الصفحات

رسائل زمن الورد 1 | وليدة عنتابي

1
إليك أيها البازغ من وراء االحال ,والماثل في تلافيف الذكرة , بين الظّن واليقين ,والطالع على رؤوس كلماته ..من تكايا الوجد يدير الكأس على ندامى الغياب , من عناقيد تتأبى على الثبات وتشتاق صيرورة يحاورها بذخ الزّبد, وقد اشرأبت أمواج البثّ تطارد الحباب , وتمعن في اقتناص لحظة هاربة .
وصلتني رسالتك الثانية بعد يأسٍ أمسك بتلابيب الرسالة الأولى , وقد تناثر ثوبها الورقي ذروراً على مهبات رياحٍ توشك أن تشعل حرائق كونية لمداراتٍ غير قادرة على الاستقبال .

أجل منذ أمد غير قصير وأنا أطير لاهثة خلف نثار رسالتك الأولى , وقد اعتراني ذلك المسّ القدسيّ , فإذا بي ألوب في أغوار ضميري أستعطيه فتات الشّهد الذي كان .
وما زلت في حمّى الدوران , تداورني الكواكب والأجرام , وتخاتلني شموسٌ خلّابة , وتتبعني أقمارٌ صابئة بينما مجرّات مجهولة تغويني بأمداء لم يرها أنسٌ ولا جان .
حتى ارتمت رسالتك الثانية مولوداً طازجاً للتوّ , تلقفته كفاي بلهفة أمضّها طول الانتظار , وطالعته عيناي اللتان اكتحلتا بماء الدهشة واللوعة , بفيضٍ من رؤى تتداخل وتتنافر في ترجيعٍ سماويٍّ ...
_ : كلُّ ما مضى ..كلُّ ما يأتي .. كلُّ ما سيكون .....يهطل أزهاراً ثلجيةً على مجامر زهدي ...ويتسرّب من شقوق نوافذي الموصدة على عزلتي ووحدتي .نسيماً فردوسيّاً ليرشق بين يديَّ ربيع العمر جنائن عذراء ,وآفاقاً بكراً كنّا نثوي ونمور تحت خمائلها الوارفة وقد أحكمت علينا أسرارها , نتبادل الحكايات , ونخترع طعماً آخر للتفاح ...., غير مكترثين لأفعى المناورة وقد صلّتْ بفحيح الرغبة , ....كان حجم أشواقنا أكبر من طموح الأفعى ..وكان رحيق وجدنا أشهى من عسل تفاحها .
حين امتدّت يداك لتعبرا بتردّدي إلى ضفّة العرفان , حيث النور بهر أعيننا فلم تعد تراني , ولم أعد أراك .
كان كلٌّ منّا يرسم مساره في اتجاه الدوامة بخطٍّ مغايرٍ للآخر , تتباعد بيننا مسافات تغزلها مطامح الأوهام ....فإذا كلٌّ منّا يبحث عن الآخر من آنٍ لآن , ويناشده الامتثال , وبين وميضٍ وانطفاء يتجلّى ذلك النور الأخّاذ متلألئاً على تخوم اللوعة , يذرُّ الحنين على حقول الظمأ وقد شققها احتباس الغيث , وامتناع النّدى .
أيها الرجل الذي ما انفَّك يمسُّ بعصاه السحريّة آفاق الأحلام , لتتهاطل المفاجآت وتتحقق الأمنيات ..منذ ريعان العمر وحتى أرذل ما فيه , ستظلّ ذلك الأفق الذي يستحيل افتراعه , بل ذلك البعد الذي يتأبى على السبر , والمدى الذي يربو على القياس , وستظلّ إلى أبد الآبدين , ومن حياةٍ إلى حياة ..ذلك الطّيف الذي كلّما دانيته آذن بالاختفاء .
بيني وبينك أيها القاطن في الوجدان , والماثل بين الجفن والعين , بيني وبينك هميلايا التهيّب , والإجلال فاعذر تطفلّي المشدوه , والمشدود إلى بهاء روحك في أزلية التدوير , وأبدية التّموّج .... .

وليدة عنتابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.