الصفحات

يوميات نصراوي: شذرات من الذاكرة ...* نبيل عودة

⏪⏬
⏪1
انقلاب سياسي او عسكري؟
حين جرى انقلاب شبه عسكري ضد رفيق شيوعي، كان يعتبر الأبرز فكريا وايديولوجيا، واعلاميا، وسياسيا، وادبيا، والناطق شبه
المطلق بلسان الحزب خاصة في الوسط اليهودي، بعدم وجود متحدث بقدراته على الطرح بأسلوب عقلاني وبدون تشنجات ومبالغات لدرجة ان أحد الحاضرين اليهود قال لي مرة" رغم اني لا اقبل كل ما يطرحه، لكني لا افوت ندوة يشترك فيها هذا الانسان لأنه يقول حقائق مؤلمة عن الطرفين ويطرح رؤية لمستقبل هو حلم كل انسان عاقل في شرقنا الأوسط".
قال لي رفيق قديم، بنفس الجلسة التي جرى بها الانقلاب ضد ذلك الرفيق، وهو معلم سابق طرد في شبابه مع عشرات المعلمين الشرفاء من سلك التعليم لأنهم لم يلتزموا بالمواد التعليمية التي اقرها الشاباك للمدارس العربية، ثم انتحب لرئاسة سلطة محلية في قرية من قرى الجليل. قال: "ان منفذي الانقلاب يدمرون الحزب الشيوعي والجبهة الديموقراطية". طلبت منه التدخل مع القيادة الجالسة مثل ابو الهول وحاشيته داخل القاعة. قال انه حاول وصُد. اخذت المبادرة وتوجهت لأبو الهول (قائد الحزب) على المنصة. قلت له: ان الانقلاب غير دستوري ومدمر لمستقبل الحزب سياسيا وبرلمانيا. أجابني: ماذا تريد يا رفيق ان يحدث انشقاق في الحزب؟ أجبت: وهل ما يجري ليس انشقاقا؟ او ليس انقلابا مثل الانقلابات العسكرية العربية؟ هل ستضيفون لدستور الحزب تشريعا يسمح بالانقلابات؟ أجاب: سنعرف كيف نعالج الأمور بعد المؤتمر. قلت: بعد المؤتمر لن يكون الحزب هو نفسه، وان السمكة تفطس من راسها. طبعا انا لم انتظر ساعة واحدة، كتبت استقالتي وقدمتها بعد ثلث ساعة، وبذلك انهيت عضوية استمرت نصف قرن مع الحزب الشيوعي. انتقدني لاستقالتي وقال انه سيقود عملية الإصلاح من الداخل، بعد اقل من اسبوعين استقال من جرى ضده الانقلاب.
قائمة الكنيست وقتها فقدت مقدا وفائض اصوات للمقعد الآخر. وهبط التمثيل تقريبا بمقعد وثلاثة ارباع المقعد (كانت الامكانية كبيرة ان يزداد التمثيل لو لم يقع الانقلاب). المهم ان الحزب "لم ينشق". استقالة نبيل عودة خلصتهم من الرد على افلاسهم الفكري والتنظيمي، بصراحة رأيت ان الحزب أنهى دوره، وما تبقى هي بقايا تاريخ نحترمه ولكنه لن يصون البيت الذي قدمنا له أجمل سنوات عمرنا. طبعا لست آسفا على تاريخي بالحزب، ولكني متألم ان أرى بيتنا السياسي يتفكك!!

⏪2
ثوري مثل الفجل. احمر من بره فقط!!
تجمعنا في حيفا قرب مكتب جريدة الاتحاد، عددا من الأدباء والشعراء من الجنسين انتظار لسيارة تاكسي لتقلنا الى تل ابيب للمشاركة باليوم الثاني ببرنامج ادبي تلفزيوني كان يقدمه المرحوم د. حبيب بولس. طبعا كنت ما زلت شابا واديبا متحمسا، وصاحب قلم جاد لا يعرف التطبيل والتزمير لكسب ود أي شخص. جلسنا بالتاكسي، بانتظار آخر المشاركين الذي تعوق قليلا. وصل ذلك "الأديب العظيم" ونظر لداخل التاكسي ولم يلق حتى التحية، أدار ظهرة وعاد من حيث اتي، لحقه الدكتور حبيب بولس وتحدث معه قليلا وعاد للتكسي عابسا. لم نفهم ما جرى ولم يقل د. حبيب بولس شيئا رغم تساؤلنا.
انطلقت بنا سيارة التاكسي الى تل ابيب، وكان يبدو على وجهة علامات من الضيق، بعد الحاحنا قال ان عدم مشاركة ذلك الزميل ستضطره لتغيير برنامج اللقاء الأدبي في التلفزيون كما كان مخططا، ولم يشرح سبب عدم صعود ذلك الشخص للتكسي معنا.
قدمنا البرنامج التلفزيوني وكان ناجحا جدا، ومضت ايام كثيرة، وكنت أساله دائما عن تلك الحادثة، فيرد "إنسى".
بعد أكثر من عقد من السنين، وكنت محررا في جريدة يومية، أرسل للجريدة مقالا شعرت انه يلمح لموضوع ذلك الأديب وينتقد تعاليه وغروره. اصررت عندها ان لا أنسى، او سأكتب تعقيبا عن الحادثة إياها. فصارحني مرغما، بعد ان ضمن ان لا اكشف تفاصيل ما جرى عن سبب عدم مرافقة ذلك الأديب لنا. قال حقا ان تصرفه كان مستهجنا ومنتقدا على الأقل لعدم القائه التحية. اذ نظر لداخل السيارة ومضى بعيدا، وقال لحبيب بولس الذي لحق به وقتها بانه لن يشارك بندوة مع ولد، وان القصد بالولد نبيل عودة!!
طبعا لم ابق مديونا. وسخريتي اللاذعة طالته المرات بطريقة يحسن نبيل عودة اتقانها بدون كشف ذلك الحادث.
اليوم بإمكانه ان ينفخ صدره مدعيا ما ليس فيه، بل ويبني لنفسه تاريخا وطنيا على التزوير والكذب، متجاهلا اننا لم ننسى انه كان عميلا لأحزاب السلطة، وأحرفها الانتخابية لم تغادر سقف بيته في الانتخابات البرلمانية، واليوم يرسم نفسه كثوري لا يشق له غبار، بينما اهل قريته يعرفون حقيقته حتى لو سجلها بماء الذهب، وغلفها بماركسية لا يفقه منها ألف بائها البدائي!!.

⏪3
دكتور بثقافة التنانير
نشرت مادة ثقافية انتقدت فيها أحد "نقادنا الكبار" الذي لم يميز في محاضرة أكاديمية غردها في معهد أكاديمي، بين اسمين لشاعرين معاصرين، نسب اعمال الأول للثاني دون وجل، ولم يميز بين قاصين من بلادنا، من عائلة واحدة، أحدهم توفي قبل قيام إسرائيل ويعتبر من أوائل كتاب القصة القصيرة في فلسطين، والآخر كاتب له مكانته الهامة في ادبنا القصصي، فجعل المرحوم حيا يرزق، نسب اليه اعمال الكاتب المعاصر لنا.
انتقدت عدم تصحيح المعلومات من الحاضرين واشرت ان الخبر الذي نشر عن الندوة والمحاضرة، حافظ على الخطأ، وهو امر لا يحدث الا في ثقافة تفتقر لمثقفين لهم اطلاع عام على الأقل على واقع ثقافتنا المحلية. المستهجن أيضا ان الحضور من الأساتذة الكرام لم يصححوا المعلومات والمغالطات البشعة التي أوردها المحاضر بدون وجل.
ردت علي ملاحظاتي التي لم اقصد منها الا تصحيح المعلومات، "كاتبة تحلم ان تصبح عظيمة"، بطريقة غبية واصرار على الدفاع عن الخطأ المخجل، دون فحص وتفكير من طرفها أيضا. كان واضحا انها بدفاعها اثبتت امرين، أولا جهلها لثقافتنا، وثانيا دفاعا عن ناقد كتابته النقدية اشبه لمشجع لفرقة كرة قدم يشاهده بلعبة كرة قدم ضد فريق منافس، وطبعا هناك دافع شخصي ان يكتب الناقد المحترم عن ديوان شعر كانت قد أصدرته بنفس الفترة، والناقد إياه لا يمكن ان لا يمدح شاعرة صبية او حتى عجوزا لأنه كما لاحظت من تجربة سابقة معي يكتب دون ان يقرأ أكثر من العناوين، وهو ناقد لم اقرأ له أي ملاحظة سلبية على أي عمل تناوله بالنقد. ولو طرحت كل ملاحظاتي لتحول هذا المقطع من اليوميات الى نص ساخر جدا.
استهجنت التهجم على تصحيحي للمعلومات واشارتي لخطأ لا يليق بمن يتبوا، واهما، صدارة النقد، طبعا بعدد ما يكتب وليس بمستوى النقد، مثل هذا الخطأ كنت اتوقع ان يصحح وليس ان تكلف كاتبه بشن هجوم اعلامي على كاتب لم يقم الا بتصحيح المعلومات، مما يظهر جهلها وغبائها، والمؤلم ان لا أحد من المثقفين الحاضرين للندوة صحح معلومات الناقد. ربما كانوا حاضرين غائبين اسوة بالقانون الإسرائيلي المعروف باسم "حاضر –غائب" لمصادرة الأرض، بحجة انه يوم قيام دولة إسرائيل لم يكن مواطنا بالدولة.
الكاتبة العظيمة لم يقنعها شرحي للخطأ واصلت التهجم بنص أقرب يفتقد لأي مضمون ثقافي، لا علاقة له بما طرحته من تصحيح للمعلومات، مجرد تطاول صبياني من مراهقة تطمح ان يمدح الناقد الجهبذ ديوانها ويجعلها أميرة الشعر، وما أكثر أميراته.
المضحك ان اديبا من العالم العربي يحمل لقب دكتور بالأدب العربي، لا اعرفه ولم اقرأ له الا سابقا او لاحقا الا اسمه ولقب الدال الذي يسبق اسمه. هب حضرته للدفاع عن تلك الكاتبة ضد المدعي نبيل عودة وهو بالتأكيد لم يفهم نقطة الخلاف، ولا اظن ان له المام بثقافتنا. دافع عنها بشكل مثير للضحك لأنه اثبت انه غبي وجاهل، فكتبت له ردا قلت فيه ما معناه انه من الطبيعي ان ينتصر الدكتور الأديب (فلان) للكاتبة، فهو يثبت انه عربي اصيل، لذا اختار ان يقف الى جانب التنورة، حتى لو جعلت أمريكا دولة افريقية.

⏪4
كفرتني بنت الغباء
لي قصة بعنوان "ارملة على الشاطئ" وهي قصة ارملة خرجت بعد وفاة زوجها للبحث عن علاقة جديدة حتى قبل انقضاء شهر على وفاته. القصة نشرتها ضمن مادة فلسفية عن "مذهب النفعية" كإشارة الى ان تلك الأرملة تحررت فورا من أحزانها واعلت مصلحتها الخاصة (النفعية) وخرجت تصطاد حب جديد.
احدى المثقفات العربيات -من فلسطين الحرة (كاتبة طبعا) هاجمتني منتقدة بحدة كيف اكتب قصة من هذا النوع والزوج لم يمضي على وفاته 40 يوما، وارفقت نقدها المتنور بدرس ديني، طبعا لم تبلغ بي السخافة ان أقرأه.
قلت لها انا اكتب عن موضوع فلسفي اسمه النفعية، والقصة هي تفسير للنفعية التي تتصرف على اساسها الأرملة. ولا اكتب وعظة اخلاقية، اترك الوعظ لك، والفن القصصي لا يتعايش مع الوعظ الأخلاقي التافه. اتركينا ماذا يقول الدين، لو التزمنا به لبقينا ملتصقين بالقرون الوسطى. ولما نشا أدب قصصي اطلاقا. طبعا واصلت الصراخ بنص لم اقرأه واكتفيت بإلقاء نظرة فوقية سريعة واعلنت انها لن تكتفي بمقاطعتي بل ستقاطع كل صليبي يظن نفسه كاتبا. فسامحوني يا زملائي الصليبيين حرمتكم من مثقفة لن تقرأ لكم منذ أغضبها نبيل عودة الصليبي الكافر!!
⏪5
محرر ثقافي بلا ثقافة
نشاطي الثقافي لم يتوقف منذ امسكت القلم، حتى اثناء عملي كمدير عمل وثم مدير انتاج في الصناعات الثقيلة، واستلامي تنفيذ مشروع بناء مصنع بترو كيماوي في إيران ايام الشاه، لم اتوقف عن الكتابة. وكانت احدى الصحف اليومية تنشر لي ماديتين اسبوعيا، مادة ثقافية ومادة سياسية. ثقافيا كتبت قصصا ونقدا. حتى تاريخ معين. فجأة مقال نقدي عن ديوان لشاعر معروف من البقيعة، وهو من أجمل دواوينه الشعرية، لم ينشر، رغم ان الجريدة نشرت فيما بعد مراجعة نقدية تافهة جدا لناقد "كبير جدا". اتصلت بالشاعر واخبرته ان المادة عن ديوانه لم تنشر رغم اتصالاتي مع رئيس التحرير الذي قال لي بآخر اتصال انه ينشر مقالاتي السياسية والصفحة الأدبية ليست بمسؤوليته. الرسالة وصلت للشاعر المقرب جدا من الجريدة واصحابها سياسيا، والذي قال لي ان مقالي هو أفضل مقال نقدي كتب عن ديوانه هذا وعامة عن سائر اعماله. اتصل بالمحرر "الثقافي!!" ثم أخبرني ان المحرر طمأنه بانه سينشر مقالي النقدي يوم الجمعة. طبعا لم ينشر. أرسلت المقال لصحيفة أسبوعية ونشر. وصلني بعد يومين من نشر ذلك المقال اتصالا من صحفي صديق يعمل بالجريدة اياها، قال لي بان أحد الكتاب غاضب لسيطرة نبيل عودة على النشر الأدبي، وان المحرر ليرضيه استجاب له بوقف النشر لنبيل عودة. اتصلت بالمحرر الأدبي، الذي تأتأ وهمهم وشخر واستأذن ان يحضر كوب ماء، وهو شخص لا تربطه بالأدب والثقافة أي علاقة، ربما يكون قارئا عاديا؟ استلم تحرير الصفحة الأدبية بعد استقالة المحرر وانتقاله للعمل بجريدة حزبية أسبوعية.
ردا على استفساري من عدم نشر ما ارسله من مواد للصفحة الأدبية وخاصة مقالي النقدي عن الشاعر إياه، قال بعد ان تأتأ كلاما غير مفهوم، وتردد وهمهم جملة لا يقولها الا شخص غبي ولا عقل لديه:" بان المواد الأدبية التي ارسلها لهم لا تتناسب مع النهج الثقافي للصفحة الأدبية للجريدة"، أي الجريدة التي نشرت فيها كل اعمالي القصصية والفكرية والسياسية خلال ثلاثة عقود. قلت له " سمعت حماقتك، اغلق التلفون قبل ان تسمع مني ما لا يعجبك". بذلك اغلقت نشاطي مع تلك الجريدة سياسيا وثقافيا.

nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.