الصفحات

قراءة في نص الشاعر سمير سنكري بعنوان "فالشـــكُّ يأكلُ خـاطــــري يا ســـيِّـدي " | بقلم أدونيس حسن

 أدونيس حسن
قبلَ السؤالين ,, هل كان ؟؟ أم نحن خلقناهُ ؟؟
منذ ملايين السنين تطلُ الشمسُ كلَّ يومٍ ,,وتغربُ إلى ليلٍ ,, والقمرُ في دورتِه ,, والفصولُ ...وكلُّ بمقدارِ الوقتِ لا زيادة ولا نقصان ..حتَّى يبدو الثباتُ هو سيدُ الحياةِ ,,ويظهرُ السكونُ واحةً خاليةً من الحركة ,, لكنَّ هناكَ جريانٌ وخلقٌ وتغيرٌ يجتاحُ كلَّ نقطةٍ من المكان ...
فالأشياءُ في حالةِ خلقٍ ووجودٍ جديدٍ في كلِّ ذرةٍ زمنيةٍ ,,ونحنُ أيضاً ,,ودونَ إرادةٍ منَّا أو تدخلٍ فيه ..

وفي كلِّ محاولةٍ للكشفِ ,, وكلِّ جوابٍ نعثرُ عليه لسؤالٍ ,, يزدادُ الغموضُ ,, ويلدُ من بطنِ الجوابِ سؤالاً أكبر ,,وتكبرُ مساحةُ البحثِ وتتعددُ جهاتُها ,, ويكتشفُ العقلُ أنَّه أقل وخطواته أقصر عن الإحاطة مهما اتسعت الخطواتُ ..
إذاً لا بدَّ من السكونِ ,,وتعلمِ فنِ الإنصات ,, وتنظيفِ الداخلِ من كلِّ المعارفِ القبلية ,,ولا بدَّ من العودةِ إلى داخلِ الطفلِ فينا ,, فكلُّ ما نعرفُه هو مجازٌ وتجلياتٌ للحقيقةِ المستقلة عنَّا بصورٍ تختلفُ وتأتلفُ ,, بما في الضوءِ من عينين والقلبِ من بصيرةٍ أو خلوه منهما..
ولن نتمكنَ من سماعِ صوتِ الكينونة طالما هناكَ فاصلٌ معرفي قبلي فينا ,, فهو مجازٌ منجزٌ من غيرنا ,,وحينها لن نكونَ نحنُ بل غيرُنا ..
وعندما ننجحُ أن نكونَ نحنُ ,, سيجيبُ صوتُها عن الأسئلةِ بدرجةِ نظافةِ الداخل ,, وبقدر مساحةِ الطفولةِ فينا ,,التي استطعنا تحريرَها من مجازات غيرِنا وتجلياتٍ لبصرٍ وبصائرٍ ليست لنا..
حينها وفي كلِّ كشفٍ نكتشفُه ,,يخرجُ منَّا خلقاً لم يكن من قبل ,, ودونَ قصدٍ أو إرادةٍ ,, بل يجري كالنهرِ الذي يبعثُ من بطنِ الأرضِ أزهاراً وغلالاً وثماراً ,,وإن تشابهت في كلِّ موسمٍ وفصلٍ تختلفُ من موسمٍ لموسم ومن فصلٍ لفصل .. محاكية الثابت المتغير لشروقِ وغروبِ الشمس ,, والحركة الساكنة في الحركة ,,والمستقرة في مستودع اللا استقرار ,, لغاية دون غاية ,, ومعنى كلما اقتربتَ منه ابتعد ,, وخط أفق مهما سرنا إليه تبقى المسافةُ ثابتةٌ بيننا وبينه ..
وهنا لن نسألَ ,, فنحنُ مشغولون بالسيرِ والحركةِ جهةَ بصرِنا وبصائرِنا المعلقة على أغصان المعنى تحتَ أسماء تفرضُها سرعةُ الخطى وطولِها ,, وكلَّما بلغنا اسماً منها تجاوزناه إلى آخر ,, و الفأسُ لا تتوقفُ عن تحطيمِ أصنامِ وأوثانِ الوضوح والأجوبةِ ,, فالطريقُ يزدادُ طولاً كلَّما قطعنا منه قطعةً ,, وخطُ الأفقِ في مكانِه ,, لا يتحركُ مهما بذلنا من الحركة ,, نحنُ مشغولون جهةَ تفتيتِ المركبِ فينا ,,حتَّى نصلَ البسيطَ العصي عن التحليلِ إلى عنصرٍ قبله...
ذلك البسيطُ المحايثُ لنا ,, لاهو ضمن حدودِ صورتِنا ,, ولا هو خارجَها ,,, كالعطرِ من الزهرةِ لا منفصلٌ عنها ولا متصلٌ بها ,, إنَّه ذلكَ "البين" الذي لا مكان له ,, فكيفَ لنا إلى تحديدِ نقطةِ البدء للعطر ,,وتحديدِ نقطةِ النهايةِ للزهرة ... إنَّها نافذةٌ مفتوحةٌ بإغلاقها ,,

الشاعر سمير سنكريفالشـــكُّ يأكلُ خـاطــــري يا ســـيِّـدي
هل أنتَ مــوجـــودٌ بلا ظــلٍّ ولا أثـــرٍ نـراهْ
هل أنت روحٌ يا تُــرى ؟ ..
أم أنتَ من كيـنــونــةٍ وهـبَــتْ صــداها
للتســـاؤل والحــــوارْ
كن لي كما أرضــاك كي أرقى إليكْ
واتركْ فضـــائي الرحبَ يشـــدو ..
في صــــلاةٍ كنـزها في أنْ يرى عقلي ..
وجـــودك دائمـــاً ..
في ضـــوء أطيـــاف الحيــــاةْ
قـالـــوا لـنــا : أنت الذي خـلَــقَ الطبيــعــةَ كلَّها ..
لكن أنـــا لـــمْ أقـتَــنـــعْ
إذْ أنَّ لا برهـــان يجـــلو ما وراء الغيـبِ
في هـــذا الـزمَـــــانْ
عقلي يحــاكمُ ما يـراهُ بـواقــعــي
لـمَ لا يكــون الخــلقُ عـلـمــاً
أيقــظَ الـوعـيَ الذي لَــمَــسَ الحقـيـقــةَ
والظــواهر كلَّها ... لنـراكَ
في عـقــلٍ بصـيــرٍ
جاءَ من روح الطبيــعـةِ
يســتقي الإدراك كي يرقـــى إليكْ
هل أنت ميزانُ الطبيــعــة يا تُـرى ...
أم أنَّــهـا خَــلَــقَــتْ رؤانــا في الإله
يا ســـيِّـدي دعنــا نرى في كلِّ حــرصٍ
واضــــحٍ وهــجــــاً لديكْ ... ينأى عنِ الشـــكِّ
الذي قَــتَــلَ الطــهــارة والـحيــــاءْ
وأبــاحَ للإنســـان حقـــاً في الســـؤالْ
**
سمير سنكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.