الصفحات

وداع ...*‏مريم زامل‏

⏪⏬
تمضي اللحظاتُ سِراعاً .. كومضةِ برقٍ في الأفق.
تخطفُ الروحَ البريئةَ،وتصعدُ بها إلى بارئها.

هكذا وبكلّ بساطةٍ تُلقَى كلمةٌ على مسامع الأحبّةِ ؛ ذهبَ إلى غير رجعة ..!! تهبُّ الأجسادُ وقوفاً، أذهلتْهم العبارةُ بهديرِها المرعِب .. فغروا الأفواهَ .. واتّسعَتْ منهم الحدقاتُ ..
يا إلهي !! .. أهو كابوسٌ جثمَ على الصدورِ خلال نومٍ مزعج،أم تُراه حقيقةً مُرّةً يصعبُ عليهم تصديقُها ؟!!
بل وكيف يمكنُ للأبناءِ أن يتحمّلوا وقعَ الخبرِ الفاجع ؟!! ..
إنّه الأبُ الرؤوفُ .. الحاني العَطوف .. الذي راح ليُحضِرَ لهم قوتَهم،ومتطلَّباتِ حياتِهم اليوميّة.
فكيف يجرؤ الموتُ أن يسلبَهم رِفدَه .. ويحرمَهم أُنسَه؟!!
لامجالَ للتساؤلِ أو حتى للعتاب الآن !! .. فهم حيالَ الحقيقةِ المُرّة ..
مضطرّون لِتَجَرُّعِها بكلّ الشوكِ الذي تحتويه،وبكلّ مرارةِ الحنظلِ الذي يسيلُ طافحاً به كأسُها .. مريعٌ صارَ الليلُ بعد رحيلِكَ .. أبتاه! . وبيتُنا بدَتْ مظلمةً زواياه بعدَ رحيلِكَ.
ياربّ !!
وحتى بابُ الغدِ مازالَ موصَداً بوجوهِنا،وأمامه هوّةُ الفجيعةِ عميقةٌ وسحيقةٌ .. تحجبُ شروقَ النورِ فلا يعبرُ إلينا.
ويصرُّ الظلامُ أن يزدادَ حلكةً وكثافة.
وها أنَذا ابنتُه التي مالحقَتْ أن تبشّرَه بنجاحها بعدُ .. وكذلك أختي التي بدأتْ للتوِّ تعرفُ كيف ترسمُ بسمتَها بصدقٍ على ثغرِها الفتيّ .. ها أنتَ أيّها الموتُ أنسيتَها كيف للابنةِ أن تبشَّ في وجه أبيها عند مقابلتِه .. في الصباح،وعند المساء. !!
أمّا أنا ابنه الفتيّ محمّد .. ابنه الأوحدُ تلقّيتُ تعليماتِه التي تحضّني على أن أصنعَ مستقبلي كي يفخرَ بي أمام الأهل والأعمام. وجدتُني فجأةً .. فاقداً السندَ والملاذ.
وأنا أيضاً .. بيانُ الطفلةُ المدلَّلة،مَن سيمسكُ بيدي؟! .. مَن سيحملني ويضعُني فوق الدرّاجة،ويسيرُ بي إلى حيثُ أعيشُ أمتعَ ساعاتِ نزهتي .. ويقدّم لي الحلوى،ويعلّمني كيف أتناولُ الفاكهة،وكيف أمسكُ باللعبةِ .. ثمّ يعِدُني بأن يكرّرَ اصطحابي للتنزّه .. ومشاهدةِ ألعابِ العيد.ويقدّمُ لي السكاكرَ ؛ والبسمةُ تزيّنُ مُحَيّاه. َ فما الذي تخبرونَني به؟! .. أين أبي؟! .. ألن ألتقيَهُ بعدَ الآن ؛ فيضمُّني بين ذراعيه،ويهدّئني ؟!! ..
أرجوكم .. أن تشرحوا لي .. مامعنى الوداع !!
فسّروا لي ما معنى .. أن تُزهقَ الروحُ البريئة بلا سبب ؟!
لقد حلّ بي .. وبنا كلُّنا اليأسُ والتعب !!
تقولون .. وداعٌ ؛ ولكن بالله عليكم أيكونُ وداعاً إلى الأبد ؟!!
ومِن أين آتي ليَ .. من بين الزحامِ .. بِأبْ؟!!
هيهات .. هيهاتَ أن يساويَ مقدارَ عُشْرِه .. أيُّ أب.
أرى .. في عيونِكم نظراتٍ توحي بالعجب ؛ فبالله عليكم أهناكَ ما يدعو للتساؤلِ والعجب؟!
لِيكنْ ملاذُنا وموئلُ شكوانا .. إن نحنُ فقدْنا الملجأَ والمُعينَ على الدوامِ .. مَن إليه والدُنا صعد، وفي جوارِ ضيافتِه حلَّ للأبد ..
أليمٌ تهدُّمُ جسرِ بيتِنا،وفقدُه ووداعُه.
بقلمي : مريم زامل
من وحي فقدِ قريبِنا إثرَ حادثٍ مؤسف.
-
*‏مريم زامل‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.