الصفحات

عيد العمال ــ قصة | الدكتور مهدي الزغبي

يحكى أنَّ عاملاً فقيراً وربَّ أسرة مؤلفة من سبعة أشخاص.. يعمل في أعمال البناء الشاقة وبالكاد يتدبر أمر أسرته..
وذات مساء قال لزوجته: لا أدري يا عزيزتي كيف سوف نتدبر الأمر؟ لقد انتهت ورشة البناء التي أعمل بها وقد لا نبدأ العمل في ورشة جديدة إلا بعد أسابيع.. ولا نملك من النقود سوى النذر اليسير الذي لايكفينا لشراء الطعام سوى لأيامٍ قليلة.
هونت الزوجة الأمر عليه وقالت: " أن الله يعين" فاصبر وارتح من العمل في الغد، ومن ثم تنطلق للبحث عن عمل جديد بعد غد.

وفي صباح اليوم التالي استيقظ الرجل في مزاج سيْ وسواد الكون في عينيه وبالكاد يتلفظ بكلمة.
ولم يمضِ من الوقت على استيقاظه سوى بضع دقائق حتى طلبت منه الزوجة بعض النقود لشراء الطعام.
كان كل ما يملك لا يتعدى ألف قطعة نقدية ... وعندما ذهب ليعطي الزوجة بعضها عدَّ النقود وإذا بها نحو ثمانمائة قطعة فقط.
شخص ما أخذ مئتي قطعة من النقود..
وهنا استشاط الأب غضباً وجمع الأسرة وبدأ بالصراخ.. ووصل الأمر به إلى حد الضرب، وحتى الزوجة لم تسلم من أذاه.
انهال ضرباً على جميع أفراد الأسرة ولم يعترف أحد منهم بأنه أخذ النقود .. ماعدا أصغر أبنائه وأحبهم إلى قلبه والذي لم يتجاوز من العمر تسع سنوات.. والذي لم يكن في المنزل.
وهنا صار الأب على يقين بأن الابن الصغير هو من أخذ النقود.
انتظر قدومه بفارغ الصبر.. ولم يكد الولد يدخل من باب المنزل حتى انهال عليه الأب بالضرب المبرح.. ووصل الأمر إلى حد أن حمله إلى أعلى ورمى به إلى الأرض .. فارتطم رأس الصغير بإحدى قطع أثاث المنزل.. وبدأ الدم ينزف من رأسه بغزارة وقد أغمي عليه.
وفي هذه اللحظة عاد الأب إلى رشده.. حمل أحب ابنائه على قلبه والدموع تنهمر من عينيه وركض مسرعاً وأوقف إحدى السيارات لتقله إلى المشفى.
وفي السيارة لفت انتباه الأب كيسٌ صغيرٌ كان الولد يحمله وممسكاً به بقوة عندما كان يضربه.
فتح الأب الكيس وإذ بداخله قبعة جميلة وورقة صغيرة مكتوب عليها بخط بريء: (( اليوم عيد العمال يا أبي.. كل عام وأنت بخير .. وهذه قبعة تقيك من أشعة الشمس .. ( أحبك أحبك ).
وهنا كاد الوالد أن ينهار .. يبكي ويبكي ويقبل رأس ابنه في المكان الذي ينزف الدم منه.. واختلطت دموعه بدماء ابنه المحب البريء .. وتلونت يداه و وجهه باللون الأحمر.. وكان ينادي: يا ويلي يا ويلي ماذا فعلت بولدي، ماذا فعلت بصغيري؟
وفي الطريق قال الأب لصاحب السيارة: أرجوك سيدي اسرع اسرع..
وهنا ومن شدة السرعة كادت السيارة أن تدهس أحد المارة.. فقال السائق للأب: يا صديقي اقدر لهفتك على ابنك لكن التهور والسرعة دوماً نتائجهما وخيمة .. أجابه الأب وهو يهز رأسه: معك كل الحق يا سيدي وأنا أكثر من يدرك ذلك.. ثم عاد وأجهش بالبكاء.
وعقب الانتهاء من علاج الابن الصغير في المشفى .. نقله إلى المنزل ليعتني به.
وبعد مضي ثلاثة أيام وعند المساء والولد لايزال غير قادرٍ على الحركة والكلام... والأب بأمس الحاجة للنقود لمعالجة ابنه.. دق جرس المنزل .. فتح الباب وإذا بأحد أصدقاء الأب ..قال له تفضل، أجابه: شكراً فأنا مرهق من العمل،لكنني جئت لأخبرك أن صاحب العمل يقول لك أنه لم يعد لك مكانٌ بيننا.
صاح الأب المجروح متعجباً ولماذا يا هذا؟
قال يا رجل منذ ثلاثة أيام قمنا وبمناسبة عيد العمال بافتتاح العمل في ورشة البناء الجديدة.. وكنت قد قلت لابنك الصغير في صباح ذلك اليوم أن يخبرك وأن تأتي للافتتاح في الساعة الثانية عشر .. لكنك لم تحضر الافتتاح ولم تأتِ للعمل.. فأنت من تتحمل المسؤولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.