الصفحات

قِصَّة اللُّغْز ( تيسة ) ...* بِقَلَم الأديبة: عَبِير صَفْوَت



لَحْظَةً مِنْ الْعُمْرِ تُضَاهِي ثَمَن الْغُرْبَة ، سِتَّة سَنَوَاتٍ مِنَ الْعُزْلَةِ ، كِفاح بِبِلَاد عَرَبِيَّة غَريبَةٌ ، عَمِلْت وتعاملت واجدت فِي رَسْمِ تَفَاصِيل عزّة بِلَادِي .


تتسألون لِمَاذَا ؟ !

للانني مُعَلِّمٌ وأديب ، أَحْبَبْت رَسْم الْفَخْر واوج الْأَفْكَار إلَيّ عَميقٌ مِن مُنْطَلِقٌ أَعْمَق ، مَا أَرْوَع الوَطَن ، مَا أَبْغَضَ الْغُرْبَة .

سمات أَبَدًا لَن تتنكر عَنْ حُبِّ الْمَالِ والنزوة وَيَصِرّ ذَاتِيٌّ إلَّا يَرْكُل بَعْضِ الْأُمُورِ .

رَقْصَة السوينغ المنعشة ، طَاقَة بِلَا حُدُودٍ .

برغم عُمْرِي الصَّغِير اكافح ، حَتَّي عُمْرِي الْهَارِب إلَيّ الثَّلَاثِين ، برغم القَلَق والإرهاق الزمني فِي أَرَاضِين الْآخَرِين ، إلَّا بِنَفْسِي يَشُوبُهَا بَعْض الْجُنُون وَالْمَرَح .

تَمايَلَت الفَتَاة تُمَدّ زرعاها وَهِي تتلوي :
هاي سوينغ .

يَا إِلَهِي هَلْ أَنَا ببلدي الحبيبة أَم بِبِلَاد الْغَرْب ، تَرَكْت نَفْسِي حَتَّي تَفَكَّكَت أَعْضَائِي واعصابي ، اِبتسَمَت و أَنَا احْلِق بالبراح ، يالعمري الْجَمِيل . . )

انْطَلَقْت حَتَّي هَبَط آلِيا الْجُمُود وَالتَّعَب ، أَتَنَفَّس بِصُعُوبَة مُدَوِّيَة ، طَلَّق نَارِيٌّ بِعَقْلِيّ وَقَلْبِي ، يَقْتَرِب النادل مِنْ بَيْنِ عَبِق اللاعبين بالمرح بالنادي اللَّيْلِيّ ، يُقَدَّم صَحْن نَاصِعٌ الْبَيَاض إلَّا مِنْ وَرَقَةٍ صَغِيرَة تقطن بِدَاخِلِه كَطِفْل تَاه ، يَقُول بِإِشَارَة لبقة وأنيقة :

هَذَا مِنْ السَّيِّدِ /س .

أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَيَّ السَّيِّد /س ، افْتَح الْوَرَقَة المطوية ، أَقْرَاء مابها لَا أُرِي إلَّا كَلِمَةَ (تيسة)

اِبْحَثْ عَنْ النادل الَّذِي أَخْتَفِي ، وَعَن الزَّائِر الَّذِي أَرْسَلَ الْوَرَقَة المطوية ، قَد اختفيا فِي لَمْحِ البَصَرِ .

عَكَف الْمُحَقِّق "قسم" مارثون أَفْكَارًا يأرجح الْحَدَث يهمم :

خِطَاب كَنَفِه الْغَرَابَة ، يَقُول الراسل :

عَادَ مِنْ غُرْبَتِه مُنْذُ أُسْبُوعٍ فَقَط ، مُسْتَكْمِلًا سهرتة الْمُفَضّلَة بالنادي اللَّيْلِيّ ، أَعْطَاه النادل وَرَقَة كَتَبَ عَلَيْهَا ( تيسة) ثُمّ أَخْتَفِي كُلًّا مِنْ النادل وَصَاحِب الْوَرَقَة ، عَادَ الرَّجُلُ لِبَيْتِه وَكَانَت الْغَرَابَة .

تَسَاءل الطَّبِيب الشَّرْعِيّ باهْتِمام :
مَا وَجْهُ الْغَرَابَة إذَا ؟ !

صُمْت الْمُحَقِّق قَائِلًا بتعجب :
انْفَضّ الْخَطَّاب عَلَيَّ ذَلِكَ .

انْتَفَض الْعَائِدِ مِنْ غُرْبَتِه يَتَساءل بِهَذَا الْوَجْهِ الْغَرِيب :

أَيْنَ نَحْنُ ؟ !

لَمْ يَنْطِقْ مُقَيَّدَةٌ بِبِنْت شَفَاه .

يَقْتَرِب (أدهم الزَّائِر ) متسائلا لِهَيْئَة الرَّجُل الضَّخْم :

أَيْن عائلتي ؟ ! وَقَدْ قُلْت إنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيّ هُنَا

يتجاهل الضَّخْم ( أَدْهَم الزائر) يَنْطِق كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ (تيسة)

يَصْرُخ ( أَدْهَم الزائر) :

عَلَيْكَ أَنْ تَتَحَدّث ، مُنْذ أَن احضرتني إلَيّ هُنَا وَأَنْتَ لَا تَتَحَدّثُ .

خَرَج الضَّخْم يُهَرْوِل بهول جَسَدِه ، يُتْرَك الرِّيح خَلْفَه بِالْإِبْهَام ، مُتَأَهِّلًا بِالْخَوْف والهلع والزعر والخفقان .

ارْتَدَّت صَرْخَة مُدَوِّيَة تَشُقّ الْوُجُود ، حَيْث تَمَرَّغ ( أَدْهَم الزَّائِر ) بِصَحْن الْأَرْض ، بَاكِيًا يُطْلَب وَلَوْ لُقْمَةً وَاحِدَةً وَجَرْعَةٌ مِنْ الْمَاءِ .

إنَّمَا أَطْلَقَ صُراخَه ببراح الصَّمْت يَأْنَس لَيْل الغُمُوض وَلَا مُجِيبٌ عَنْ سُؤَالِهِ .

اِنْبَهَر الْمُحَقِّق حِينَ فَتَحَ الْخَطَّاب الثَّانِي ، قَائِلًا :
كُلُّ الْعَجَبِ ، أَنَّ الْخِطَابَ لَيْسَ بِهِ مَلامِح ، مَا يَضُرُّ نَفْسِي أَنْ الرَّجُلَ يتعذب .

اِقْتَرَب الطَّبِيب الشَّرْعِيّ مستفسرا :
عَنْ مَاذَا كَانَ يَتَحَدَّثُ ؟ !

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
بُدِي مِنْ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَرْوِيض أَو اِسْتِقْطاب ، إنَّمَا السُّؤَالُ هُنَا يُفْرَض نَفْسِه .

نَظَرِ الطَّبِيبِ نَظَرِه تَسَاؤُلٌ حَتَّي أَجَاب الْمُحَقِّق :
أَيْنَ ذَهَبَ أَهْلُ الرَّجُلِ ؟ ! وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمُهُ أَوْ أَيَا مَنْ الْمَعْلُومَاتِ عَنْه .

قَالَ الطَّبِيبُ : أَشْعَر بِالْخَوْف فِي عَيْنَاه .

صُمْت الْمُحَقِّق وَهُو يَلُوح بِالْخِطَاب مُسْتَفْهِمًا :
إنْ كَانَ هُوَ كَذَلِكَ ، كَيْف قَام بِبَعْث الْخِطَابَات .

انْطَلَق ( أَدْهَم ) ببراح الْأَعْشَاب وَالطُّرُق الواعرة ، كَان يَرْكُض تَارَةً وَتَارَةً أَخِّرِي يَجْلِس يُجَفِّف دِمَائِه الَّتِي نَشِبَت مِنْ أَثَرِ جروجة الَّتِي تَأَثَّرَت بجزوع الْأَشْجَار الْمُسْتَوْحِشَة الْعَجْفَاء ، وَعِنْد بَدَرَه الْأَمَل ، رَأْي سَيّارَة قادِمَةٌ حَتَّي سَمَحَتْ لَهُ بِالصُّعُود .

تَرَنَّح أَدْهَم مستفسرا :
أَيْن أَنَا .

قَالَ الرَّجُلُ الضَّخْم :
أَنْت بِيَد أَمِينَة .

جَهَر أَدْهَم بَعْد استقافة :
مَنْ أَنْتُمْ ؟ ! مَاذَا تُرِيدُونَ مِنِّي ؟ !

خَرَجَ رَجُلٌ طَوِيلٌ الْقَامَةِ ، يَتَكَلَّم بِثِقَة :

أَنْت مَطْلُوبٌ مِنْ جِهَةِ علِيًّا ، غَدًا يَكُون الرَّحِيل .

شَعْر أَدْهَم بِالْوَحْدَة وَالرَّحِيل بِغَيْر رَجْعَة ، تَمالَكَ نَفْسَهُ متسائلا :

إلَيّ أَيْن تَأْخُذُونِي أَيُّهَا الْمُجْرِمِين ؟ !

أَشَار الرَّجُلُ الطَّوِيلُ قَائِلًا :

عَزِيزِي ، الْمُجْرِم هُوَ الْقَاتِلُ ، وَإِلَيْك هَذِه الْمُشَاهَد ، لَك مَا تُفَسِّر الْأَمْر .

حَتَّي أَن رَأْي الْمُشَاهَد صَرَخ أَدْهَم .

حَتَّي قَام الطَّوِيل بملاحقتة :
إنْ كُنْت مَكَانَك لهربت مِنْ الْعَدَالَةِ .

نَكَّس الْمُحَقِّق رَأْسِهِ بِلَا أَمَلِ يَنْطِق بِصُعُوبَة الْحُرُوف يقراء الْخَطَّاب الثَّالِث وَيَعْقُب بتواصل :

مُشَاهَدٌ تَدُلَّ عَلَيَّ قَتَلَه لِكُلّ عائِلَتِه ، أَدَانَه الْجَمِيع لَه ، تَوَكَّد أَنَّهُ الرَّجُلُ مُتَّهَم ، لَكِن ؟

هَلْ هُوَ رَجُلًا بَرِئ ؟ ! وَيَسْتَحِقّ الْمُجَازَفَة مِنْ أَجْلِهِ ، أَم رَجُلًا مُجْرِم .

أَفْرَغ الْمُحَقِّق الْخَطَّاب ، حَتَّي رَأْي رَقْمًا لهاتف محمول وَمِيقَات لِمَوْعِد الرَّحِيل .

اسْتَرَدّ الْمُحَقِّق وَعْيِه ، وَبَعْد الْقَلِيلِ مِنْ اللَّحَظَات ، وَقَد اِقْتَرَب الْمُحَقِّق مِنْ خَلْفِ هَيْئَة ضَخْمَةٌ بحوزتها رَجُلًا ضَئِيلٌ ، بِحَرَكَة وَاحِدَة اُسْتُوْقِف الْمُحَقِّق الْجَمِيع ، ثَار الْجُمُوع حَتَّي حَضَر المعاونين لَه بالمطار ، خَرَج ( أَدْهَم الزَّائِر ) مِنْ خَلْفِ الْمُجْرِمِين يَحْتَمِي بِالْمُحَقَّق وَأَعْوَانِه ، حَتَّي نَكَّس الْجَمِيع رُؤُوسَهُم ، وَكَانَت لَحْظَة تَارِيخِيَّةٌ ستؤرخ بصفحات تَارِيخ البِلادُ العَرَبِيَّةُ .

مَسَح ( أَدْهَم الزائر) عَنْ جَبِينِهِ ، يُحَاوِلْ أنْ يَعِيَ مَا حَدَثَ لتوة ، حَتَّي قَالَ الْمُحَقِّقُ
إلَيْك مَا تَمَّ أَمْرُهُ :

عِنْدَمَا يَتَحَدّثُ الْعَرَبُ عَنْ تَارِيخِ بِلَادِهِم بِبِلَاد غَرِيبَةٌ يَعْرِضُون أَنْفُسِهِم للمخاطرة ، وَبُدِى مِنْ أَمْرِكَ ، مَا يُفِيدُ لِلِاهْتِمَام الَّذِي دَفَعَ هَؤُلَاء الشُّخُوص الْعَمَل عَلِيّ تجنيدك .

بَرِح ( أَدْهَم ) عَن شُعُورُه متلعثما :
إنَّمَا اُنْظُر لِتِلْك الْمُشَاهَد ، لَقَد قَتَلْت أَبِي وَأُمِّي .

قَالَ الْمُحَقِّقُ :
خُدْعَةٌ وترويض واستقطاب .

عَاد أَدْهَم يَتَساءل :
أَيْنَ أَبِي وَأُمِّي ؟ ! لَقَد تَحَدّثَت إلَيْهِمْ مُنْذُ أُسْبُوعٍ فَقَط .

قَالَ الْمُحَقِّقُ بَلَغَه صادمة :
قُتِل وَالِدَاك مُنْذُ سَنَواتٍ ، بِفَضْل هَؤُلَاء الْمُجْرِمِين .

صُمْت ( أَدْهَم ) حَتَّي قَال :
إذَا أَنَا مُطارِد مِن سَنَوَات ، وَكُلّ الَّذِي رَأَيْته وَسَمِعْتُه خُدْعَةٌ .

قَالَ الْمُحَقِّقُ يَكِيل الْعِزَّة لِرَجُل :
اسْتَطَعْت أَنْتَ أَيْضًا خِدَاعِهِم بِإِرْسَال هَذِه الْخِطَابَات .

تَمْتَم ( أَدْهَم الزَّائِر ) يُفْسَح :
أَنَّه صَدِيق المتعاون .

نَظَرٌ الْمُحَقِّق إلَيّ الطَّبِيب الشَّرْعِيّ قَائِلًا :
لَكِن هُنَاك حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .

اِقْتَرَب أَدْهَم متسائلا :
ماهي ؟ !
قَالَ الْمُحَقِّقُ :
إِنَّك هُنَا بِأَرْض بِلَادِك ، وَلَم تَجَنَّد بَعْد بِفَضْل صَدِيقِك المتعاون .

بِكَي أَدْهَم يُشْعِر بالخجل ، حَتَّي أمَال رَأْسَه يُقْبَل سَطْحِ الأَرْضِ قَائِلًا :

يَوْمًا بِأَرْض بِلَادِي عَن أَعْوَام تَكُون مُسْتَهْدَف فِيهَا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.