الصفحات

فأس أبو خالد

⏪⏬
عندما أشعلَ أبو خالد سيجارتهُ , كانت علبةُ الدُخان مازالتْ تعجُّ بنصفها وأكثر قليلاًَ , رَكَنَ الفأسَ على كتفهِ الأيمنِ بهدوءٍ , وبالأخرى
معولٌ مازالَ طفلاً , وسيجارةُ تُداعِبُ نسماتِ المساء , خيوطٌ حمراءَ بدأتْ تنسجُ ثوباً ماسياً , الدربُ القصيرةُ تتمددُ بلحظةِ اِسترخاء , النهرُ المُحاذي كانَ يُتمتمُ بلحنٍ رقيق , عابرُ سبيلٍ يرمي بالتحيةِ ويتابعُ خطواته الخجولة , ربما أضناه التعبُ , الشمسُ تُحرِقُ نفسها مُنذُ لحظات , حباتُ التُراب السمراء تُواعِدُ أبا خالدٍ بخجلِ أُنثى , خريرُ مياهِ النهرِ تئنُّ منْ تحتها عُشيباتٌ قشيبة , لحظةُ ازدراءٍ تزورُ المكان دونما موعد , السيجارةُ تتأرجحُ بينَ أصابعَ مُخشوشنة , رُبما كانتْ تأبى لفْظَ أنفاسها , فِداءُ يُتابعُ منْ خلفِ الموكب , غيومٌ خريفيةٌ تقتحمُ خِلسةً , تزيدُ اِسودادَ المساء , يتشبثُ أبو خالد بِصدره المعجون بشعرٍ أسود , سقطَ الفأسُ , فجأةً صرخَ المعولُ مُستغيثاً , أم خالد تقارع الزمن لتحضير طعام، أبريق الشاي يكاد يرتعش تحت نار حطب معتق ، صبية خمسة يغادرون ملعباً يغازل غبار يوم ، تأهب في أجنحة الأنثى لاستقبال الزائر اليومي ، البيتُ باتَ تحتَ مرمى نيرانِ الأعينِ المرتعشة , هرعَ فداء صوبَ البابِ الخشبي , طرقهُ برأسهِ مئاتِ المرات , حباتُ مطرٍ حمقى تزور صدر أبي خالد , دموعُ مياهٍ وأشلاءُ موالٍ بعيد , وصلَ الجميعُ إلى ثغرِ النهرِ الذي اِكتسى لتوّه ثوباً حالكاً , السيجارةُ تنزوي بينَ حشائشَ غضّة , كانت تبكي , رحلّ أبو خالد والعطشُ يملأُ جوفه , عندما لاحتْ خيوط الفجرِ كانّ فِداءُ يُطلِقُ نُباحهُ الأخير , صرخَ راعٍ صغيرٍ كانَ يُراقبُ انبعاثَ الشمس ( رحلَ فِداء ) ...
-
*وليد.ع.العايش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.