المدينة مازالت نائمة و كأنها تنزع عن نفسها عاداتها القديمة.لا أحد غيري يمر من المكان . و لا أحد غيري و غيرها قد غلب النّوم . هاهي العمة عائشة عاملة النظافة وحدها هنا تكنس الطريق الذي لوثته العامة.بعد أن تبادلنا التحية هممت بإخبارها أن ذوق العامة أصلا يشهد تلوثا منقطع النظير وهي الوحيدة التي مازالت تحمينا من الإنهيار الكلّي بعد فيضان السذّاجة التي إنهال على مدينتنا يمزّقها, يدحرها و يشوّه وجهها.
في هذا البلد العامّة عائشة فقط من لا تفقه السياسة و لا الدين أو الثقافة و الرياضة.خمارها المزركش الذي إشتراه لها بعلها منذ سنة…صارت تلبسه دون أن تفكر هي سافرة أم محجبة.عندما تخرج مع خيوط الفجر الأولى,لا تمر إلى المرآة و لا تلامس يديها علبة الماكياج.فالوشم الأخضر الذي يزين وجهها يغنيها عن كلّ ذلك.هذا المنقوش على جبينها هو عبارة عن “خُمسة”رسمتها لها جدتها كي تميزها عن نظيراتها.لقد سحر ذلك العم مبروك فهام بها حدّ الجنون.و جعله ذلك أسيرا لجمالها الذي لا يرى له منافسا. و كان هو أسمر اللّون طويل القامة جذّابا فقد نال من قلبها من أراد و تزوّجا ليعيشا حياة جميلة و مثاليّة على بساطتها. ربما هي قد كبرت الآن لكن ذاكرتها الزاخرة مازالت حية نابضة بالحياة و الوقائع.تجاعيد وجهها تحفظ البلد عن ظهر قلب و تحدّث المارّة من شوارعه عن كلّ القصص التي شهدها.أمّا عيونها فتنمّ عن حكايات الخيبة و الأمل…عن الفرح و الجرح …عن خيانة سيدنا لرعيته بعد أن أمطرهم حبا و وعودا سابقة…عن مظاهرة حدثت هناك هتف فيها الجميع بإسم فلسطين.كان هدف الأغلبية حينذاك هو الظهور أمام العدسات لا أكثر.أحدهم إلتقطته آلة التصوير مرات و كأنه النصير الأول للقضية.هو في الواقع لا يعرف عنها شيئا.و حتى إسم أخته “قدس” لا يفهم معناه و مأتاه.والدهم الشهيد سماها كذلك…و سماه هو “ياسر”.فصار يكره إسمه و يفضل مناداته ب “البوس” …هذا كل شيء بالنسبة له.عاملة النظافة تعلم كل ذلك.و تعلم أيضا أيضا حكايات أخرى منها قصة شاب المدينة المتوفى.يومها كانت وقفة حاشدة تنادي بالتنمية و حقوق الفئات المهمّشة .فتسلل بين الجموع و هتف “هذه دولة و ليست صالون حلاقة”.لم تفهم كلامه إلا قلة قليلة منها رجال الأمن.حملوه إلى المخفر ثم إلى مثواه الأخير.الجميع يعتقد أنه مازال في السجن. فقط عاملة النظافة التي سمعت الأعوان يتبادلون السر بينهم إكتشفت الحقيقة.يومها قضت ساعات عصيبة وهي تكابد الوجع.تتذكر الشاب بوسامته و سمرته الساحرة التي تذكّرها بحبيبها “مبروك”.كان يحيّيها كلما مر حاملا كتابه قاصدا المقهى. في صباحه الأخير مر بها دون كتاب.لم تكن تعرف أنه يريد أن يحبّر بصبره صفحات تروى حين ينقشع الظلام.
العمة عائشة تعرف أسرارا كثيرة. فحتى قصص الحب التي ولدت في هذا الشارع تخبرها جيدا و تلمّ بكلّ تفاصيلها.ذات مرة كنت في الشارع الكبير أمشي مع أبي.تأخرت عنه خطوات و أمعنت النظر في عيني فتاة جميلة تقف في الجانب الآخر .خجلت هي لكنها بادلتني إبتسامة خفيفة.عرفت منها أنني أسرتها.فصرت أمرّ من هناك كل صباح.لكنني لم أعثر عليها أبدا.لفترة تسلّلت حيرة الحبّ إلى وجهي الطفوليّ ففهمت العمّة عائشة ذلك .و صدمتني فيما بعد حين أخبرتني برحيل الصّغيرة إلى مدينة أخرى.لكنني فرحت عندما قالت لي أنّها كانت مثلي تأتي كل مساء لتفتش عنّي بين الزحام و تعود يائسة لأنها لا تجدني.آه لو كانت تأتي في الصباح…لكنت صارحتها بما تخفيه إبتسامتي…و آه لو تجرّأت العمة عائشة على الكتابة…لكانت لها جائزة نوبل في الآدب…و لأنستنا في مذكرات غابرييل غارسيا و في روايات دوستويفسكي…و لصارت مدينتنا الأشهر في العالم بفضل حكاياتها الطّويلة الرّاسخة فقط في ذهن عاملة النّظافة.
في هذا البلد العامّة عائشة فقط من لا تفقه السياسة و لا الدين أو الثقافة و الرياضة.خمارها المزركش الذي إشتراه لها بعلها منذ سنة…صارت تلبسه دون أن تفكر هي سافرة أم محجبة.عندما تخرج مع خيوط الفجر الأولى,لا تمر إلى المرآة و لا تلامس يديها علبة الماكياج.فالوشم الأخضر الذي يزين وجهها يغنيها عن كلّ ذلك.هذا المنقوش على جبينها هو عبارة عن “خُمسة”رسمتها لها جدتها كي تميزها عن نظيراتها.لقد سحر ذلك العم مبروك فهام بها حدّ الجنون.و جعله ذلك أسيرا لجمالها الذي لا يرى له منافسا. و كان هو أسمر اللّون طويل القامة جذّابا فقد نال من قلبها من أراد و تزوّجا ليعيشا حياة جميلة و مثاليّة على بساطتها. ربما هي قد كبرت الآن لكن ذاكرتها الزاخرة مازالت حية نابضة بالحياة و الوقائع.تجاعيد وجهها تحفظ البلد عن ظهر قلب و تحدّث المارّة من شوارعه عن كلّ القصص التي شهدها.أمّا عيونها فتنمّ عن حكايات الخيبة و الأمل…عن الفرح و الجرح …عن خيانة سيدنا لرعيته بعد أن أمطرهم حبا و وعودا سابقة…عن مظاهرة حدثت هناك هتف فيها الجميع بإسم فلسطين.كان هدف الأغلبية حينذاك هو الظهور أمام العدسات لا أكثر.أحدهم إلتقطته آلة التصوير مرات و كأنه النصير الأول للقضية.هو في الواقع لا يعرف عنها شيئا.و حتى إسم أخته “قدس” لا يفهم معناه و مأتاه.والدهم الشهيد سماها كذلك…و سماه هو “ياسر”.فصار يكره إسمه و يفضل مناداته ب “البوس” …هذا كل شيء بالنسبة له.عاملة النظافة تعلم كل ذلك.و تعلم أيضا أيضا حكايات أخرى منها قصة شاب المدينة المتوفى.يومها كانت وقفة حاشدة تنادي بالتنمية و حقوق الفئات المهمّشة .فتسلل بين الجموع و هتف “هذه دولة و ليست صالون حلاقة”.لم تفهم كلامه إلا قلة قليلة منها رجال الأمن.حملوه إلى المخفر ثم إلى مثواه الأخير.الجميع يعتقد أنه مازال في السجن. فقط عاملة النظافة التي سمعت الأعوان يتبادلون السر بينهم إكتشفت الحقيقة.يومها قضت ساعات عصيبة وهي تكابد الوجع.تتذكر الشاب بوسامته و سمرته الساحرة التي تذكّرها بحبيبها “مبروك”.كان يحيّيها كلما مر حاملا كتابه قاصدا المقهى. في صباحه الأخير مر بها دون كتاب.لم تكن تعرف أنه يريد أن يحبّر بصبره صفحات تروى حين ينقشع الظلام.
العمة عائشة تعرف أسرارا كثيرة. فحتى قصص الحب التي ولدت في هذا الشارع تخبرها جيدا و تلمّ بكلّ تفاصيلها.ذات مرة كنت في الشارع الكبير أمشي مع أبي.تأخرت عنه خطوات و أمعنت النظر في عيني فتاة جميلة تقف في الجانب الآخر .خجلت هي لكنها بادلتني إبتسامة خفيفة.عرفت منها أنني أسرتها.فصرت أمرّ من هناك كل صباح.لكنني لم أعثر عليها أبدا.لفترة تسلّلت حيرة الحبّ إلى وجهي الطفوليّ ففهمت العمّة عائشة ذلك .و صدمتني فيما بعد حين أخبرتني برحيل الصّغيرة إلى مدينة أخرى.لكنني فرحت عندما قالت لي أنّها كانت مثلي تأتي كل مساء لتفتش عنّي بين الزحام و تعود يائسة لأنها لا تجدني.آه لو كانت تأتي في الصباح…لكنت صارحتها بما تخفيه إبتسامتي…و آه لو تجرّأت العمة عائشة على الكتابة…لكانت لها جائزة نوبل في الآدب…و لأنستنا في مذكرات غابرييل غارسيا و في روايات دوستويفسكي…و لصارت مدينتنا الأشهر في العالم بفضل حكاياتها الطّويلة الرّاسخة فقط في ذهن عاملة النّظافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.