الصفحات

هكذا أجمل بقلم : مصطفى رافع



كان صوتي قد أخذ يتحشرج .. انتابته خشونة لم أعرف مصدرها .. علا صوتي فوق كل الأصوات .. لم يُخف الكثير من أصدقائي امتعاضَهم من هذا النشاز .. ولكني لم أعبأ بهم .. رأيتُ في هذا جمالا وفرضا للسيطرة على الآخرين .
انتابني شعور بالقلق والانزعاج حين لاحظت أن أذنيّ تستطيل .. رحّب رؤسائي بهذا الأمر .. قالوا أنني صرت أسمع جيدا وأستجيب لأوامرهم في الحال .. بل إن الجميع يشهدون أني منذ تغير صوتي واستطالت أذناي صرت مطيعا ونادرا ما أتمرد على أمر ما .. زوجتي تقول أن أجمل صفاتي الطاعة وعدم المناقشة .


منذ أيام على المقهى كان التلفاز يعرض اكتشاف مزرعة ومسلخا لذبح الحمير .. ابتسم بعض الجالسين على المقهى وقالوا : الدور عليك .. لم أعرف كيف أرد عليهم ترى هل لاحظ أحدهم ذيلي القصير الذي أخفيه في البنطال حتى عن زوجتي .. تركت المقهى ومضيت مسرعا إلى المنزل وأنا أشعر أن كل العيون تلاحقني .. دلفت من باب المنزل .. توقفت قليلا ألتقط أنفاسي .. هل يمكن أن أتحول إلى حمار دون أن أدري ؟ .. ماذا لو كنتُ بالفعل حمارا ؟ .. ولماذا لم يخبرني أحد ؟ .. أكاد أُجن ولا أكاد أُصدق .
كانت زوجتي تحيك بعض الملابس ولم تنتبه لوجودي .. حاولت أن أُرقق صوتي وأخبرها ..
ـ لقد اكتشفت اليوم شيئا رهيبا وأعتقد أنني مخطئ ..
ـ ماذا اكتشفت ؟ .. سألتني دون أن ترفع عينيها إليّ كأنها لا تعبأ ..
ـ يبدو أنني بدأت أتحول إلى حمار ..
ـ بدأت ؟ .. قالتها في تهكم وسخرية وكأنني حمار منذ ألف عام .
ـ هل كنتِ تعلمين ؟
ـ الدنيا كلها تعلم .. وهنا انتابني شعور كبير بالغضب والثورة ، وانفجرت سائلا :
ـ ولماذا لم تخبريني بهذا الأمر من قبل ؟
توقفت يدها عن الحياكة ، وفي هدوء رفعت ناظريها إليّ وقالت : حبيبي .. أنت هكذا أجمل .. ثم كيف كنت ستفهم وأنت حمار؟