الصفحات

لَم يطلبنا اللَّهُ بَعْدَ | قِصَّةً قَصِيرَةً ...*بِقَلَم الأديبة: عَبِير صَفْوَت

⏪⏬
راودتة نَفْسَهُ بِبَعْضِ الْأَفْكَار ، إلَّا كَانَ التَّخَلُّصُ مِنْهَا سَرِيعًا ، قَائِلًا : لَا مَجَالَ لِلْفِكْر هُنَا ، أَبَدًا .
عَكَف الْقَائِد فَرِيقٌ أَوَّل اللّوَاء أَدْهَم حِكِمْدار

يَدَاه عَلَى السّلَاحِ الهجومي خَاصَّتِه
BereetaArx160 ، االَّذِى كَانَ يَحْمِلُهُ
مِثْلَمَا تَحْمِل الْأَرْض بُنْيَانَهَا بِقُوَّة ، وَقَالَ وَهُوَ يَضَعُه جَانِبًا ، بِهَذِه الْمَلاَمِح الصَّارِمَة الَّتِى اضنت لَهَيْب الثَّأْر مِن بَلاَهَةٌ وساخفة الْأَعْدَاء الحقراء ، قائلاً بِقُوَّة اللَّفْظ وَالثَّبَات ، نَاظِرًا
لِلْحُدُود الْمِصْرِيَّة :

إنَّ اللَّهَ لَمْ يطلبنا بَعْد .

نَظَر المجند "محروس" نَظَرِه مُبْهَمَة لَيْسَ بِهَا مَا يَمُنّ عَنْ فَهْمِ ، إلَّا ذَلِكَ الْإِحْسَاس الَّذِى تَجُول بِعَقْل الْغُلَام ، كحارس عَلَيْه احْتِرَام الْقَائِد فِى الْمَعْرَكَة . قَضْم الْقَائِد فَرِيقٌ أَوَّل بِفَمِه رَأْس عِقَابٌ مِنْ السِّيجَار ، وبصقة مُنْتَصِبًا كَالنَّسْر ، يَتَرَقَّب بعيناة خَبَايَا مابين الغُمُوض ، كحارس عَلَى الحُدُودِ ، مَالِك زِمَام حَوْض الْمَوْقِع ، حِين رَأْي رَهِينَةٌ بَيْن كُفُوفٌ الْجُنُود ، حَتَّى أَثِير فِى قَلْبِهِ الْجَدَلَ ، بَعْدَمَا رَآهُ يرتدى بَزَّة جُنُود أَمْثَالِه ، أَخَذ الصَّبْر مِنْه لَحَظَات ، حَتَّى أَمْسَك الجندى مَحْرُوس مِن زراعاه متلفظا بِحَدِّه , يَعْرِضُ عَلَيْهِ سِلَاحٌ "توكاريف" صَغِيرٌ ، مُنَوِّه عَنْ أَمْرٍ :

اُقْتُلْ هَذَا الوغد اللَّعِين ، الَّذِى قُتِل جنودنا و أَرَادَ أَنْ يَرِثَ عزتنا .

اعْتَرَض الْفَتَى مَحْرُوس بَاكِيًا مُفَرِّطٌ الْإِحْسَاس ، متلجما بِالْأَمْر بغتا , وَتُجْلِي بمقلتية الأسي ، ملوحا بكفوفة نَاهِيًا :

لَا أَسْتَطِيعُ فِعْلِ الْأَمْرِ .

خَرَج الْقَائِد أَدْهَم عَن شُعُورُه ، الَّذِى تَجْمَع فِى كفوفة يصفع الْفَتَى بِشِدَّة ، يَذْكُرْه :

إنْ لَمْ تَقْتُلْهُ سيقتلك .

بَكَى "مَحْرُوس" وَهُوَ يُشِيرُ صَوْب الرَّجُل ، الَّذِى قَتَلَ رَجُلًا مِنْ جُنُودِ حَمَاه الْحُدُود الْعَرَبِيَّة ، هَارِبًا متكوما يَجْهَر يَهُمُّهُم : اتركنى وشأنى ، أَنَا لَسْت قَاتَل .

يعاركة أَدْهَم ، يتدنى الْفِعْل مُقَيَّدًا حتَّى امتلكة ، وَضَع الزِّنَاد بَيْن كفوفة ، هامسا بِأُذُنَيْه :

هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَعْدَائِنَا ، وَقَتْل جندى مِن اجنادنا ، وارتدى مُلَابَسَة ، مَاذَا تَظُنُّ نَفْسِك بِفَاعِل ؟ !

مَحْرُوس يُحَاوِل الانفلات مِنْه ، إنَّمَا امتلكة الْقَائِد أَدْهَم بِهَذِه الفحولة مُتَقَيِّدًا بَيْن ضلوعة كَالْهِرّ ، قَابِضًا عَلَيْه مِثْلَمَا يَقْبِض الْأَسَد فَرِيسَتَه ، ضاغطا عَلَى الزِّنَاد مصوبا ظَهَرَ الْعَدُوِّ الَّذِى كَانَ يَرْتَعِش فِى كَنَف الْبَرَاح .

تَلاَشَى رَذاذ الأدخنة ، حَتَّى تَجَلَّتْ بَعْضِ الْوُجُوهِ الصامدة ، فِى مخاضها الِانْتِظَار ، الَّذِى كَانَ هُوَ كُلُّ شَغْلِهَا الشَّاغِل .

حَتَّى اِرْتَسَم الْحُزْنَ عَلَى وَجْهِ الْقَائِد ، قائلاً بِأَلَم يُجَاوِر مَخَافَة الْفَتَى الْمَقْهُور :

هَلْ مِنْ السَّهْلِ ذَلِك ؟ ! قُتِل الْأَرْوَاح ؟ ! هَلْ مِنْ السَّهْلِ ذَلِك ؟ ! الْحُكْم بِالْإِعْدَام عَلَى الْآخَرِينَ ، كُنْتُ يَوْمًا لَا أَتَوَقَّع ، أَنْ أَكُونَ مِنْ الْقِتْلَة ، إلَّا حِينَمَا قَالَت امى :

رَحَل أَخِيك شَهِيدًا بِأَرْض الْمَعْرَكَة ، صَرَخَت وَبَكَيْت وَبَات طموحى الثَّأْر ، كَم رَفَأْت للا إنسانية عَلَى الحُدُودِ ، إنْ لَمْ تُقْتَل قَتَلْت ، إنْ لَمْ تثأر ، ثَار الْأَعْدَاء مِنْك .

نَظَرٌ أَدْهَم صَوْب الْفَتَى المهزوز محزرا :

فِى أَرْضٍ الْمَعْرَكَة مَع الْأَعْدَاء ، تَحْدُث بِإِلَّا أَنْسَانِيه .

قَال مَحْرُوس متهتها ، تصتك أَسْنَانِه :

لِمَا نُشِأت الْحَيَاةِ عَلَى الصِّرَاع ؟ ! وَسِلَاح الْخَوْف فِى قُلُوبِنَا يُضْوَى الْأَسْمَاع ، نَرَى الْمَوْت لَازِمٌ لامثالنا ، وَالْوَطَن أَجْسَادِنَا الْحُرَّة ، إنَّمَا الْأَعْمَار مَرْحَلَة قَصِيرَة ، فِى سَبِيلِ
التُّرَاب ، وَالْعَدُوّ يَتَنَصَّل بِنَا يَرْتَاع .

تَصْنَع أَدْهَم بِالصَّمْت ، وَاسْتَمَع حَتَّى سَكَتَ الْفَتَى وَامْتَثَل لِدَقَائِق الِانْتِظَار وَالْوَقْت .

حَتَّى أَتَمَّ الْقَائِد إشَارَةٌ ، كَان مُفَادُهَا :

كَفًّا بِالْحَدِيث ، لَا وَقْتَ إلَّا لِلْمُقَاتِلَة ، وَأَشْهَر سِلَاحَه يَسْتَعِدّ للمجابهة ، فَإِن اللِّقَاء لِأَمْثَالِهِم مُداهَمَة ثَقِيلَة الْأَحْدَاث ، يَتَحَدَّث التَّارِيخ بِهَا مِنْ الْعَهْدِ ، وَمَازِلْت تَنْتَظِر الْأُمَم صراعات لَن تَكُفّ إلَّا بالصراع ، أَوْ الرَّحِيلِ للاجساد فِى صُمْت يَتَنَاسَاه الْوُجُود ، إلَّا مِنْ خَالِقِه يُكْرِمُه مَعَ الشُّهَدَاءِ فِى جَنَّةِ الْخُلْدِ لِلْأَبْرَار ، خَيْرٌ تَقْدِيرًا لشرفاء الوَطَن الْأَحْرَار .

*عَبِير صَفْوَت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.