الصفحات

الكِمامة ... *احماد بوتالوحت

⏪⏬
ـ لماذا يضع هذا السيد قناعاً على نصف وجهه ؟ يا أبي

ـ حتى لا يأكل الذباب أنفه .
ـ لماذا تكذب على الصغير ؟ قالت الكلبة لزوجها الكلب
ـ لقد قلت له ما اعتقدته صحيحا ، فطالما ضايقني الذباب وأنا أحشر أنفي في ركام النفايات باحثا عن فضلات طعام ، وطالما فكرت في وسيلة أذود بها عن أنفي كي أبعد عنه تلك الحشرات الوقحة وها أن ذلك الشاب المهذب الأنيق والذي لم يرْمِنا بحجركَعَادة أبناء الزِّنا ، قد ذكرني بكيفية الذود عن وطن أنفي .
ـ إن ذلك القناع يسمى كِمامة والذي يلبسه يفترض أن يكون طبيباً ، قالت الأم لابْنِها الجرو ثم
أضافت ׃
ـ لقد رأيت الأطباء يلبسون الكمامات في مستشفى عمومي حيث كان يصحبني كلب مدير المشفى ، كان الكلب ابن أصُول ومدِينياً وكان الأكل متوفراً في بيت رئيس المستشفى ......
صرخ الجرو ׃
ـ أريد كمامة كي أصير طبيباً .
إضطجع على الأرض وشرع يتمرغ ويعوي ويَرْكل بقوائمه ، مرَّ رجل قريباً منه وسدَّد إليه نظرة أخْرَسَته ، كانت عينا الرجل جاحظتين و مخيفتين .
ـ إنتظر حتى يلتحق أبوك بعمله في المدينة ، ثم يشتري لك دزينة من الكمامات تكفيك لسنوات .
تابعت أسرة الكُليْب سيرها متوجهة خارج الحي حيث تضطجع حاويات مبقورة الأحشاء ومجردة من درَّاجاتها ، عجِب الكلب من خُلُو الدروب من الأطفال الذين كانوا سابقا يملؤونها بضجيجهم وسبابهم االمخل بالحياء وتَنابُزِهِم بألقاب أطلقوها على بعضهم البعض وهم يتقاذفون كرة مهترئة . كما لم يسمع أصوات بائعي السردين ينادون على بضاعتهم تتبعهم القطط الضالة طمعا في حسَك سردينة أو رأسها ، كما لاحظ أن محل الحلاق حميد كان مغلقاً ومن عادته في ذلك الوقت أن يكون قد كنَس الجَزَّة الأولى لأول زبون...وحده " سعيدٌ " البقال كان يبدو من خلف الكونطوان وهو يهرش رأسه الصلعاء .
المسالك داخل الحي شبه خالية ، والأرجل القليلة التي تخطرفي الدروب كانت تلبس كماماتها وتتجنب المرور قرب بعضها البعض .
ـ إني جائع يا أمي!! قال الصغير .
ـ إننا نكاد نصل إلى حيث نتوجه ، قالت الكلبة وأضافت ׃
ـ اسرِعا إذن ، قبل أن يحضر النبَّاشون والمتشردون والمجانين ويمنعون عنا الحاويات .
لمّا أشرفوا على مكان صناديق القمامة ، تفاجؤوا إذ لاحظوا كثرة النفايات التي أحاطت بها
وامتدت على مساحة كبيرة ، لأن شركة تدبير قطاع النظافة لم تُخْل المكان من الأزبال
نظرا لإضراب عمال النظافة . كانت النَّثانَة لا تحتمل . فكر الكلب << ربما لهذا لَبِس سكان الحي الكمامات>> لكنه لم يكلم الكلبة في هذا الشأن خوفاً من أن تسِمَه ب "البلادة والغباء " كما عهدت أن تفعل لما يختلفان في شيء .
لمح الصغيروالأسْرة تقترب من المَطْرح ، شيئاً أثار إنتباهه جرى في اتجاهه ثم إلتقطه وطفق يصرخ ׃
ـ كمامة ! كمامة !
لبسها ثم استدار ناحية أمه
ـ كيف أبدو لك
ـ كجرو جميل . قالت الأم
شرع الأب والأم يتشممان ركام القمامة كان الصغير قد نسي أمر الجوع وتابع تغيير وضع الكمامة على وجهه إلى أن ثبَّتها على وضعية أخيرة أخفت معها خطمه ، مشى فوق كومات الأزبال إلى أن عثرعلى فردة جزمة مطاطية دخلها وَسَوَّى نفسه في وسطها ولم يعد يبدو منه غير وجهه المَخْفي خلف الكمامة ، تسلَّى بتأمل ما حوله ، كانت المزبلة غاصة بالحفاظات وأوراق المرحاض الصحية لكنها لم تَخْل من بعض فُضلات الطعام ، هذا ما خمَّنه لمَّا رأى والديه يقتسمان شيئاً ما ويلوكانه ، لكنه لم يهتم لذلك حيث أَسِرته السعادة التي إسْتشْعرها داخل الفردة الحذائية ولم يفق من غفلته إلا على صوتي والديه يدعوانه إلى الفرار .
ـ وآهرب آلمسخوط ، العتروس جاك .
ليس بعيدا منه ، يتقدم في اتجاهه شبح تعرَّف عليه من خلال سواد بشرة جدعه العاري وشعره الأشعث ثم من خلال سرواله الجينز القصير ، بصعوبة طَفر الجرو من فردة الحذاء وجرى ليلتحق بأبويه حيث ينتظرانه منخرطين في موجة من النباح الهستيري ، إستخرج العتروس حجرا من أحد جيوب سرواله ، قذفه في إتجاه الجرو ، مرَّ الحجر محادياً لإحدى أذنيه .
ـ بقى ليك من الطبيب غير لكمامة ، قريتي بْحَال الطبيب "آلمجحوم " . قال العتروس ساخراً وغاضباً ثم إلتقط قنينة صادفها أمامه بجانب إحدى الحاويات و رشق بها الجرو الذي كان قد أسلم ساقيه للريح ، لم تُخْطئه الزجاجة التي إستقرت على رأسه ، إزداد عواؤه وكان مروَعاً ويسمع أزيزاً داخل جمجمته ، وبدت له المسافة التي تفصله عن أهله ، أبَدِية .
-
*احماد بوتالوحت









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.