كانت تسلبني طعامي كل يوم, متحينة قدومي من عملي مُجهدًا, و من ثم أعد بعض الطعام الشهي..
فقد أتقنتُ الطهي, منذ صرت يافعًا..
فالوحدة تُعلمك الكثير ..
كنتُ وحيدًا.. حتى التقيتها !
وكانت تشتهي شريحة اللحم, و فخذ الدجاجة, و سمكتي المشوية..
بينما تنفر من الأرز, و الخضروات..
يالها من جشعة !!!
هى السارقة بلاشك !
فلم يستطع أحد أن يدخل بيتي سواها !
ربما أدفع الآن ضريبة محبتي لها, فقد هِمتُ بعينيها الزرقاوين عشقًا, و بصوتها الدافيء ولهًا ..
عشقتها, حتى لكأني كدتُ أن أُجن عندما فقدتُها..
و يبدو أنني قد فقدتُها للأبد !
عندما وقع ناظري عليها, بينما تجلسُ بالحديقة العامة المقابلة لمسكني, ذات مساءٍ شديد البرودة, وودتُ لو دنوتُ منها ولامستُ جسدها اللين ..
ملأتني الرغبة في عناقها.. و أحسستُ بأنها وحيدة مثلي, فدعوتها لتناول الطعام الذي أعددته بنفسي..
كانت تتقدم خطوة, وتتراجع أخرى..
تخشى أن أمكر بها .. كما فعل سابقون !
التقمتْ قطعة دجاج صغيرة.. ثم ابتعدت من دون صوت !
لعلها مازالت لاترتاح لي !
وحيدٌ أنا .. بعيدًا عن موطني.. ذلك المرفأ الآمن الذي ماعثرتُ على نفسي إلا بين جنباته !
أووووه.. لقد كذبت عليكم رغمًا عني..
فقد كان !
أجل.. لقد كان موطني مرفأً آمنًا سالمًا.. قبل أن تمتليء قِصاعه بالدماء !
وقبل أن يغدو خبزه جافًا يبسًا !
آهٍ يا وطني.. لقد عذبني الشوق, لنخيلك الجوَّاد.. حيث كم رماني بتمرِه الطيب, كأمٍ تطعم صغيرها من دون طلب !
كم سبحتُ, و الأمواج تحتضنني, و تحملني بمنأىً عن قيعانها السحيقة !
و كم داعبت غُرِّتي الناعمة, نسماتك الرائقة !
النخيل أمٌ ..
و المياه أمٌ ..
و النسمة أمٌ ..
وحدهم الطامعون؛ هم الأعداء !
هم من ينفثون السموم بالهواء.. و الماء.. و جذور النخيل..
فتتكاثر الجرذان بالشقوق, و الحُفر ..
أهٍ.. لقد شردتُ حبيبتي.. و نسيتُكِ قليلًا !
لذا؛ سأواصل رحلة البحث عنكِ من دون كلل !
ليتكِ تعودينَ .. و تشاركيني تناول الغداء !
ليتني لم أنهركِ عندما أتيتِ على قطعتي "البوفتيك", فذهبتِ إلى حيث لم أركِ بالجوار منذ مايربو على العامين !
فلا عُدتِ إليَّ..
ولا أنا عُدتُ إلى جذوري, تلك التي أتت الفئران عليها, فسقطتْ النخلة, فوق رأس زارِعها !
عودي يا مؤنستي الوحيدة.. فماعاد بعدكِ شيءٌ يسامر وحدتي,
عودي.. حتى تأكلين اللحم, و أحس أنا بمذاق الخُضروات من جديد !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكثَ ذلك المتحدث إلى نفسه؛ شاردًا, حتى استفاق على خدوشٍ طولية فوق ساعِده, فما كانت سوى مخالب حادة, قد خمشته بقسوة, ثم التقطتْ شريحة اللحم التي لم يعد لديه سواها, و ألقتْ بها بين فكين من أسنان لاتقل حِدة عن تلك المخالب, ثم تركض السارقة مبتعدة !
فسألَ نفسه, وهو يتألم:
ــ تُرى.. منْ هو السارق الحقيقي؟!
منْ يسرق الأرض.. أم من يسرق القوت.. أم الغُربة التي تسرق العمر خِلسة ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة بقلمي؛
أسماء الصياد
فقد أتقنتُ الطهي, منذ صرت يافعًا..
فالوحدة تُعلمك الكثير ..
كنتُ وحيدًا.. حتى التقيتها !
وكانت تشتهي شريحة اللحم, و فخذ الدجاجة, و سمكتي المشوية..
بينما تنفر من الأرز, و الخضروات..
يالها من جشعة !!!
هى السارقة بلاشك !
فلم يستطع أحد أن يدخل بيتي سواها !
ربما أدفع الآن ضريبة محبتي لها, فقد هِمتُ بعينيها الزرقاوين عشقًا, و بصوتها الدافيء ولهًا ..
عشقتها, حتى لكأني كدتُ أن أُجن عندما فقدتُها..
و يبدو أنني قد فقدتُها للأبد !
عندما وقع ناظري عليها, بينما تجلسُ بالحديقة العامة المقابلة لمسكني, ذات مساءٍ شديد البرودة, وودتُ لو دنوتُ منها ولامستُ جسدها اللين ..
ملأتني الرغبة في عناقها.. و أحسستُ بأنها وحيدة مثلي, فدعوتها لتناول الطعام الذي أعددته بنفسي..
كانت تتقدم خطوة, وتتراجع أخرى..
تخشى أن أمكر بها .. كما فعل سابقون !
التقمتْ قطعة دجاج صغيرة.. ثم ابتعدت من دون صوت !
لعلها مازالت لاترتاح لي !
وحيدٌ أنا .. بعيدًا عن موطني.. ذلك المرفأ الآمن الذي ماعثرتُ على نفسي إلا بين جنباته !
أووووه.. لقد كذبت عليكم رغمًا عني..
فقد كان !
أجل.. لقد كان موطني مرفأً آمنًا سالمًا.. قبل أن تمتليء قِصاعه بالدماء !
وقبل أن يغدو خبزه جافًا يبسًا !
آهٍ يا وطني.. لقد عذبني الشوق, لنخيلك الجوَّاد.. حيث كم رماني بتمرِه الطيب, كأمٍ تطعم صغيرها من دون طلب !
كم سبحتُ, و الأمواج تحتضنني, و تحملني بمنأىً عن قيعانها السحيقة !
و كم داعبت غُرِّتي الناعمة, نسماتك الرائقة !
النخيل أمٌ ..
و المياه أمٌ ..
و النسمة أمٌ ..
وحدهم الطامعون؛ هم الأعداء !
هم من ينفثون السموم بالهواء.. و الماء.. و جذور النخيل..
فتتكاثر الجرذان بالشقوق, و الحُفر ..
أهٍ.. لقد شردتُ حبيبتي.. و نسيتُكِ قليلًا !
لذا؛ سأواصل رحلة البحث عنكِ من دون كلل !
ليتكِ تعودينَ .. و تشاركيني تناول الغداء !
ليتني لم أنهركِ عندما أتيتِ على قطعتي "البوفتيك", فذهبتِ إلى حيث لم أركِ بالجوار منذ مايربو على العامين !
فلا عُدتِ إليَّ..
ولا أنا عُدتُ إلى جذوري, تلك التي أتت الفئران عليها, فسقطتْ النخلة, فوق رأس زارِعها !
عودي يا مؤنستي الوحيدة.. فماعاد بعدكِ شيءٌ يسامر وحدتي,
عودي.. حتى تأكلين اللحم, و أحس أنا بمذاق الخُضروات من جديد !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكثَ ذلك المتحدث إلى نفسه؛ شاردًا, حتى استفاق على خدوشٍ طولية فوق ساعِده, فما كانت سوى مخالب حادة, قد خمشته بقسوة, ثم التقطتْ شريحة اللحم التي لم يعد لديه سواها, و ألقتْ بها بين فكين من أسنان لاتقل حِدة عن تلك المخالب, ثم تركض السارقة مبتعدة !
فسألَ نفسه, وهو يتألم:
ــ تُرى.. منْ هو السارق الحقيقي؟!
منْ يسرق الأرض.. أم من يسرق القوت.. أم الغُربة التي تسرق العمر خِلسة ؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة بقلمي؛
أسماء الصياد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.