الصفحات

المؤلف والبطل وفق نظرية الفعل الجمالي الباختيني ... *حليمة داحة - المغرب

⏪⏬

إن لكل فعل تجسيدي رونقي كاريزما تحكمه هاته الكاريزما تتجسد في العلاقة التي يربطها المؤلف مع البطل لتشكل رحيقا مزهرا فيها تتفاعل الردود والأبعاد لخلق نظرة جمالية للفعل الإبداعي.
إذ أن كل لحظة من العمل تكون معطاة إلينا ويتشكل ذلك في ردة فعل الكاتب على هذه الحالة والتي هي عبارة عن مادة فعل البطل عليه التي يحاول المؤلف أن يبرز كل تفصيل من تفاصيل البطل بهذا المعنى .

ويتجلى ذلك في كل خاصية له وفي كل حدث من حياته وتصرفاته وأفكاره وأحاسيسه حيث نجد أنفسنا كأننا نتعامل في الحياة من الناحية القيمية مع كل انعكاس يصدر عن الناس المحيطين .

أما في العمل الفني فنجد أن الأمر مغاير فيمكن أن تكون هناك ردة فعل موحدة على كل من البطل من حيث أساس ردة فعل المؤلف من خلال انعكاسات معينة للبطل ويكون لكل انعكاساته المستقلة أهمية لتمييز هذا الكل كلحظات وجوانب منه لذلك نعتبر ردة الفعل هذه جمالية بشكل خاص.

فردة فعل البطل الشمولية في هاته الحالة يكون لها طبع خاص نسميه في الحياة والمعرفة والتصرف مادة معينة بالعلاقة التي يربطها بين المادة والبنية والعكس.

هذا الأمر يحتم على العلاقة أن تصبح عرضية من طرفنا أو نزوة عندما نبتعد عن العلاقة المبدئية بالأشكال والعالم ونقف عند المادة.

لكن لا يمكن أن ندرك هذه العملية كمشروعية سيكولوجية بشكل مباشر إلا بتعاملنا معها بحسب تواجدها في العمل الفني أي في قصتها الدلالية المثالية ، إذ العمل الإبداعي في دلالته تجده يعاش ؛ إنها النتاج المكون أو المادة التي توجه المعايشة نحوها لكون الفنان ليس بوسعه أن يقول شيئا عن عملية إبداعه لأنه هو كله كائن وموجود في نتاجه الذي كونه ويبقى بحوزته ليشير فقط إلى عمله.

أما إذا أخذنا بعين الاعتبار كل العوامل العرضية والتي تبرز آراء وأقوال الإنسان المؤلف عن الأبطال مأخذ الجد أي النقد والرؤية الراهنة التي تتغير بشكل قوي وكذلك رغباته واعترافاته وأفكاره الفعلية فإننا نصبح بديهين تماما كأي مادة غير مضمونة .

فهذه المادة نجد لها قيمة سرية ذاتية ضخمة ويمكن أن تصبح جمالية إذا أضأناها من حيث الدلالة الفنية للعمل .

ويمكن أن ينفصل الأبطال المكونون عن العملية المبدعة وتبدأ حياتهم مستقلة في العالم وينفصل المؤلف المبدع الحقيقي بدوره عنهم أنفسهم . إذ المؤلف ليس حامل المعايشة الروحية وردة فعله ليست إحساسا حاملا وليست عبارة عن تلف انعكاسي مرآتي . فالمؤلف هو الطاقة الفعالة النشطة والوحيدة المعطاة ليس فقط في الوعي المؤطر من الناحية السيكولوجية فحسب وإنما في النتاج الحضاري الثقافي المهم بشكل ثابت.

فعندما تفهم ردة الفعل الشمولية المبدئية وحدها من قبل المؤلف إزاء البطل نكون إذ ذاك أمام إجراء نظامي صارم في التعريف المضموني من حيث الشكل لأنواع البطل.الأمر الذي يعطي لهذه الأنواع دلالة وحيدة المعنى وتنظيم منظومي دائم.

من هنا نجد أن المقارنات والشروحات المتبادلة لرؤية أو عقيدة المؤلف والبطل فجة حيث يقارن الجانب المضموني المجرد للفكرة مع الفكرة الموافقة للبطل.

فمثلا : تتم مقارنة أقوال غريبودوف الاجتماعية والسياسية بالأقوال الموافقة عند تشاتسكي حيث يتم التأكيد على تطابق أو قرب عقيدتها الاجتماعية والسياسية وكذلك تطلعات تولستوي وتطلعات ليفين.

فوعي المؤلف في هذا نجده هو وعي الوعي المتمثل في المتطابق مع البطل وعالمه ؛ أي الوعي المناسب والمكمل لهذا البطل مع جوانب مناسبة من الناحية المبدئية له نفسه والذي يصبح فطريا.

لكن يمكن أن يجعل هذا الوعي زائفا ، لايرى المؤلف ولا يعرف كل مايراه البطل وكل ما يعرفه بشكل مستقل وكذلك الأبطال جميعهم معا.

وبهذا لكي نجد مؤلفا واضحا في العمل يجب أن نختار كل الأحداث التي تنهي البطل في حياته ، وكذلك الجوانب المطابقة لوعيه من الناحية المبدئية أن نحدد الوحدة النشطة المتوترة من الناحية الإبداعية والمبدئية .

من هنا ينبع القانون الأساسي العام بشكل مباشر للكشف عن العلاقة الفعالة ذات اللمسة الجمالية الأساسية في علاقة المؤلف بالبطل أي تكون علاقة خارج الوجود متوثرة للمؤلف تكشف عن كل جوانب البطل .

إن مسألة خارج وجود المؤلف بالنسبة إلى البطل هي بمثابة العزلة الودية للذات من ميدان حياة البطل.

إذ في الحالة الأولى نجد البطل يمتلك المؤلف ويكون التوجه المادي والإرادي الانفعالي للبطل ، ومن ثم يكون موقفه الأخلاقي المعرفي في العالم قدوة بالنسبة إلى المؤلف لدرجة أنه لا يستطيع أن يرى العالم إلا بعيني البطل وحده. ولا يستطيع إلا أن يعيش من داخل أحداث حياته.

أما في الحالة الثانية فيمتلك فيها المؤلف البطل يدخل في داخله جوانب إنهاء، حيث تصبح علاقة المؤلف بالبطل تتخذ شكل جزئيا وكأنها علاقة البطل بنفسه ذاتها ويبدأ البطل بعد ذلك بتعيين ذاته ويدخل تجليه في روح البطل أو شفاهة.

أما في الحالة الثالثة فإن البطل يكون فيها سيريا ذاتيا يفهم انعكاس المؤلف الذي يفهمه ؛ إذ يفهم ردة فعله الشمولية المتشكلة ويجعلها البطل جانبا من المعايشة الذاتية لها ويجتازها ويكون هذا البطل غير منته فهو يتجاوز كل تعريف شمولي وكأنه غير مطابق له يعايش كليته المنتهية كاكتفاء ويقابلها بسير داخلي لا يمكن التعبير عنه.

وأخيرا يعتبر البطل المؤلف نفسه يستخلص حياته الخاصة بشكل جمالي وكأنه يلعب دورا ويكون هذا البطل بخلاف بطل الرومانسية المطلق وكذلك بخلاف بطل دوستويفسكي غير النائب يكون راضيا عن نفسه واثقا بنفسه ومنته أيضا.

وفي الأخير يمكننا القول إن علاقة المؤلف بالبطل وفق نظرية ميخائيل باختين الجمالية لا يمكن أن نجد لها مشترك موحد ولا يمكن وجود وعي مطلق لها لأنه لا يمكن أن نجد شيئا غير متطابق مع نفسه ويوافقها. فلا وجود لشيء خارج وجود إذ يمكننا التقرب منه ولكن من الصعب رؤيته ككل منته.

وبالتالي تصبح هاته الجمالية المتجسدة في علاقة البطل بالمؤلف علاقة غير محدودة يحكمها العمق الجمالي الذي يبقى خاضعا لمتوقعات غير منتهية يصعب الإمساك بها وتظل غير متطابقة .

*حليمة داحة
 المغرب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.