الصفحات

امرأة في حصار قيصر ...*أحمد اسماعيل

⏪1
الصباح الأشقر يتدفق بخيوطه من بين خصائل شعرها، وهي تمضي إلى عملها، لاشيء يلاحقها سوى البريق، يرمي بثوبه على جسدها، ليكتنز لاسمه شيئا من حسنها، الحافلات تحرض سائقيها للضغط على الزمور، عسى و لعل يحالفها الحظ في صعودها إلى
أحد المقاعد المتلهفة لاحتضان جلستها، والعصافير تحوم حولها تارة تقف على بلور كتفها، وتارة تحس أنها ملكت الدنيا حين تفتح كفها و تغتنم فرصة الوقوف على انحناءات أصابعها التي يغرد الألم بين شقوقها الخاوية من بذور الأمس التي كانت تمد جسورا للغناء بين لورا و العصافير.
تمضي لورا و الريح تخطف دموعها قبل أن تسيل على وجنتيها، ثم تركض مغمضة عينيها عن نفسها، كل شيء بات بإيقاع فاتر....
فقانون قيصر كان مصيبة على راتبها الذي ضربت الحيرة كل منافذه، ففي ظل انهيار العملة أمام الدولار، قررت اللحمة إجراء حمية قاسية عن الأطعمة التي ترهق معدة الأيام في سباقها المارتوني لبلوغ آخر الشهر.
تقف للحظات تخرج منديلها المعطر بدفء زوجها سعيد المقعد نتيجة انهيار سقف المنزل أثناء قصف داعش لقريته...
تشم المنديل ليمنحها الكثير من الجلد، تصعد إلى بناء عملها،
تدخل مكتبها، لتزيد الجدران عليها لحظات الإطباق،
تنجز أعمالها و تفكيرها معلق بسعيد،
في طريق العودة يثير انتباهها جارها البقال و هو يضيف لمسات جمال على وجه الخضراوات و الفواكه...
تستجمع كل ما في حقيبتها لتشتري ما خف حمله على الهم،
ثم تمضي إلى البيت المستأجر و موال من الفرح يملأ المسافة المتبقية إلى احتضان سعيد بعينيها، و مع طقة المفتاح يندفع سعيد نحوها بكرسيه المتحرك و على الفور تغلق الباب و تضع الأشياء على يدها اليسار، و يمينها يحلق ليقرص خده قبل أن يقترب فمها من أذنه ويقول: اشتقت لك.....
وتطبع قبلة على عينيه حتى لا تدمع كالعادة،
يجر سعيد الكرسي المتحرك ليواكب خطوات مشيها،
و يسألها كيف كان نهارك؟
لورا: أنا اتلذذ بالتعب حتى لا أجعله يتمكن من جسدي، لا عليك.... ابتسم...
تقبله و هي خائفة أن لا يعجبه ما ستقدمه على الغداء،
ثم تداعب أرنبة أنفه بألحان بنانها.
تدخل المطبخ و تغسل ما هيأه لها القدر،
أوراق البقدونس و النعناع تفرد نضرتها و تبعث مع رائحتها رسائل الإنشراح، و حبات البندورة و الليمون تغريانها بالتشمير عن كتفيها، و البصل يقسم أنه لن يبكيها، و البرغل الناعم شد الهمة ليغطس في الماء قدر المستطاع حتى يثبت لها أنه أفضل من نقع، و زيت الزيتون كما دائما جعل من هدوئه جاذبية، أما قارورة دبس الرمان هزت خصرها موحية بأنها ستتكفل بالمشروع.
هنا لم تستطع لورا الاستمرار بسكونها، بدأت تفرم... تقطع... تعصر... تسكب....
ثم خلطت المزيج بكل نفس ينبض فيها، إنها التبولة التي يذوب في حبها سعيد أصبحت جاهزة.
وضعت الأطباق على المائدة، أحضرت سعيد و هي تغني....
وقبل أن تطعمه اللقمة الأولى، وضع سعيد الكثير من الملح على خاصرته ليسكت الألم المتصاعد من مكان الكلية التي باعها صباحا، أمسك يدها و قبل كفيها ثم طلب أن تحني رقبتها المصقولة كالمرمر و زينها بقلادة قائلا: ميلاد سعيد...كل عام و أنت بخير...
وضع يده على فمها حتى ترحمه من الإجابة على الأسئلة و مد الملعقة باتجاه فمها، و مع ارتباك مشاعرها أكلت اللقمة و هي لا تشبع من التأمل في بحر وجهه .... يتبع
-
*أحمد اسماعيل
سورية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.