كتابٌ نقديّ متميّز يستحق القراءة والاطلاع، فهو:
1 – تحليل ودراسة لثماني روايات للروائي صبحي فحماوي تتعامل مع مساوي وكوارث الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومآسي الفلسطينيين بسبب هذا الاحتلال.
2 –يصوّر مدى وطنية الكاتب الروائي صبحي فحماوي، ومدى حرصه على إظهار حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وإظهار الظلم الواقع على الفلسطينيين من دول الغرب عامةً، وبعض الدول العربية.
3 – من تأليف ناقدة الأدب العربي الحديث ( د. ماجدة صلاح) صاحبة الأسلوب الأدبي الراقي، واللغة العربية السليمة، وهذا ما جعل الكتاب سلسًا رائقا خاليا من الأخطاء الإملائية والنحوية، إلا تلك الهفوات البسيطة جدا التي لا تزيد عن كونها أخطاء طباعية.
4 – كتابٌ غنيٌّ بالمصادر والمراجع مما يجعله كتابا رصينا موثوقا في معلوماته.
5 – كتابٌ غنيٌّ بالفهارس، والعناوين الرئيسة، والعناوين الفرعية، وهذا ما يجعل الكتاب ذا دليل سهلٍ وواضحٍ للاطلاع عليه.
6 – الكتاب ثريٌّ بالإحالات التي تقود القارئ لمعرفة مصدر المعلومة وصفحتها في الأصل المأخوذة منه.
عرض الكتاب:
لم تكن ناقدة الأدب الحديث الدكتورة ماجدة صلاح متطفّلة على نقد روايات الكاتب الروائي صبحي فحماوي، بل إنها– كما تقول – اقتحمت رواياته عندما وجدتْ أنها تجسّد مأساة كل فلسطيني بمن في ذلك الناقدة الفلسطينية الدكتورة ماجدة صلاح نفسها، التي عاشت كل المآسي والأحزان التي عاشها الفلسطينيون بسبب التهجير والترحيل والتنكيل التي فرضها عليهم اليهود الدخلاء.
وأما عن غلاف الكتاب، فسواءٌ أكان من تصميم الناقدة، أو من تصميم دار النشر، أو كان مُستَقًى من أحد أغلفة روايات الكاتب صبحي فحماوي، أو كان من تصميم فنان متخصّص، فإنه رسمٌ وتصوير وتجسيد صادقٌ لما مرّ به الفلسطينيون من الظلم، والمظالم، والتهجير، والتشريد، وما يشير إليه اللون الأسود من الحزن، والهمّ، والغمّ، والتشاؤم، وما يشير إليه اللون الأحمر مما سفكوه من الدماء نتيجة التعذيب، والقهر؛ فاختفتِ الشمسُ وراء خليط من اللونين الأسود والأحمر تعبيرا عن المعاناة والمآسي التي دَفنتِ الحقيقة أمام أعين العالم؛ فلم يأبه أحدٌ بما يقدمه الفلسطينيون من التضحيات، وبمن فقده الفلسطينيون من أبنائهم الشهداء. وحيث إنّ المرأة هي أول من تُقدّم أبناءها فداءً للوطن، فإن الغلاف أبرز مجموعة من السيدات الفلسطينيات في ( بورتريه) كبير تتقدمه مجموعة منهنّ وهنّ يضعن على صدورهن صورَ فَقداهُنّ الذين دفعوا أرواحهم فداءً للوطن، وثمنًا للتراب الغالي؛ والذين رووا أرضهم بدمائهم الزكيّة، في مُحاوَلةٍ لاستدرار العطف والرحمة، ولكن مع كل ذلك يقف العالم متفرّجا على شعبٍ يفقد أرضه، وأبناءه مقابل وعد بلفور الذي فرضته بريطانيا على أُناسٍ أبرياء، عام 1917 دونما ذنب ارتكبوه، أو إثمٍ اقترفوه.
شرعتِ الدكتورة ماجدة في دراستها لروايات صبحي فحماوي، بمنهجية مميزة؛ فقد تناولتْ كل العناوين للروايات التي درستها من حيث التساوق والتماهي بين العنوان والمتن، وقد كانت موفّقةً إلى أبعد الحدود في التوفيق بين رمزية العنوان، وتعالقه مع النص الروائي، فكل العناوين– أو أغلبها- غرائبية غير مألوفة؛ فمثلا إحدى الروايات عنوانها ” عَذْبَةٌ ” فتناولتِ الناقدة هذا العنوان ومدى تعالقه وتساوقه مع فحوى الرواية، حيث وصلتْ إلى أن العنوان يرمز إلى نقيضين في وقت واحد: فهو مشتقٌّ من العذوبة واللذة من ناحية، وهو في الوقت نفسه يرمز إلى العذاب والمشقة والمعاناة؛ فالعذوبة واللذة تأتي من أنّ اسم المحبوبة (الوطن- فلسطين) ” عذبة ” لأنّ الوطن رمزٌ للعذوبة، وأما العذاب والمعاناة فهو رمزٌ لما يمرّ به الفلسطينيون من سوء المعاملة الإسرائلية لهم.
عندما رجع عماد إلى محبوبته ” عذبة ” بعد خمسة وأربعين عاما، لم يفكّر فيها كمحبوبة جنسيًّا، بل غمرته المحبوبة ( فلسطين) بحلاوة روائحها وعطورها السنديانية، وأخذته المحبوبة بسحرها وجمالها وتربتها التي لا تختلف عن اللون الأحمر ( الحنّي ) الذي تتزين به أصابع الفتيات الفلسطينيات. فهكذا أثبت الروائي ما أشارت إليه الناقدة من أن العنوان يرمز إلى نقيضين معًا هما العذاب والعذوبة، فقد عاش الحبيب عماد خمسة وأربعين عاما من العذاب والمشقة ( في المنفى)، ثم رجع إلى العذوبة واللذة ( فلسطين).
وجاء عنوان عجائبي آخر لإحدى روايات فحماوي، وهو ” حُرمتان ومَحْرَمٌ ” فمعروف أن ” الحُرمة ” هي السيدة أو المرأة، وأنّ المَحْرم هو الرجل الذي بيده عصمة تحريمها على الذكور ولا يجوز لها الزواج منه. وهذا العنوان – كما تقول الناقدة – عنوان يدلّ على أن المرأة الفلسطينية تدفع الثمن باهظا من أجل الحصول على عمل أو وظيفة؛ فهاتان الفتاتان( تغريد، وماجدة ) لم تجدا وسيلة للحصول على عمل إلا بعد أن اضطُرَّتا مرغمتين لتوقيع عقد زواج غير شرعي بينهما وبين أبي مهيوب ( الرجل المَحْرَم ) حتى تمكنتا من السفر معه إلى إحدى الدول النفطية المجاورة للعمل من أجل انتشال أسرتيهما من براثن الفقر والجوع والمرض.
وأما رواية ” قصة عشق كنعانية ” فإن عنوانها يتساوق مع متنها من حيث إنّ المتن يهدف إلى تأكيد أن الكنعانيين هم الأصل في بلاد الشام قاطبةً، وهم من أوجدوا وأسسوا بلاد فلسطين خلافا لما يزعمه اليهود ومن يشايعهم من أن اليهود هم بُناة فلسطين بصورة خاصة، ولا أحد ينازعهم الحقَّ فيها. ومع أن هذه الرواية رواية أسطورية، فإنّ الروائي استطاع – كما تقول الناقدة – أنْ يوظف التاريخ ووقائعه لإثبات عروبة فلسطين من خلال إثبات أن الكنعانيين هم أصل الدولة الفلسطينية. كما استطاع الروائي أن يؤسس أحداث روايته على ثنائية التضاد بين ( أهورامازدا وأهريمان)، وبين الخير والشر،والنور والظلام، الحب والكره، البقاء والفناء، الموت والحياة، ومن خلال كل ذلك جعل الكاتبُ الجانبَ الخيّر المضيء لصالح القضية الفلسطينية، ولترسيخ علاقة المحبة بين الفلسطيني وأرضه، وتراب بلده.
وإذا كانت رواية ” قصة عشق كنعانية ” رواية تغوص في أعماق الماضي لاستقرائه واستقراء أحداثه منذ زمن سحيق، فإن رواية ” الإسكندرية 2050 ” رواية استشرافية تتطلع إلى المستقبل لمعرفة أحداثه قبل وقوعها. فهذا العنوان الغرائبي لا يفتح بابا للقارئ لمعرفة رمزيته التي أراد الكاتب أن يجعلها دليلا على متن روايته، ولذلك يصبح لزاما على القارئ أن يقرأ الرواية كاملة حتى يكشف سرّ هذا العنوان وعلاقته بفحوى الرواية. وهو أن أحداث الرواية تنطلق من مدينة عكا الفلسطينية لتنتهي في المكان نفسه رغم المتاعب والمشاق والويلات التي يمر بها الفلسطيني في طريق عودته من المهجر الإجباري إلى مسقط الرأس.
ثمّ تعرض الناقدة عنوانا غرائبيّا آخر لإحدى روايات فحماوي وهو ” سروال بلقيس ” فهذا العنوان – على رأي الناقدة – له رمزية صادمة للقارئ، إذ يتبادر إلى الذهن أنه يمتّ إلى الناحية الجنسية بين الرجل والمرأة، فالسروال وهو قطعة اللباس التي يرتديها الإنسان لستر وحجب العضو التناسلي، فإذا أضيف السروال إلى الأنثى كما هو هنا ( سروال بلقيس ) فإنّ ذلك يصرف خيال القارئ إلى تخيّل وتصوّر الاتصال الجنسي بين هذه الأنثى ورجلٍ ما، أيّ كما لو أنها واحدة من بائعات الهوى، وهذا ما يحفّز االمتلقي ويدفعه لمعرفة مآل هذا السروال، وكيف سينتهي هذا ( السيناريو الجنسي ). ولكن ما إن يُكمِل القارئ قراءة هذه الرواية، حتى يتضح له أن الكاتب أراد أن يجعل من بلقيس ( صاحبة السروال) امرأة مناضلة، تسعى لإعالة أولادها عن طريق جمع ثمار الزيتون داخل السروال، وتفتخر بلقيس بهذا السروال طالبةً من أبنائها أن يستظلوا به، ويسيروا تحته كما لو كان عَلمًا أو لواءً يرمز إلى المَخْبَأ أو الأداة التي استطاعت الأمُّ عن طريقها توفير لقمة العيش الكريم لأبنائها الذين كادوا يموتون جوعا لولا هذا السروال المقدّس بدلا من سروال بلقيس الذي ظُنّ أنه مُدنّسٌ. واحتراما وتقديرا لبلقيس هذه، فإن الكاتب أهدى إليها شخصيا هذه الرواية، وإلى كل الأمهات المناضلات اللائي أشبهنها في الكفاح والنضال من أجل إنقاذ فلسطين وأبنائها كلٌّ بطريقتها.
وفي عنوان رواية أخرى، يضع الكاتبُ قارئَهُ أمام معضلةِ لفكِ طلسمٍ جنسي جديدٍ، إنه عنوان رواية ” على باب الهوى ” فهذا العنوان يشير-على رأي الناقدة – من طرف خفيٍّ إلى علاقة حبٍّ أو شوقٍ جارف بين عاشق ومعشوق، ولكن الحقيقة أن هذا العنوان – على رأي الناقدة أيضًا – هو عنوان الفصل الأخير من الرواية وهو عبارة عن نقطة حدودية مع سوريا. وفي هذه النقطة يتعرض الفلسطينيون للكثير من الابتزاز والاستغلال، مما يجبرهم على الرشوة والارتشاء. وهذا يصوّر أحوال كل العرب في الحدود المشتركة بينهم. وهذا ما جعل الروائي يُهدي هذه الرواية إلى كل الذين لم يتعاطوا هذه الرذيلة، ولم ينغمسوا في النذالات التي يُجبر على فعلها المحتاجون الذين لا حول لهم ولا قوة. ولا يخلو العنوان من الحب الجارف بين السارد وتراب بلاده؛ فما إن يصل المغترب إلى حدود وطنه حتى ينهال عليها تقبيلا ولثما لها ولترابها. وهكذا يمكن أن نقول إن العنوان يتساوق مع نص الرواية وفحواها.
وفي رواية ” الأرملة السوداء ” تقول الناقدة الدكتورة ماجدة إن الكاتب هنا أراد أن يصوّر لقُرّائه حياة أنثى العنكبوت السوداء السامة التي تقتل شريك حياتها بعد الإنجاب فتعيش بقية حياتها أرملةً. وفي ذلك أشارةٌ إلى أن إسرائيل تمثل تلك الأنثى الأرملة السوداء التي تجبر زوجها على أن يعيش حياةً شاقةً من أجل العمل لكسب متطلبات الحياة التي لا بد منها. فهذا ( شهريار) بطل هذه الرواية، شابٌّ فلسطيني يعيش في الأردن ( في حياة مخيمات اللاجئيين) ويواصل دراسته في مجال القانون، ويتحصل على الشهادة الجامعية. ويتحسن مستواه الاقتصادي، فانتقل بأسرته إلى منطقة عبدون الراقية لتناسب مستواه الاجتماعي الجديد. ولم ينسَ حياة الشقاء والبؤس في المخيم. وهكذا يتضح لنا أن الأرملة السوداء ( أنثى العنكبوت) قد تكون قادرةً على اغتيال زوجها، ولكن إسرائيل لا تستطيع أن تكون قادرة على ذلك باستمرار.
وعن رواية ” الحب في زمن العولمة “تقول الناقدة إنها محاولة من الكاتب لجذب الشباب إلى عالم الرواية من خلال التعرف على الحب الجديد المخالف لمضمون الحب المعروف والمعهود، ولكن هذه المحاولة لا تنسجم مع سياق الروايات الأخرى التي دأب عليها صبحي فحماوي.
ولعل أغرب عنوان لإحدى روايات فحماوي هو ” صديقتي اليهودية ” فهذا العنوان مُستهجنٌ وممجوجٌ من كل قارئ فلسطيني ( أو عربيّ)؛ فليس من المقبول ولا المألوف أن يقول فلسطيني عن فتاة يهودية إنها صديقته. ولكن الروائي هنا نهج نهجا مختلفا عما هو معروف من الصداقة التي تعبر عنها هذه المفردة لُغويًّا. فالصداقة التي يتحدث عنها الروائي هي صداقة حوارية وظّفها البطل (جمال) لمحاورة صديقته اليهودية (يائيل ) ليجعلها تعترف وتقتنع بحق الفلسطيني في أرضه ( فلسطين ). وقد وظّف الروائي لذلك عدة مقولات تدعم ما أراد إثباته لكل من يقرأ هذه الرواية الحوارية بين الفلسطيني جمال وصديقته اليهودية يائيل. ومن ضمن هذه المقولات ما ورد في تصدير الرواية من مثل مقولة المهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا، ومقولة مالكم إكس.
وفي نهاية تحليل عناوين هذه الروايات، تقول الدكتورة ماجدة إن عنونة هذه الروايات لم تلامس العناوين السياسية مباشرة خوفا من الوقوع في مصيدة السياسة، أو لرغبة الروائي في استعمال العناوين الغرائبية أو العجائبية.
1 – تحليل ودراسة لثماني روايات للروائي صبحي فحماوي تتعامل مع مساوي وكوارث الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومآسي الفلسطينيين بسبب هذا الاحتلال.
2 –يصوّر مدى وطنية الكاتب الروائي صبحي فحماوي، ومدى حرصه على إظهار حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وإظهار الظلم الواقع على الفلسطينيين من دول الغرب عامةً، وبعض الدول العربية.
3 – من تأليف ناقدة الأدب العربي الحديث ( د. ماجدة صلاح) صاحبة الأسلوب الأدبي الراقي، واللغة العربية السليمة، وهذا ما جعل الكتاب سلسًا رائقا خاليا من الأخطاء الإملائية والنحوية، إلا تلك الهفوات البسيطة جدا التي لا تزيد عن كونها أخطاء طباعية.
4 – كتابٌ غنيٌّ بالمصادر والمراجع مما يجعله كتابا رصينا موثوقا في معلوماته.
5 – كتابٌ غنيٌّ بالفهارس، والعناوين الرئيسة، والعناوين الفرعية، وهذا ما يجعل الكتاب ذا دليل سهلٍ وواضحٍ للاطلاع عليه.
6 – الكتاب ثريٌّ بالإحالات التي تقود القارئ لمعرفة مصدر المعلومة وصفحتها في الأصل المأخوذة منه.
عرض الكتاب:
لم تكن ناقدة الأدب الحديث الدكتورة ماجدة صلاح متطفّلة على نقد روايات الكاتب الروائي صبحي فحماوي، بل إنها– كما تقول – اقتحمت رواياته عندما وجدتْ أنها تجسّد مأساة كل فلسطيني بمن في ذلك الناقدة الفلسطينية الدكتورة ماجدة صلاح نفسها، التي عاشت كل المآسي والأحزان التي عاشها الفلسطينيون بسبب التهجير والترحيل والتنكيل التي فرضها عليهم اليهود الدخلاء.
وأما عن غلاف الكتاب، فسواءٌ أكان من تصميم الناقدة، أو من تصميم دار النشر، أو كان مُستَقًى من أحد أغلفة روايات الكاتب صبحي فحماوي، أو كان من تصميم فنان متخصّص، فإنه رسمٌ وتصوير وتجسيد صادقٌ لما مرّ به الفلسطينيون من الظلم، والمظالم، والتهجير، والتشريد، وما يشير إليه اللون الأسود من الحزن، والهمّ، والغمّ، والتشاؤم، وما يشير إليه اللون الأحمر مما سفكوه من الدماء نتيجة التعذيب، والقهر؛ فاختفتِ الشمسُ وراء خليط من اللونين الأسود والأحمر تعبيرا عن المعاناة والمآسي التي دَفنتِ الحقيقة أمام أعين العالم؛ فلم يأبه أحدٌ بما يقدمه الفلسطينيون من التضحيات، وبمن فقده الفلسطينيون من أبنائهم الشهداء. وحيث إنّ المرأة هي أول من تُقدّم أبناءها فداءً للوطن، فإن الغلاف أبرز مجموعة من السيدات الفلسطينيات في ( بورتريه) كبير تتقدمه مجموعة منهنّ وهنّ يضعن على صدورهن صورَ فَقداهُنّ الذين دفعوا أرواحهم فداءً للوطن، وثمنًا للتراب الغالي؛ والذين رووا أرضهم بدمائهم الزكيّة، في مُحاوَلةٍ لاستدرار العطف والرحمة، ولكن مع كل ذلك يقف العالم متفرّجا على شعبٍ يفقد أرضه، وأبناءه مقابل وعد بلفور الذي فرضته بريطانيا على أُناسٍ أبرياء، عام 1917 دونما ذنب ارتكبوه، أو إثمٍ اقترفوه.
شرعتِ الدكتورة ماجدة في دراستها لروايات صبحي فحماوي، بمنهجية مميزة؛ فقد تناولتْ كل العناوين للروايات التي درستها من حيث التساوق والتماهي بين العنوان والمتن، وقد كانت موفّقةً إلى أبعد الحدود في التوفيق بين رمزية العنوان، وتعالقه مع النص الروائي، فكل العناوين– أو أغلبها- غرائبية غير مألوفة؛ فمثلا إحدى الروايات عنوانها ” عَذْبَةٌ ” فتناولتِ الناقدة هذا العنوان ومدى تعالقه وتساوقه مع فحوى الرواية، حيث وصلتْ إلى أن العنوان يرمز إلى نقيضين في وقت واحد: فهو مشتقٌّ من العذوبة واللذة من ناحية، وهو في الوقت نفسه يرمز إلى العذاب والمشقة والمعاناة؛ فالعذوبة واللذة تأتي من أنّ اسم المحبوبة (الوطن- فلسطين) ” عذبة ” لأنّ الوطن رمزٌ للعذوبة، وأما العذاب والمعاناة فهو رمزٌ لما يمرّ به الفلسطينيون من سوء المعاملة الإسرائلية لهم.
عندما رجع عماد إلى محبوبته ” عذبة ” بعد خمسة وأربعين عاما، لم يفكّر فيها كمحبوبة جنسيًّا، بل غمرته المحبوبة ( فلسطين) بحلاوة روائحها وعطورها السنديانية، وأخذته المحبوبة بسحرها وجمالها وتربتها التي لا تختلف عن اللون الأحمر ( الحنّي ) الذي تتزين به أصابع الفتيات الفلسطينيات. فهكذا أثبت الروائي ما أشارت إليه الناقدة من أن العنوان يرمز إلى نقيضين معًا هما العذاب والعذوبة، فقد عاش الحبيب عماد خمسة وأربعين عاما من العذاب والمشقة ( في المنفى)، ثم رجع إلى العذوبة واللذة ( فلسطين).
وجاء عنوان عجائبي آخر لإحدى روايات فحماوي، وهو ” حُرمتان ومَحْرَمٌ ” فمعروف أن ” الحُرمة ” هي السيدة أو المرأة، وأنّ المَحْرم هو الرجل الذي بيده عصمة تحريمها على الذكور ولا يجوز لها الزواج منه. وهذا العنوان – كما تقول الناقدة – عنوان يدلّ على أن المرأة الفلسطينية تدفع الثمن باهظا من أجل الحصول على عمل أو وظيفة؛ فهاتان الفتاتان( تغريد، وماجدة ) لم تجدا وسيلة للحصول على عمل إلا بعد أن اضطُرَّتا مرغمتين لتوقيع عقد زواج غير شرعي بينهما وبين أبي مهيوب ( الرجل المَحْرَم ) حتى تمكنتا من السفر معه إلى إحدى الدول النفطية المجاورة للعمل من أجل انتشال أسرتيهما من براثن الفقر والجوع والمرض.
وأما رواية ” قصة عشق كنعانية ” فإن عنوانها يتساوق مع متنها من حيث إنّ المتن يهدف إلى تأكيد أن الكنعانيين هم الأصل في بلاد الشام قاطبةً، وهم من أوجدوا وأسسوا بلاد فلسطين خلافا لما يزعمه اليهود ومن يشايعهم من أن اليهود هم بُناة فلسطين بصورة خاصة، ولا أحد ينازعهم الحقَّ فيها. ومع أن هذه الرواية رواية أسطورية، فإنّ الروائي استطاع – كما تقول الناقدة – أنْ يوظف التاريخ ووقائعه لإثبات عروبة فلسطين من خلال إثبات أن الكنعانيين هم أصل الدولة الفلسطينية. كما استطاع الروائي أن يؤسس أحداث روايته على ثنائية التضاد بين ( أهورامازدا وأهريمان)، وبين الخير والشر،والنور والظلام، الحب والكره، البقاء والفناء، الموت والحياة، ومن خلال كل ذلك جعل الكاتبُ الجانبَ الخيّر المضيء لصالح القضية الفلسطينية، ولترسيخ علاقة المحبة بين الفلسطيني وأرضه، وتراب بلده.
وإذا كانت رواية ” قصة عشق كنعانية ” رواية تغوص في أعماق الماضي لاستقرائه واستقراء أحداثه منذ زمن سحيق، فإن رواية ” الإسكندرية 2050 ” رواية استشرافية تتطلع إلى المستقبل لمعرفة أحداثه قبل وقوعها. فهذا العنوان الغرائبي لا يفتح بابا للقارئ لمعرفة رمزيته التي أراد الكاتب أن يجعلها دليلا على متن روايته، ولذلك يصبح لزاما على القارئ أن يقرأ الرواية كاملة حتى يكشف سرّ هذا العنوان وعلاقته بفحوى الرواية. وهو أن أحداث الرواية تنطلق من مدينة عكا الفلسطينية لتنتهي في المكان نفسه رغم المتاعب والمشاق والويلات التي يمر بها الفلسطيني في طريق عودته من المهجر الإجباري إلى مسقط الرأس.
ثمّ تعرض الناقدة عنوانا غرائبيّا آخر لإحدى روايات فحماوي وهو ” سروال بلقيس ” فهذا العنوان – على رأي الناقدة – له رمزية صادمة للقارئ، إذ يتبادر إلى الذهن أنه يمتّ إلى الناحية الجنسية بين الرجل والمرأة، فالسروال وهو قطعة اللباس التي يرتديها الإنسان لستر وحجب العضو التناسلي، فإذا أضيف السروال إلى الأنثى كما هو هنا ( سروال بلقيس ) فإنّ ذلك يصرف خيال القارئ إلى تخيّل وتصوّر الاتصال الجنسي بين هذه الأنثى ورجلٍ ما، أيّ كما لو أنها واحدة من بائعات الهوى، وهذا ما يحفّز االمتلقي ويدفعه لمعرفة مآل هذا السروال، وكيف سينتهي هذا ( السيناريو الجنسي ). ولكن ما إن يُكمِل القارئ قراءة هذه الرواية، حتى يتضح له أن الكاتب أراد أن يجعل من بلقيس ( صاحبة السروال) امرأة مناضلة، تسعى لإعالة أولادها عن طريق جمع ثمار الزيتون داخل السروال، وتفتخر بلقيس بهذا السروال طالبةً من أبنائها أن يستظلوا به، ويسيروا تحته كما لو كان عَلمًا أو لواءً يرمز إلى المَخْبَأ أو الأداة التي استطاعت الأمُّ عن طريقها توفير لقمة العيش الكريم لأبنائها الذين كادوا يموتون جوعا لولا هذا السروال المقدّس بدلا من سروال بلقيس الذي ظُنّ أنه مُدنّسٌ. واحتراما وتقديرا لبلقيس هذه، فإن الكاتب أهدى إليها شخصيا هذه الرواية، وإلى كل الأمهات المناضلات اللائي أشبهنها في الكفاح والنضال من أجل إنقاذ فلسطين وأبنائها كلٌّ بطريقتها.
وفي عنوان رواية أخرى، يضع الكاتبُ قارئَهُ أمام معضلةِ لفكِ طلسمٍ جنسي جديدٍ، إنه عنوان رواية ” على باب الهوى ” فهذا العنوان يشير-على رأي الناقدة – من طرف خفيٍّ إلى علاقة حبٍّ أو شوقٍ جارف بين عاشق ومعشوق، ولكن الحقيقة أن هذا العنوان – على رأي الناقدة أيضًا – هو عنوان الفصل الأخير من الرواية وهو عبارة عن نقطة حدودية مع سوريا. وفي هذه النقطة يتعرض الفلسطينيون للكثير من الابتزاز والاستغلال، مما يجبرهم على الرشوة والارتشاء. وهذا يصوّر أحوال كل العرب في الحدود المشتركة بينهم. وهذا ما جعل الروائي يُهدي هذه الرواية إلى كل الذين لم يتعاطوا هذه الرذيلة، ولم ينغمسوا في النذالات التي يُجبر على فعلها المحتاجون الذين لا حول لهم ولا قوة. ولا يخلو العنوان من الحب الجارف بين السارد وتراب بلاده؛ فما إن يصل المغترب إلى حدود وطنه حتى ينهال عليها تقبيلا ولثما لها ولترابها. وهكذا يمكن أن نقول إن العنوان يتساوق مع نص الرواية وفحواها.
وفي رواية ” الأرملة السوداء ” تقول الناقدة الدكتورة ماجدة إن الكاتب هنا أراد أن يصوّر لقُرّائه حياة أنثى العنكبوت السوداء السامة التي تقتل شريك حياتها بعد الإنجاب فتعيش بقية حياتها أرملةً. وفي ذلك أشارةٌ إلى أن إسرائيل تمثل تلك الأنثى الأرملة السوداء التي تجبر زوجها على أن يعيش حياةً شاقةً من أجل العمل لكسب متطلبات الحياة التي لا بد منها. فهذا ( شهريار) بطل هذه الرواية، شابٌّ فلسطيني يعيش في الأردن ( في حياة مخيمات اللاجئيين) ويواصل دراسته في مجال القانون، ويتحصل على الشهادة الجامعية. ويتحسن مستواه الاقتصادي، فانتقل بأسرته إلى منطقة عبدون الراقية لتناسب مستواه الاجتماعي الجديد. ولم ينسَ حياة الشقاء والبؤس في المخيم. وهكذا يتضح لنا أن الأرملة السوداء ( أنثى العنكبوت) قد تكون قادرةً على اغتيال زوجها، ولكن إسرائيل لا تستطيع أن تكون قادرة على ذلك باستمرار.
وعن رواية ” الحب في زمن العولمة “تقول الناقدة إنها محاولة من الكاتب لجذب الشباب إلى عالم الرواية من خلال التعرف على الحب الجديد المخالف لمضمون الحب المعروف والمعهود، ولكن هذه المحاولة لا تنسجم مع سياق الروايات الأخرى التي دأب عليها صبحي فحماوي.
ولعل أغرب عنوان لإحدى روايات فحماوي هو ” صديقتي اليهودية ” فهذا العنوان مُستهجنٌ وممجوجٌ من كل قارئ فلسطيني ( أو عربيّ)؛ فليس من المقبول ولا المألوف أن يقول فلسطيني عن فتاة يهودية إنها صديقته. ولكن الروائي هنا نهج نهجا مختلفا عما هو معروف من الصداقة التي تعبر عنها هذه المفردة لُغويًّا. فالصداقة التي يتحدث عنها الروائي هي صداقة حوارية وظّفها البطل (جمال) لمحاورة صديقته اليهودية (يائيل ) ليجعلها تعترف وتقتنع بحق الفلسطيني في أرضه ( فلسطين ). وقد وظّف الروائي لذلك عدة مقولات تدعم ما أراد إثباته لكل من يقرأ هذه الرواية الحوارية بين الفلسطيني جمال وصديقته اليهودية يائيل. ومن ضمن هذه المقولات ما ورد في تصدير الرواية من مثل مقولة المهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا، ومقولة مالكم إكس.
وفي نهاية تحليل عناوين هذه الروايات، تقول الدكتورة ماجدة إن عنونة هذه الروايات لم تلامس العناوين السياسية مباشرة خوفا من الوقوع في مصيدة السياسة، أو لرغبة الروائي في استعمال العناوين الغرائبية أو العجائبية.
*د. الطاهر خليفة القراضي
ــــــــــــــــــــــــــــ
الطبعة الأولى 2018.عدد الصفحات: 264 صفحة من الحجم العادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.