الصفحات

خيمة بدوية | رولا رياض الحلاق

دُعيت لتناول الغداء في خيمة بدوية بناها بالقرب من بلدتي جماعة من البدو تربطنا بهم علاقة قديمة جاؤوا من قرية قريبة لقريتي الأم ...بحثاً عن الكلأ لأغنامهم فأهالي قريتي على علاقة طيبة بالبدو المقيمين بالجوار منذ أجيال .
استقبلتني صاحبات البيت بابتسامة ملؤها الود و المحبة ,و جلسنا نتبادل أطراف الحديث .
عبر فتحة الخيمة الكبيرة تعلقت عينايّ بالأفق البعيد ...لطالما أحببت الأماكن الواسعة التي لا نهاية لها .

كان مظهري شاذاً في تلك الخيمة وعيونهن معلقة بي تتأملنني باعجاب لم أره يوماً ...كنت بالنسبة لهن كنجمة سينمائية بشعر ذهبي ترتدي بنطال الجينز و النظارة الشمسية و حذاء ذو كعب يعلو عن الأرض عشرة سنتمترات...
لربما حسدنني ظناً منهن اني أعيش الحياة المثلى.
تساءلت ؟؟؟!!! ما أقصى أحلامهن ؟؟؟ ...زواج في عمر مبكر و انجاب الأطفال ؟؟؟!!!
ما واجباتهن ؟؟؟ رعاية الاطفال و حلب الأغنام؟؟؟ !!!
لم تلتحق أي منهن بالدراسة الجامعية و لم تعان من سهر الليالي للحصول على الشهادة الثانوية ... لم تتعب بملاحقة حافلات السفر في زمن كانت فيه المواصلات شبه معدومة ... لم تقف أي منهن في طوابير التسجيل الجامعي , لم تتعب أي منهن بالبحث عن عمل أو السعي للمسابقات الوظيفية , لم يُطلب منها تعلم اللغات الأجنبية و الحاسوب
لم يلاحقها رجل ثقيل الظل افتقد الكرامة في الشوارع.
كنت أبادلهن النظرات و الحسد ...حسدتهن على الحياة البسيطة
كانت احداهن عروساً جديدة لم استطع حضور عرسها في الأسبوع السابق .
طلبت مني مرافقتها إلى خيمتها لتريني جهازها الذي تتباهى به ...كانت سعيدة بفساتينها المزركشة بالزهور و الخيوط اللماعة و بأغطية صوفية تكدست فوق بعضها البعض في طرف الخيمة .
أثنيت على ذوقها ... قدمت لها هديتي و تمشينا قليلاً ...
رأيت في عينيها سعادة لا توصف و هي تحدثني عن زفافها وزوجها ...
هل كان يجب ان أكون بدوية؟؟؟...أم ان مورثاتي الشرقية توقظ بي ذلك الحس الغريب؟؟؟
تذكرت قولاً لجدتي تردده على مسمعي "محظوظة أنتِ بتربية الغنم "و ذلك لان أي حصاة في الطعام لا تجد مستقراً لها إلا فمي فهي جملة تُقال لأي شخص يُفاجأ بحصاة بين أسنانه عند تناول طعامه.
ما هي السعادة ؟؟....
لِمَ نجدها عند من نفقدهم و في وجود من رحلوا ؟؟؟
سننشدها دوماً بينما نراها في حياة الاخرين , سنشعر دوماً بحرماننا منها و نحن نعيشها لحظات من حيواتنا, سنشعر بها في لحظات العودة بالذاكرة لأننا دوماً نرى في الماضي جمالاً لا نراه في الحاضر, لن نشعر بها إلا بعد فوات الآوان , لن نعرفها الا عندما تفر من بين ايدينا

رولا رياض الحلاق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.