنّا هنا معاً،وأعطيتُكم بذوراً لزراعتِها وإعادتِها إلى هُنا اليوم..
ولكن ما كنتم تجهلونه،هو أنّ البذورَ التي أعطيتُكم إيّاها كانت فاسدةً،وليس بالإمكان لها أن تنمو إطلاقاً.
جميعكم أتيتم بنباتاتٍ جميلةٍ ورائعة،جميعكم استبدلَ البذرةَ التي أعطيتُها له..أليس كذلك?!
هذا الشابُّ كان الصادقَ والأمينَ الوحيدَ;إذ أعادَ البذرةَ نفسَها التي أعطيتُه إيّاها قبل عامٍ مضى.
وبناءً عليه..فقد تمّ اختيارُه كرئيسٍ تنفيذيٍّ لشركتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم زامل
*كتبتُها ببعضِ التصرّف..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.