الصفحات

الإرهاب مر من هنا | قصة قصيرة ... *ناديا ابراهيم

⏪⏬
حين انتصر الجيش في المناطق المتأخمة للعاصمة، أقامت البنت جمول حفلة، غنى فيها المطرب الشعبي
أبو رياح لترسم البهجة على وجوه المعارف والأصدقاء والجيران، وقفت أمها عذاب الشوفي وسط الشارع

الوسيع وقالت لكل المهنئين بالنصر :
_ أنا فخورة بابنتي جمول،ما قامت به يرفع الراس .
جمول فتاة يتيمة مسكونة بحب الوطن والناس، في النهار عندما يأتي إلى دكانها الأطفال والكبار تعانقهم بكل حنيه،وفي االليل تكتبهم قصائد شعر ،فهي شغوفة بالمطالعة وقراءة القصص والروايات منذ استشهاد
أخيها نمر نذرت ربيع شبابها للدفاع عن الوطن ومقارعة الإرهاب ، وكل من سولت له نفسه الاعتداء على حدود الوطن ،تركت مظهرها على سجيته،وتشبهت بالشباب نسيت أنها صبية،لم تعد تتزين وتضع المكياج والكحل والبودرة وأحمر الشفاه بالرغم من أن والدتها كانت تقول لها دائما حين يزورها خطيبها سرمد :
_ عيب ياجمول ،لديك عريس وعليك أن تتجملي له.
لكن جمول التي كانت مشاعرها تغادرها إلى الوطن وتدفعها للإصرار على مواكبة زمن الموت المحشور بين الشهقة والطلقة كانت تجيبها:
_سأتفرغ له فيما بعد، عليه الانتظار ،فالانتظار يشعل القلب بالنرجس وشقائق النعمان
في ليلة غاب فيها ضوء القمر أخبرها أحد الأصدقاء ممن كانوا يرتادون دكانها لشراء الكولا والدخان أن الإرهابين سيلقون عليها القبض،وما عليها سوى مغادرة الحي بأقصى سرعة إلى مكان آمن ،طوت جمول أوراقها المزخومة بقصائد الشعر ووضعتها في مصنف خاص،ثم غادرت تشرع صدرها للعاصفة لتعيش فصول قصائدها التي كانت تكتبهاكل مساء.ولكنها قبل أن تترك المخيم كتبت إلى خطيبهارسالة تقول فيها:_ ((انا امرأة مثل بقية النساء، كان من الممكن أن اكون لك فينوس عصريةأو ربما عشتار زماني،لكنني ما اخترت يتمي وفقري وقهري،صحيح أن شكلي أفقدني الكثير من إغراءت الانثى لكن القتل والحرب على وطني هما من دفعاني لحرق شبابي واختيار الجراة وكتابة الشعر.
ارتدت جمول بدلة عسكرية مموهة بلون الأشجار الخضراء وغادرت الحي عند آذان الفجر متجه إلى إحدى الثكنات العسكرية ،في الطريق كانت تتمتم مع نفسها لتكسر صمت الأحياء والطرقات الفارغة من البشر: _ علي أن أقتفي دروب الريح ليستريح قلبي من الحزن فإما النصر وإما الشهادة.
انضمت جمول إلى صفوف الجيش وراحت تحلم وتتنفس أنسام الغيم الراعش بحب الوطن لتهطل مطرا سخيا،وقفت على أحد الحواجز العسكرية مع عدد من الجنود تراقب أعداء الوطن من المرتزقة والغرباء.
أشهر مرت وهي مسهدة لاتنام تظل عيناها الساهرتان تطلان على النجوم والقمر وعلى مرابع الطفولة والاصدقاء،وتصلي للرب لتعود للوطن ابتسامته وضحكته المشرعة على الحياة.
حتى تعبت نفسها من عد الضحايا من الأطفال والعجائز والنساء،في إحدى الليالي لقمت بندقيتها بالرصاص وراحت تترصد سيارة للمرتزقة كانت تتجه إلى مخبز المخيم للإستيلاء على قوت اهله من ربطات الخبز اختبأت في بناء مهجور وصوبت نحوهم النار فقتلت أحدهم وجرحت ثلاثة وعادت منتصرة في طريقها كتبت على أحد الجدران بالخط العريض من هنا مر الإرهاب ،وهنا كنسناه، ولم تنل شرف الشهادة، وإلى اليوم مايزال الناس في المخيم عندما يرونها تعتلي دراجتها الهوائيه وتمر بهم .. ينادونها بالفارسة جمول .
*ناديا ابراهيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.