الصفحات

حقا إننى أعيش فى زمن أسود ...* للشاعر العظيم: برتولد بريخت

«حقا إننى أعيش فى زمن أسود، الكلمة التى لا ضرر منها تُعد كلمة حمقاء، الجبهة المصقولة تدل على التبلد، والذى ما زال يضحك، لم يسمع بعد بالنبأ الفاجع. أى زمن هذا؟، إن الحديث فيه عن الأشجار يوشك أن يكون جريمة، لأنه يعنى الصمت على جرائم أشد هولاَ!. ذلك الذى يعبر الطريق فى هدوء، ألم يعد فى إمكان أصدقائه الذين يقاسون المحنة، أن يصلوا إليه؟.

... نفسى تشتاق أن أكون حكيما، الكتب القديمة تصف لنا من هو الحكيم: هو الذى يعيش بعيدا عن صراعات هذا العالم، ويقضى عمره القصير بلا خوف أو قلق. العنف يتجنبه، والشر يقابله بالخير. أن ينسى المرء رغباته، بدلا من أن يعمل على تحقيقها. تلك فى نظرهم هى الحكمة. غير أننى لا أقدر على هذا: حقا، إننى أعيش فى زمن أسود. جئت إلى هذه المدن فى زمن الفوضى، وكان الجوع فى كل مكان، عشت مع الناس فى زمن الثورة، وثرت معهم. وهكذا انقضى عمرى الذى قدّر لى على هذه الأرض.

... الطرقات على أيامى كانت تؤدى إلى المستنقعات، ولغتى كانت تفضحنى لدى السفّاح. كنت قليل الحيلة. غير أنى كنت أقُضُّ مضاجع الحكام (أو هذا على الأقل ما كنت أرجوه)، وهكذا انقضى عمرى، الذى قُدِّر لى على هذه الأرض. القدرة كانت محدودة، الهدف بدا بعيدا بعيدا، كان واضحا على كل حال، غير أنى ما استطعت أن أدركه. وهكذا انقضى عمرى، الذى قُدِّر لى على هذه الأرض. أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذى غرقنا فيه، فكروا عندما تتحدثون عن جوانب ضعفنا، فى الزمن الأسود الذى نجوتم منه. لقد كنا نخوض حروب الطبقات، ونهيم بين البلاد، ونحن نُغيِّر بلدا ببلد، أكثر مما نُغيِّر حذاء بحذاء، يكاد اليأس يقتلنا، حين نرى الظلم أمامنا، ولا نرى أحدا يثور عليه.

مع ذلك فنحن نعلم: أن كرهنا للانحطاط، يُشوِّه ملامح الوجه، وأن سخطنا على الظلم يبحَّ الصوت. آه: نحن الذين أردنا أن نمهد الأرض للمودة والمحبة، لم نستطع أن نكون ودودين ولا محبوبين، أما أنتم، فعندما يأتى اليوم، الذى يصبح فيه الإنسان عونا للإنسان، فاذكرونا، وسامحونا».

*مقاطع من قصيدة (إلى الأجيال القادمة) للشاعر العظيم برتولد بريخت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.