الصفحات

تبادلها مع الشاعر عبدالقادر حميدة من رسائل رجاء النقاش


نتيجة بحث الصور عن 12 عامًا على وفاة الناقد المصري العربي رجاء النقاش
⏪⏬
الرسائل فن أدبي قائم بذاته، تجاهله أدبنا الحديث والمعاصر كثيراً، رغم ما فيه من قيمة أدبية رفيعة، وسمات إنسانية أهمها سمة التواصل مع الآخر، وهو فن قديم قدم الثقافة العربية، يكشف أبعاداً ربما غير معروفة في شخصية الأديب والمثقف .

وقد وقع في يدي مؤخراً مجموعة من الرسائل الخطية المتبادلة بين الناقد المصري الراحل، رجاء النقاش، والشاعر المصري عبد القادر حميدة، وهذه الرسائل كتبت في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وإن كانت هذه الرسائل تكشف عن عمق الصداقة التي ربطت بين الأديبين، والتي استمرت أكثر من خمسين عاماً، إلا أنها تكشف أيضاً عن حس أدبي رفيع وذوق رائق في اختيار الألفاظ وجمال في العبارة، فهي ليست مجرد رسائل بريدية، بقدر ما هي عبارات مؤطرة برؤية شفيفة وبلاغة موجزة .

عن العلاقة بين عبد القادر حميدة ورجاء النقاش، يقول #187;حميدة#171;: كانت بداية المعرفة بيننا عن طريق النشر في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الكاتب الكبير الراحل أحمد حسن الزيات في أوائل الخمسينات في القرن الماضي، وكنا حينذاك طلبة في المرحلة الثانوية، كل كان يرسل من قريته ما تجود به قريحته، وكان من بين تلك المجموعة أبو المعاطي أبو النجا، وسلمان فياض، وكمال نشأت .

أما عن لقائي بالنقاش للمرة الأولى فقد جاء بالمصادفة وأنا أسير في شارع سليمان في القاهرة، وكان وقتها يعمل في مجلة #187;البوليس#171; مع سعد الدين وهبة عام ،1963 وفي تلك الأثناء كانت قد صدرت لي مجموعتي القصصية الأولى، وكان رجاء مشرفاً أيضاً على باب الأدب في جريدة #187;الأخبار#171; فكتب مقالاً عنها، ومن هنا كانت بداية رحلة صداقة استمرت حتى وفاته .

وعن فترة عملهما معاً في #187;مجلة الدوحة#171; القطرية في إصدارها الأول، وهي الفترة التي كتبت فيها هذه الرسائل التي بين أيدينا قبل أن يعمل #187;النقاش#171; فيها رئيساً للتحرير، حيث كان مشرفاً على مكتب القاهرة الخاص بالمجلة، يقول حميدة: فترة العمل في الدوحة كانت من أزهى الفترات، فقد أسست المجلة برئاسة د . الشوش، وكان الطيب صالح هو صاحب فكرة إنشائها، حيث كان يعمل مديراً لوزارة الإعلام القطرية، وجئت لأصبح محرراً عاماً لها، والفنان محمد أبو طالب مشرفاً فنياً، وفي تلك الفترة كان النقاش يرسل مقالاته من القاهرة مشفوعة بتلك الرسائل بالغة العذوبة . وتعبر المحبة التي تتجلى في تلك الرسائل عن مكنون شخصيات امتلأت بالتسامح وحب الآخر، وهذا ما نلمحه في كلام #187;النقاش#171; عن الطيب صالح وأبو المعاطي أبو النجا، وحديثه أيضاً عن عبد القادر حميدة، وليس أدل على ذلك من أنه قدم لمختاراته الشعرية التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب قائلاً: الأناقة الشديدة التي يملكها عبد القادر حميدة، هي من ذلك النوع الطيب الذي يظهر أمامك في إطار إنساني، وتمس قلبك، ويسعد ذوقك، لأنها ليست أناقة مادية فقط، ولكنها أناقة روحية في الحديث وحرارة العاطفة، وحسن اختيار المواقف . وكثيراً ما أحس، كلما رأيت عبد القادر حميدة، أو فكرت فيه، أن الحياة عنده، هي لوحة فنية، يجب أن يتقن رسمها، ويعطيها من جهده وموهبته واهتمامه، ما يجعل منها تحفة، وكثيراً ما أحس أيضاً أنه عازف يقدم إلينا في كل تصرفاته ومواقفه، لحنا من أجمل الألحان وأصدقها وأكثرها تأثيراً في الأذواق والنفوس .

⏪1
الرسالة الأولى

أخي الحبيب عبد القادر
تحياتي وأشواقي

أولاً: تهنئتي الحارة المخلصة بمنصبك الجديد الذي تستحقه بموهبتك وأخلاقك وقدرتك على خلق علاقات إنسانية طيبة في العمل، وكلها من صفات القيادة التي نتمنى لك المزيد منها خدمة للآخرين لا خدمة لك .

ثانياً: كنت أنتظرك في الإجازة، ولكن يبدو أنك عدلت عن هذه الإجازة إلى حين، ونحن في الانتظار .

ثالثاً: أين #187;مريود#171; الطيب صالح، لقد عذبتني مريود أشد العذاب، لأن الناشر يصرخ وأنا لا أملك من أمر مريود شيئاً .

رابعاً: هل تتكرم، وألح عليك في ذلك، بإعادة مقالة الدكتورة سهير القلماوي، ومقالة الدكتور ميلاد حنا مع صورها إلى عنواني، #187;دار الهلال#171;، شارع المبتديان، القاهرة، مصر بالبريد المسجل حتى نضمن وصول الرسالة . . ألح عليك يا عزيزي عبد القادر في ذلك، لأن الدكتورة سهير والدكتور ميلاد يلحان في طلب هاتين المقالتين، ولن أرسل إليكم بعد ذلك إلا مقالات يملك أصحابها نسخا منها .
لك حبي وشكري إلى اللقاء

*رجاء النقاش

⏪2
الرسالة الثانية
أخي الحبيب عبد القادر

تحياتي وأشواقي كنت أود أن أكتب إليك منذ عودتي، ولكنني كنت أؤجل ذلك يوماً بعد يوم على أمل أن أكتب إليك رسالة طويلة، ولكن كانت القاهرة تجرني بمشاغلها الحادة العنيفة، دون أن أتمكن من تحقيق ما أريد، فاعذرني واغفر لي . إنني أشكرك يا أخي على كل ما لقيته وألقاه منك من ود واهتمام، وخاصة تلك الأيام التي قضيتها بينكم حيث وجدت منك كما تعودت أكرم المشاعر وأنقاها، فاقبل شكري يا أخي العزيز وهو شكر لا تفي به الكلمات مهما كانت وأملي أن أسمع منك وعنك كل خير ويا ليتك تكتب لي، وأنا سعيد بانتظامك في الكتابة للدوحة فنحن نراك ونلتقي بك على صفحتك كل شهر، وثق أنه لقاء عزيز ننتظره بالشوق والحب على الدوام .

أرسلت إليك يا أخي العزيز مقالاتي التي راجعتها وقمت بترتيبها حسب شهور النشر، وأرجو أن تكتب لي رسالة تطمئنني فيها إلى وصول هذه المقالات، ما زال عندي مقال واحد لم أراجعه حتى الآن وسأرسله إليك بعد مراجعته، كما أنني سأرسل إليك مقالاً آخر بدلاً من مقال الدكتور رشدي فكار الذي أرجو إلغاءه وعدم نشره، كما أرجو أن تنشر النصوص التي أرسلتها إليك للمقالات لأنها هي وحدها المصححة .

أرسل إليك مع هذه الرسالة شيكاً وصلني باسم الصديق الفنان أبو المعاطي أبو النجا، وأنت تعلم أن #187;أبو المعاطي#171; في الكويت، وأنا لست متأكداً من عنوانه وإلا كنت أرسلته إليه، فأرجوك أن تعمل على إرسال الشيك إليه على عنوانه في الكويت، وأرجوك أن تهتم بذلك وأنا أعلم أنك سوف تهتم، فأبو المعاطي عزيز عليك كما هو عزيز علينا جميعا، وأرجو أن تبلغه تحياتي إذا تحدثت معه أو كتبت إليه .

أرجو أن أكلفك أمراً آخر يخص عزيزنا الفنان الإنسان الطيب صالح، فهو مطلوب منه إرسال #187;رواية مريود#171; لإعادة نشرها، والصلحي يرسم لها الغلاف، وأنا أريد أن تصل إليَّ النسخة المعدة للنشر بسرعة لأن الطبعة الأولى نفدت، والناشر يلح في طلب إعادة طبعها لأنها مطلوبة وأنا أمنعه من نشر الطبعة السابقة لما فيها من أخطاء ولسوء إخراجها، أرجوك أن تحث الطيب على إرسال النسخة المصححة وغلاف الصلحي بأسرع ما يمكن حتى أتمكن من إرسال هذه النسخة للناشر بسرعة #187;ارسلوا لي مريود وغلافها على القاهرة وسأسلمها لمن يعطيها للناشر#171; .

اكتب لي يا أخي الأعز عنك وعن هذه الأشياء التي حدثتك عنها، واغفر لي تأخري عليك فدينك ثقيل في عنقي والبطء في أدائه طبيعي، فما أعرف كيف أؤديه، لك حبي وشكري وتحياتي لك وللعائلة .

*رجاء النقاش

⏪3
الرسالة الثالثة

أخي العزيز عبد القادر
أكتب إليك هذه الكلمات بسرعة لأبلغك تمنياتي وأشواقي، وقد كنا ننتظركم في القاهرة في هذه الإجازة، ولكن لم يكن لنا حظ، أرجو أن تكون بخير، وأن يكون سائر الأصدقاء كذلك، وأرجو منك رغم تقديري لمشاغلك أن تحرص على أن تكون بيننا مراسلات دائمة، لعلنا نستطيع عن هذا الطريق الممكن أن نناقش أمورنا بتفصيل ووضوح، والحق أنني في أشد الحاجة إلى استمرار المراسلة بيننا، فهناك كثير من الأمور التي أود أن أحدثك عنها وأسمع رأيك فيها، بل بصراحة أخوية فإنني سوف أطلب عونك في مثل هذه الأمور، إن ثقتي بك كبيرة جداً، ومن هنا فسيكون اعتمادي عليك بحجم هذه الثقة، إنني أعلم أنني لم أقدم لك في حياتي شيئاً، ولكنني أعلم أيضاً، وبعد أن عرفتك عن قرب، أنك لست ممن يبنون علاقاتهم الإنسانية على المصالح، إنك صاحب قلب كبير وصاحب قيم ومبادئ، وهذا كله شيء نادر في هذا الزمان الذي تبتلع فيه المصالح كل قيمة ومبدأ .

سوف أكتب إليك كثيراً يا أخي، وأملي أن تصل إليَّ منك رسالة متصلة .
واسلم لأخيك المحب
رجاء النقاش
لم تصل إليَّ مريود حتى الآن!
تحياتي لمحمد أبو طالب وعتابي عليه!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المصدر : القاهرة - عيد عبد الحليم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.