الصفحات

أخناتون كان شاعراً فناناً مفكراً أكثر منه فرعونا ولا يعشق غير زوجته نيفرتيتي

كتب : ــ صبحي فحماوي
الذي يدهشك في رواية أجاثا كريستي "أخناتون" - الصادرة عام 1977، ترجمة حلمي مراد - أنها كانت تصدر وتباع حسب روايات الهلال في ذلك العام بسعر 150 مليماً (أي خمسة عشر قرشا مصريا)، حسبما هو مدون على الغلاف الداخلي للرواية.

وكانت في عهد الرئيس جمال عبدالناصر تباع بخمسة قروش فقط. وبذلك كانت الثقافة للجميع، بينما تجد كثيراً من الروايات المصرية والعربية هذه الأيام تباع بأكثر من مائة وخمسين جنيها مصرياً. فصارت الثقافة للأغنياء فقط، أولئك الذين يملكون الثروات، ولكنهم لا يتفاعلون مع عرق العاملين والفقراء، ولا يحتاجون إلا إلى روايات من نوع آخر، روايات بوليسية
دراماتيكية أو رومانسية، أو عنيفة مدمرة للعقل، ولا تحمل أفكار التغيير، روايات خاصة بمشاعرهم الاستهلاكية للتسلية على شاطئ البحر، وليست ثقافة "الفن والفكر والقضايا الوطنية".

والأسئلة الكثيرة دارت حول أخناتون، ليست فقط بسبب كونه آمن بديانة جديدة، هي ديانة التوحيد، لإله في السماء، وليست آلهة متعددة مصنوعة كتماثيل حجرية.. ولكن بسبب زواجه من نيفرتيتي غير المصرية.

ترى من هي نيفرتيتي؟

وهل هي حقا غير مصرية؟

وكيف تكون غير مصرية؟

خذ مثلاً ما كتبه الروائي جيلبرت سينويه في روايته "أخناتون..الإله اللعين" الصادرة عن منشورات الجمل 2011، ويقول فيها صفحة 135: "وحتى حول نيفرتيتي، لا نملك افتراضات. فبالنسبة للبعض هي أجنبية (أتت) كما يوحي بذلك اسمها إلى بلاط مصر، لتتزوج من أخناتون. هكذا كان التفسير الوحيد للسياسة الدينية الجديدة للفرعون الجديد.. فنيفرتيتي التي تشربت بتربية شرق أوسطية، هي التي أوحت له بفكرة التوحيد..." والقول ما يزال لـ جيلبرت سينويه.

والذي يجعلنا نتقبل هذه الفرضية، هو أن أمه (تيي)، زوجة "أمنحوتب الثالث" لم تكن فرعونية الدم الملكي، ولم تكن مصرية، بل كانت كنعانية شامية، وكانت تتحكم في إدارة شؤون البلاد، خاصة في السنوات الأخيرة من حكمه وهو عجوز ضعيف البنية.. لاحظ قولها صفحة 44 من رواية أغاثا كريستي بعنوان "أخناتون":

"وجميع الرجال أطفال، مجرد أطفال، ولا بد أن يقادوا، ونلاطفهم بالكلمات، الناعمة والقبلات، وبذلك ننقذهم من عواقب حمقهم.." فلِم لا تكون قد استغلت هذه النظرية، فسهلت لابنها طريق التعرف على صبية ساحرة الجمال من بلاد الشام، تعبد الإله (ال) أو (إيل)، وقد تكون من قريباتها أو معارف أهلها هناك، خاصة وأن بلاد الكنعانيين الشوام كانت هي وبلاد الرافدين خاضعة لحكم الفرعون، أو متحدة مصر، وكانت جيوش الفرعون أمنحتب الثالث بقيادة القائد القوي الشاب "حور محب" مستنفرة في منطقة (مجدو) الفلسطينية، وكان ولي العهد "أخناتون" مرسلاً من قبل أبيه أو أمه أو كليهما، ليرافق القائد العسكري المنتصر (حور محب) وليطّلع بنفسه على دروب القتال في تلك المعركة الفاصلة، التي لم تتم، بين الفراعنة و"الكنعانيين" الذين يسميهم المستشرقون الغربيون "هكسوس"، وهو اسم اعتقد شخصيا أن الهدف منه هو مسح تاريخ الكنعانيين الذين كان البحر المتوسط يعتبر يومها بحيرة كنعانية؟

وقد تكون "معركة مجدو" التي لم تتم، بسبب تحويل "أخناتون" الشاعر المحب الذكي للصراع العسكري بين الفريقين، إلى صراع تفاوضي. وقد يكون هذا التفاوض هو الذي أدى للتعارف بين أخناتون ونيفرتيتي الكنعانية الساحرة الجمال، والتي يبدو أن اسمها مشتق من قريبتها "تيي" زوجة الفرعون الأب "أمنحوتب الثالث".

والذي يعزز هذه الفرضية، أن أخناتون، بعكس باقي الملوك الفراعنة، لم يحب غير نيفرتيتي، ولم يتزوج غيرها، على عادة الكنعانيين، حيث كان الإله (ال) لديهم، متزوجا من الإلهة عشيرة وحدها، وغير متعدد الزوجات.

ترى هل كانت نيفرتيتي التي تعبد الديانة الكنعانية، ذات الإله الواحد "إل" هي التي أقنعته بعبادة إلإله الأوحد في السماء، وليست آلهة (آمون) المتعددة، التي هي مجرد حجارة منحوتة يمكن لمسها على الأرض، فارتقى تفكيره، وراح يفكر بأن طاقة الشمس المتمثلة بالإله (رع) هي الله، الذي يجب أن يعبد. وذلك ما يوضح ذكاء أخناتون المبكر في التاريخ، بعبادة الله الذي هو نور السموات والأرض، وليس التماثيل التي على الأرض. ولك ما اتضح لاحقاً في القرآن الكريم قوله تعالى: "الله نور السموات والأرض".

والذي يعزز هذه الفرضية، أن أخناتون كان شاعراً فناناً مفكراً أكثر منه فرعونا. وكان ذا شخصية بسيطة جمالية، يحب التمتع بالطبيعة، ولا يعشق غير زوجته نيفرتيتي. ولهذا نستطيع قبول كونها قد أقنعته بسهولة بقبول هذا الدين السماوي، لسببين، الأول، أنه رجل بسيط، ويقبل المنطق، والآخر أنه كان يحبها حبا جماً، وهي ملكة الجمال الساحرة، فجعلته يقتنع بقولها. والثالثة أنه بصفته شاعراً، فلا يريد أن يكون إلهه حجراً ملموساً باليد، ومتعدد الأشكال، بل كان يريده شيئاً بعيداً فيه إمكانية التخيل، ولا يُلمس باليد، على مذهب الشعراء الذين يهتمون بالخيال.

أدهشني، لا بل أحزنني كثيراً، هذا الفرعون الجميل أخناتون، الذي كان ثمن صدقه مع نفسه، ومحبته لجمهور شعبه، واقترابه منهم كإنسان شاعر بسيط، وليس كفرعون يُعبد، أن ثار عليه رجال الدين، وانتقموا منه شر انتقام، فقتلوه شر قتلة وهو ما يزال شابا صبياً.
ـــــــــــــــــــــــ
صبحي فحماوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.