الصفحات

أبـــــــــتي ــ خاطرة || مصطفى خالد بن عمارة

حين أعبر بوابة الذكرى،يعتريني الذهول و الحسرة،فأغرق في دأماء دهماء كنت أعيشها ذات زمن،سنين معجونة بالعبرات و الألم،إذ أتذكر شخصا كان و لا زال يدعى أبي،أو كما كنا نسميه-أنا و إخوتي-(بالدكتاتور) فالبسمة كانت لا تعرف لشفتيه سبيلا و الحنان لا يعرف لقلبه دربا،فإذا بنا اليوم نتندر على كل هذا بمجلسنا و في أفئدتنا غصة لا تمحيها الأيام و لا تزيلها السنون،
قد كبرنا بلا حنان لا نجد دثارا دافئا حين برد المتاعب و المصاعب،و هو في غفلة عنا خارج البيت و نحن نتململ و نكتوي بنار الحياة و أحبولة الشباب فلم نكن نراه إلا نادرا إذ كان يخرج من البيت صباحا و لا يئيب إليه إلا و نحن نيام في مضاجعنا،كنا لا نجسر الاقتراب منه لسطوته و جبروته،فوقت طرقه للباب نتوقف عن الكلام أو الضحك فنحسب أن ألسنتنا قد خرست أو أنها لا تعرف غرف الكلم من جوف عقولنا في حضوره،حتى المرأة –أمي- التي عرفها و تزوجها و هو لم يتعد عقده الثاني عانت من كل ما كنا نعانيه إذ لا تجرؤ على إبداء رأيها في شأن كان حتى حسبتها يوما أنها أمة لا أم جارية لا صاحبة بيت،كبرنا و لم نعش صغرنا و لم نذق طعم الطيش و النزق و هفوات الطفولة،كبرنا بتعاقب الزمن كأننا ولدنا كبارا ليس كباقي البشر،يمرون بمراحل الحياة الطبيعية العادية.صرنا اليوم و الشيب يملأ رؤوسنا مثل الثلج في فصل القر و ما نزال نحتاج إلى ذاك الحضن الذي لا يضاهيه حضن ننسى فيه الهموم و العثرات ندفن فيه الأتراح و الأحزان،ما زلنا اليوم و نحن على مشارف القبر نأمل أن نطوق بذراعي والدي و نبكي بكاء الطفل الحزين،الذي كبر و ما يزال طفلا حزينا.أبتي:( أحبك،و سأبقى كذلك،فالدم الذي يسري في شراييني هو دمك و الاسم الذي أحمله هو اسمك،و سأبقى أدعو لك ربي في السراء و الضراء كي يحفظك من كل سوء و يغفر لك و لي الذنوب و الخطايا) *******

بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.