كنتُ أقف على أبواب تلك الجنتين . عن يمينٍ تمتدُ أنهارٌ بلا نهاية ، صافيةٌ كأنها مرآةٌ مصقولة، وعلى جوانبها تدّلت أنواع شتى من الثمار التي فاضت بألوانٍ لا مثيل لها . عن يساري كانت جنة أخرى ، كل ما فيها نورٌ ينساب في أشعة طيفية فيخترق الأجساد ويثير فيها نشوةً عجيبة ، كانت الجنة عن يساري مسكونةٌ بطيور مغردة تغني جميعها معا وتصمت معا ثم تعود لترفع صوتها بالغناء وكأنها اوركسترا بشرية متقنة. أما الجنة عن يميني فقد فاحت بروائح زكية أفقدتني حواسي كلها سوى حاسة الشم ، أسبلت عيناي التي لم ترغب في البقاء بعيدة عن كل هذا السحر ، لكن روائح الحياة فاقت خيالي فأردتُ أن أتنسمها بعمقٍ قدر ما أستطيع.
في تلك البرهة التي كانت فيها عيناي تستنشقان الوجود ، سمعتُ هسهسة مفاجئة، فتحت عيناي لأجد أمامي فتاةً يانعة ، ترتدي رداءً أخضراً يشبه لون الحياة ، كانت تبتسم من غير إفراط، وكان شعرها الأسود الناعم يتناوب على كتفيها، فمرة تلقي به إلى يمينها ومرة تعيده دونما اهتمام الى اليسار، كانت لها عينان واسعتان، واسعتان جدا وكأن ليلٌ بأكمله قد وجد له سكنا في مقلتيها، كانت مليحة الوجه سريعة الحركة ، تُحادث الزهور وتراقب الطيور حتى حط طيرٌ صغير جميل في يديها، فاجأها ذلك لكنها تمالكت نفسها وأخذت تنظر الى كل تلك الألوان التي تكّون ريشه اللامع. كان العصفور يزقزق بولع ، وكانت ابتسامتها تزداد بقدر هذا الولع، وشفتيها تختلجان بعذوبة وكأنها تتذوق بكل متعة تلك الموسيقى الساحرة .
رفعتْ الفتاة يدها اليمنى، مالت بأصابعها الطويلة لتتوافق مع ذاك الانشاد الجميل ، كانت تترنم بصوتٍ لم يسمعُه غيري، أغمضتْ عيناها من الحبور وأغمضتُ عيناي معها وأنا أتوق إلى أن أعيش هذا الجمال الذي تبعثه هذه الغريبة الحسناء.. لكن وخزةً مؤلمةً باغتتني. فتحتُ عيناي لأجد الفتاة ما زالت غارقةً في عالمها، لكن العصفور ذو الصوت الساحر كان يرفرف بيأس، ومن الجنتين الدانيتين هبّت رياحٌ مقلقة سكنت معها كل الاصوات . الفتاة ما زالت غافلة في سحرها الزلال ، في حين اتخذت الرياح أشكالاً عجيبة وسرعان ما أحاطت بالفتاة وغلفتها بغبارٍ أسود وأخذت أنفاس الفتاة بالاختناق .
برزت يدٌ عاجية من العدم، كانت تحمل سكينا ذو حاشية ذهبية، أتجه السكين الى حيث نبع الحياة تماما . امتدت يداي لتخطف السكين ، لكني اختنقتُ بالدخان الكثيف ، أحسستُ بتلك الطعنة التي امتدت إلى الفتاة . يا لقوة تلك الطعنة التي أحسستُ بها في أحشائي .. !
كانت طعنة هادئة لكنها عميقةٌ بما فيه الكفاية. امتلئت مقلتاي بدموعٍ غزيرة، ومن بين الدموع شاهدتُ الفتاة وهي تغلق عينيها بتشنج وألم، حاولتْ الفتاة أن تُمسك باليد الغادرة ، منحتها اليد العاجية ما تريد و زرعتْ بكل جرأة مقبض السكين في يدها، ثم بكل ادراك ودقة خطفت اليد الغادرة منها القدرة، وبيدهاالتي زُرع فيها السكين صارت الفتاة توجه لقلبها طعنة تلو طعنة، المرة تلو المرة ، شهقت الفتاة من الدهشة والغدر ثم ابتسمت بذهول وحيرة شديدة. الدماء كانت تنساب وكأنها نهرٌ انبثق لتوه في أنهار هذه الجنة الصافية ، قذفت الرياح تلك الدماء نحوي فلوثت يدي ورقبتي وشعري، أحسستُ بأحشائي تتمزق الى قطع حادة، تقاذفت الرياح قطعي المتفرقة وعادت لتطعنني بحوافها الحادة لأجد نفسي أغرق بالدماء والدموع معا.
هالني أن دمائي أصبحت بلون الماء، وأن دموعي أصبحت حمراء قانية، لكني بدأتُ أشعر بالخدر ، وتضاءل ألمي حتى بتّ لا أشعر بذاتي سوى روحاً تتخلى عن جسدٍ لم يعد مجديا. نظرتُ الى الفتاة فوجدت عينان ضائعتان ضامئتان ، ذاك السواد البديع في عينيها أصبح حزنا وارتياعاً لا يمكن نسيانه ، كانت الفتاة تتلقى الطعنات فتشهق بحيرة و انكسار و تنسكب دموعها لتتطاير بعيدا ثم تعود اليها كطوفان يغرق عينيها، أخذ الطوفان يلقي بجسدها حيث يشاء، حاولتُ اللحاق بها، حاولتُ الامساك بها لكن شظاياها كانت تصيبني وطوفانها يهزأ من محاولاتي، أيقنتُ ان الفتاة سائرة نحو الموت ، وأن علي أن أشهد مصرعها كاملاً . اختفت الحيرة والارتياع من عينيها ، اشاحت بعينيها نحو الجنتين وهي تتلقى الطعنات، اخذت الفتاة نفسا عميقا وسط تلك الفوضى العارمة وكأنها تريد لأنفاسها الاخيرة أن تكون من روائح تلك الجنة الباهرة، مددتُ اليها يدي يائسة ً لعلني أشاركُها هذا المصير المبهم، لكنها كانت قد بدأت تهوي الى النهر الذي فاض مائه من شدة الطوفان. كانت تهوي بهدوء.. لكن بحزن قاتل، حاولتُ اللحاق بها والامساك بأطراف ثوبها الأخضر، لكن الطوفان دفعني نحوها دون ان أتمكن من ابداء أدنى مقاومة، كانت صفحة الماء ما زالت مصقولة صافية كأنها مرآة عاكسة.. وأنا أهوي مع الفتاة الى النهر، لمحتُ ظلال جسدي منعكسةً على صفحة الماء..
كنتُ حقا أرتدي رداءً أخضر كالحياة، وكان شعري الأسود الطويل يتمايل على كتفي يمنة ويسرة، عيناي كانتا واسعتين غارقتين في سواد عميق ، وأنا كنت لوحدي أغرق في نهر من أنهار الجنتين .
في تلك البرهة التي كانت فيها عيناي تستنشقان الوجود ، سمعتُ هسهسة مفاجئة، فتحت عيناي لأجد أمامي فتاةً يانعة ، ترتدي رداءً أخضراً يشبه لون الحياة ، كانت تبتسم من غير إفراط، وكان شعرها الأسود الناعم يتناوب على كتفيها، فمرة تلقي به إلى يمينها ومرة تعيده دونما اهتمام الى اليسار، كانت لها عينان واسعتان، واسعتان جدا وكأن ليلٌ بأكمله قد وجد له سكنا في مقلتيها، كانت مليحة الوجه سريعة الحركة ، تُحادث الزهور وتراقب الطيور حتى حط طيرٌ صغير جميل في يديها، فاجأها ذلك لكنها تمالكت نفسها وأخذت تنظر الى كل تلك الألوان التي تكّون ريشه اللامع. كان العصفور يزقزق بولع ، وكانت ابتسامتها تزداد بقدر هذا الولع، وشفتيها تختلجان بعذوبة وكأنها تتذوق بكل متعة تلك الموسيقى الساحرة .
رفعتْ الفتاة يدها اليمنى، مالت بأصابعها الطويلة لتتوافق مع ذاك الانشاد الجميل ، كانت تترنم بصوتٍ لم يسمعُه غيري، أغمضتْ عيناها من الحبور وأغمضتُ عيناي معها وأنا أتوق إلى أن أعيش هذا الجمال الذي تبعثه هذه الغريبة الحسناء.. لكن وخزةً مؤلمةً باغتتني. فتحتُ عيناي لأجد الفتاة ما زالت غارقةً في عالمها، لكن العصفور ذو الصوت الساحر كان يرفرف بيأس، ومن الجنتين الدانيتين هبّت رياحٌ مقلقة سكنت معها كل الاصوات . الفتاة ما زالت غافلة في سحرها الزلال ، في حين اتخذت الرياح أشكالاً عجيبة وسرعان ما أحاطت بالفتاة وغلفتها بغبارٍ أسود وأخذت أنفاس الفتاة بالاختناق .
برزت يدٌ عاجية من العدم، كانت تحمل سكينا ذو حاشية ذهبية، أتجه السكين الى حيث نبع الحياة تماما . امتدت يداي لتخطف السكين ، لكني اختنقتُ بالدخان الكثيف ، أحسستُ بتلك الطعنة التي امتدت إلى الفتاة . يا لقوة تلك الطعنة التي أحسستُ بها في أحشائي .. !
كانت طعنة هادئة لكنها عميقةٌ بما فيه الكفاية. امتلئت مقلتاي بدموعٍ غزيرة، ومن بين الدموع شاهدتُ الفتاة وهي تغلق عينيها بتشنج وألم، حاولتْ الفتاة أن تُمسك باليد الغادرة ، منحتها اليد العاجية ما تريد و زرعتْ بكل جرأة مقبض السكين في يدها، ثم بكل ادراك ودقة خطفت اليد الغادرة منها القدرة، وبيدهاالتي زُرع فيها السكين صارت الفتاة توجه لقلبها طعنة تلو طعنة، المرة تلو المرة ، شهقت الفتاة من الدهشة والغدر ثم ابتسمت بذهول وحيرة شديدة. الدماء كانت تنساب وكأنها نهرٌ انبثق لتوه في أنهار هذه الجنة الصافية ، قذفت الرياح تلك الدماء نحوي فلوثت يدي ورقبتي وشعري، أحسستُ بأحشائي تتمزق الى قطع حادة، تقاذفت الرياح قطعي المتفرقة وعادت لتطعنني بحوافها الحادة لأجد نفسي أغرق بالدماء والدموع معا.
هالني أن دمائي أصبحت بلون الماء، وأن دموعي أصبحت حمراء قانية، لكني بدأتُ أشعر بالخدر ، وتضاءل ألمي حتى بتّ لا أشعر بذاتي سوى روحاً تتخلى عن جسدٍ لم يعد مجديا. نظرتُ الى الفتاة فوجدت عينان ضائعتان ضامئتان ، ذاك السواد البديع في عينيها أصبح حزنا وارتياعاً لا يمكن نسيانه ، كانت الفتاة تتلقى الطعنات فتشهق بحيرة و انكسار و تنسكب دموعها لتتطاير بعيدا ثم تعود اليها كطوفان يغرق عينيها، أخذ الطوفان يلقي بجسدها حيث يشاء، حاولتُ اللحاق بها، حاولتُ الامساك بها لكن شظاياها كانت تصيبني وطوفانها يهزأ من محاولاتي، أيقنتُ ان الفتاة سائرة نحو الموت ، وأن علي أن أشهد مصرعها كاملاً . اختفت الحيرة والارتياع من عينيها ، اشاحت بعينيها نحو الجنتين وهي تتلقى الطعنات، اخذت الفتاة نفسا عميقا وسط تلك الفوضى العارمة وكأنها تريد لأنفاسها الاخيرة أن تكون من روائح تلك الجنة الباهرة، مددتُ اليها يدي يائسة ً لعلني أشاركُها هذا المصير المبهم، لكنها كانت قد بدأت تهوي الى النهر الذي فاض مائه من شدة الطوفان. كانت تهوي بهدوء.. لكن بحزن قاتل، حاولتُ اللحاق بها والامساك بأطراف ثوبها الأخضر، لكن الطوفان دفعني نحوها دون ان أتمكن من ابداء أدنى مقاومة، كانت صفحة الماء ما زالت مصقولة صافية كأنها مرآة عاكسة.. وأنا أهوي مع الفتاة الى النهر، لمحتُ ظلال جسدي منعكسةً على صفحة الماء..
كنتُ حقا أرتدي رداءً أخضر كالحياة، وكان شعري الأسود الطويل يتمايل على كتفي يمنة ويسرة، عيناي كانتا واسعتين غارقتين في سواد عميق ، وأنا كنت لوحدي أغرق في نهر من أنهار الجنتين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.