الصفحات

الفصل السادس من رواية ( ملح السّراب ) ...*مصطفى الحاج حسين

⏪⏬
 كان يوماً فظيعاً ، كادت أمي أن تقتل أبي . لأوّل مرّة في حياتي أراها تثور عليه .
أعرفها دائماً تتحمّل قسوته وضربه وثوراته، لكنها فيما يبدو لم تعد تأبه به ، لقد فقدت صوابها ، هجمت عليه عندما دخل علينا ، وضربته على رأسه بعصا غليظة ، وهي تصرخ بجنون :
- تزوّجتها ياساقط !!! .. تزوّجت أم " عصّ" ؟!؟! ..
ترنّح أبي ، كاد يسقط ، تلمّس رأسه الملفّع " بالجمدانة " ، سال الدّم فوق جبينه ، فنزع " الجمدانة " ، صارخاً بغضب :
- أتضربينني يابنت الكلب !!! .. قسماً بالله لأخنقنكِ .

انطلق صوت أمّي على غير عادته ، قوياً كأنّه نسي خنوعه ، وهي ما تزال ممسكة العصا بيدها ، تقف متحّدّية متأهبة للعراك :
- أنا التي سأقتلك ، وأقتل أمّ " عصّ " الفاجرة ، ماإن قتل زوجها حتّى خطفتك منّي !! .

صاح أبي وفي صوته شيء من الليونة :
- ماتزوّجتها إلاّ من أجل أولادها .. أولاد أخي ، صاروا أمانة في رقبتي .

لكنّ أمي لم ينطل عليها هذا القول ، إنّها تكره " نجوى " زوجة عمّي المرحوم ، فكيف تتقبّل فكرة أن تصبح ضرتها ؟! .
زعقت بوجهه المدمّى :
- أمن أجل أولادها تزوّجتها ياحبّة عيني ، أم من أجل " عصّها " ؟!! .. ألا تخجل من شيبك !!! .. أما كفاك أن تبيع دم أخيك ، أتأكل زوجته وداره ؟!.

كان التّفاهم مع أمّي ، في تلك اللحظة مستحيلاً ،.لذا فقد خطا والدي نحو الباب ، ويده تمسح دمه السّائل " بجمدانته " ، في حين كان يزعق ، وهو يغادر الدار :
- نعم تزوّجتها ، وهي أفضل منكِ يابقرة ، فافعلي ما تشائين .

وخرج أبي كالمهزوم ، غير عابئ بصياح أمّي خلفه :
- رايح لعندها ياقليل الناموس !!؟ .. صار عندك داران !.

ثم التفتت نحوي ، كنتُ واقفاً مع أختي ( مريم ) وأخوتي الصّغار ، نرقب ما يجري بخوفٍ ودهشةٍ وحزن .

وبنظرة ملتاعةٍ منكسرة ، أمرتنا أمّي بالدّخول إلى الغرفة الشّمالية .

*مصطفى الحاج حسين 
حلب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.