مرّت على ذلك سنوات طويلة . لكنّه لا يزال يذكر كلّ ما حدث بدقّة. كانت المرّة الأولى التي يتذوّق فيها طعم الموت . ترنّح على وقعه حتّى غابت روحه. أمّا هي فلم تغب عن مخيّلته لحظة واحدة لأنّها روحه التّائهة التي لم يغادره عبقها .
ما أروع أن تلتحم روحك بأخرى حتّى تلتهما بعضهما . منذ البدء أحبّها حبّا عظيما . كان يعلم أنّها ستتزوّج غيره .و أنّ أحد الوحوش الأغنياء سيغتال أنوثتها. هم يشترون كلّ شيء بالمال حتّى
أجساد الجميلات .في المقابل هو على ثقة بأنّ العدوّ القادم لن يستطيع سلب روحها و لو اجتمعت لديه كنوز الدّنيا.
“ما ألذّ الموت يا ليلى ” هكذا همس وهو يخوض حربه التي انتظرها طويلا . كان المستطيل الأبيض شاهدا على أزهار حمراء شهيّة رسمتها تلك الفراشة على عنقه . طوّقته بذراعيها معلنة تشبّثها الأبديّ به ليحلّق بها إلى رحلتها المشتهاة . تداخلت أرواحهما فصارتا جسدا واحدا . غابت سمرته في ثنايا بياضها النّاصع و اضمحّل لونها الورديّ بعد ما كساه بسواده.
تلاشت تفاصيلها التي أطبق عليها قبضته و كأنّه يخاف هروبها. تريّث للحظات وكأنّه يخاف البداية الخاطئة . تطلّع إلى أعلى حيث يفيض النبع بين شفتيها الرّقيقتين . لاحت متوحّشة كأفعى تدسّ سمها ليسري في كامل جسده فيزيده استسلاما للموت .بلهفة شديدة كان يسقي عطش السنين العجاف و يمنحها من روحه بئرا لا ضمأ بعدها. انصهرا تماما و أخفى رأسه بين جدائلها مستهلّا مسيره نحو عناقيد الفاكهة المترامية أمامه.
كانت تتأوّه كلّما توغّل في خباياها أكثر. لم يثنه ذلك عن طريقه أبدا .بل كان يسرّه و يزيد من توهّجه. كان يهمس في أذنها “أحبّك” وهي تئنّ و تثّبت قدميها في الفراش كفارس يشدّ سرجه . كان يستمتع بذلك كثيرا و كأنّها الموسيقى الأكثر عذوبة في نظره . كانت ترتعد بشدّة, تنفصل عنه لحظة ثم تعود لتلتصق به أكثر . تميل و تتبرّم على البساط لتقول له أنّها “الأجمل و الأكثر شبقا و أنوثة” رغم الخجل الذي تظهره في يوميّاتها .
أطلق لها العنان حتّى تفعل به ما تشاء . لقد بات ريشة في مهبّ رياحها . كلّما اتحدا أكثر قبّلها أكثر و سكبت له الشّهد أكثر. غرست أظافرها في ظهره ليشد الرّكاب و يتقدّم أكثر حتّى يلقى حتفه شهيدا على أرضه المحبّذة. كانت تميل برأسها نحو عنقه ثم تهتف باسمه لتؤكّد له كلماتها التي تردّدها مسامعه كلّما التقيا “أنت أو لا أحد”.
أمّا هو فانتشى حتّى خارت كلّ قواه ليسلّمها القيادة . فكان يتبع تبرّمها و تقلّبها المستمرّ , يفعل ما تأمر به هذه المستبدّة. لبرهة ,تراءى له الوطن وهو يجمع أجزاءه لينهض من جديد . ها أنّ القاهرة تشهد ابتلاع هذه الفراشة البيروتية للأسمر القرطاجيّ دون شفقة . ليبحر فيها بكلّه كعصفور عاد من السّجن إلى حضن السّماء . غرق و غرقت ألف مرّة . قضّيا ليلة حمراء ناعمة تغطّى فيها بشعرها و افترشت ذراعيه حتّى أصابهما “زهايمر” تمنّيا اللّاشفاء منه . كان انبلاج فجر اليوم الجديد هو أكثر ما يثير خوفهما . وهما يتعبّدان ليصوّرا مشهدا أفنت من أجله السّماء عمرها, تضرّعا إلى الطّبيعة حتّى لا يعودا من الموت .
في الصّباح , وهي تسيّج أرضه بفستانها الأحمر و تستعيد شيئا من خجلها المتناثر على السّرير . همست له ” حقّا ما ألذّ طعم الموت يا حبيبي”. كانت نتيجة ذلك قبلة تتقّد نبضا سترافقها حتّى غيابها الأخير.
تذكّر خالد ذلك الآن وهو يشاهد ليلى زوجة السّيد الوزير التي ترافقه إلى جنيف مطلقة ابتساماتها الجميلة إلى عدسات المصوّرين. “تبّا ألم تفقدها السّنون جزءا من أنوثتها حتّى الآن؟ ” تمتم وهو يشاهد التّلفاز في هذا الهزيع الأخير من اللّيل.
أطفأ الجهاز , و هبّ إلى غرفة نومه شارد البال لينال نصيبا من الرّاحة . بحذر استلقى على الفراش و حرص أن لا يحدث ضجيجا يوقظ زوجته عائشة . نام هذه اللّيلة دون أن يستجيب إلى طلبها , دون أن يرسل إليها “قبلة مخدّرة” كما تتعتها هي.
رياض عمايرة
ما أروع أن تلتحم روحك بأخرى حتّى تلتهما بعضهما . منذ البدء أحبّها حبّا عظيما . كان يعلم أنّها ستتزوّج غيره .و أنّ أحد الوحوش الأغنياء سيغتال أنوثتها. هم يشترون كلّ شيء بالمال حتّى
أجساد الجميلات .في المقابل هو على ثقة بأنّ العدوّ القادم لن يستطيع سلب روحها و لو اجتمعت لديه كنوز الدّنيا.
“ما ألذّ الموت يا ليلى ” هكذا همس وهو يخوض حربه التي انتظرها طويلا . كان المستطيل الأبيض شاهدا على أزهار حمراء شهيّة رسمتها تلك الفراشة على عنقه . طوّقته بذراعيها معلنة تشبّثها الأبديّ به ليحلّق بها إلى رحلتها المشتهاة . تداخلت أرواحهما فصارتا جسدا واحدا . غابت سمرته في ثنايا بياضها النّاصع و اضمحّل لونها الورديّ بعد ما كساه بسواده.
تلاشت تفاصيلها التي أطبق عليها قبضته و كأنّه يخاف هروبها. تريّث للحظات وكأنّه يخاف البداية الخاطئة . تطلّع إلى أعلى حيث يفيض النبع بين شفتيها الرّقيقتين . لاحت متوحّشة كأفعى تدسّ سمها ليسري في كامل جسده فيزيده استسلاما للموت .بلهفة شديدة كان يسقي عطش السنين العجاف و يمنحها من روحه بئرا لا ضمأ بعدها. انصهرا تماما و أخفى رأسه بين جدائلها مستهلّا مسيره نحو عناقيد الفاكهة المترامية أمامه.
كانت تتأوّه كلّما توغّل في خباياها أكثر. لم يثنه ذلك عن طريقه أبدا .بل كان يسرّه و يزيد من توهّجه. كان يهمس في أذنها “أحبّك” وهي تئنّ و تثّبت قدميها في الفراش كفارس يشدّ سرجه . كان يستمتع بذلك كثيرا و كأنّها الموسيقى الأكثر عذوبة في نظره . كانت ترتعد بشدّة, تنفصل عنه لحظة ثم تعود لتلتصق به أكثر . تميل و تتبرّم على البساط لتقول له أنّها “الأجمل و الأكثر شبقا و أنوثة” رغم الخجل الذي تظهره في يوميّاتها .
أطلق لها العنان حتّى تفعل به ما تشاء . لقد بات ريشة في مهبّ رياحها . كلّما اتحدا أكثر قبّلها أكثر و سكبت له الشّهد أكثر. غرست أظافرها في ظهره ليشد الرّكاب و يتقدّم أكثر حتّى يلقى حتفه شهيدا على أرضه المحبّذة. كانت تميل برأسها نحو عنقه ثم تهتف باسمه لتؤكّد له كلماتها التي تردّدها مسامعه كلّما التقيا “أنت أو لا أحد”.
أمّا هو فانتشى حتّى خارت كلّ قواه ليسلّمها القيادة . فكان يتبع تبرّمها و تقلّبها المستمرّ , يفعل ما تأمر به هذه المستبدّة. لبرهة ,تراءى له الوطن وهو يجمع أجزاءه لينهض من جديد . ها أنّ القاهرة تشهد ابتلاع هذه الفراشة البيروتية للأسمر القرطاجيّ دون شفقة . ليبحر فيها بكلّه كعصفور عاد من السّجن إلى حضن السّماء . غرق و غرقت ألف مرّة . قضّيا ليلة حمراء ناعمة تغطّى فيها بشعرها و افترشت ذراعيه حتّى أصابهما “زهايمر” تمنّيا اللّاشفاء منه . كان انبلاج فجر اليوم الجديد هو أكثر ما يثير خوفهما . وهما يتعبّدان ليصوّرا مشهدا أفنت من أجله السّماء عمرها, تضرّعا إلى الطّبيعة حتّى لا يعودا من الموت .
في الصّباح , وهي تسيّج أرضه بفستانها الأحمر و تستعيد شيئا من خجلها المتناثر على السّرير . همست له ” حقّا ما ألذّ طعم الموت يا حبيبي”. كانت نتيجة ذلك قبلة تتقّد نبضا سترافقها حتّى غيابها الأخير.
تذكّر خالد ذلك الآن وهو يشاهد ليلى زوجة السّيد الوزير التي ترافقه إلى جنيف مطلقة ابتساماتها الجميلة إلى عدسات المصوّرين. “تبّا ألم تفقدها السّنون جزءا من أنوثتها حتّى الآن؟ ” تمتم وهو يشاهد التّلفاز في هذا الهزيع الأخير من اللّيل.
أطفأ الجهاز , و هبّ إلى غرفة نومه شارد البال لينال نصيبا من الرّاحة . بحذر استلقى على الفراش و حرص أن لا يحدث ضجيجا يوقظ زوجته عائشة . نام هذه اللّيلة دون أن يستجيب إلى طلبها , دون أن يرسل إليها “قبلة مخدّرة” كما تتعتها هي.
رياض عمايرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.