الصفحات

الكاتب العظيم ...* ضياف البراق

⏪⏬
الكاتب العظيم لا يكتب من وراء الأشياء، ولا من أمامها، بل من صميمها، ومن عُمْق أعماقها.
وهو الذي يقف على شفير الهاوية ويكتب.
وهو الذي لا يدور حول الواقع، بل يغوص فيه إلى أقصى حد ممكن، ويقبض عليه بالكامل.

وهو الذي يكتب من الداخل، من داخل روحه، من داخل الحقيقة، من وسط الكارثة، من بين الرصاص، لا من خارجها ولا من مسافة بعيدة. إنه لا يبحث عن الحقيقة فوق السطوح، ولا في القشور، أو بينها، إنه لا يستسلم للمظاهر الخارجية، وإنما يعشق الغوص بجنون، يغوص ويلهث وراء الحقائق، يركض دائمًا إلى حيث الحرائق المشتعلة، يغوص فيها، حتى يُمسِك بجذور النار، ثم يأتي بالحقيقة التي توصَّل إليها.
وهو الذي يمشي على الحَبْل الخطير، يمشي ويكتب دون أن ترتجف يده المُمِسكة بالفكرة والقلم والحقيقة. إنه كاتب فضائحي واِحتجاجي في آن، يكتب لا ليُطفئ النارَ فحسب، بل أيضًا ليشعلها، خاصة لو كان الإشعال ضروريًا أو لا مناص منه. ولهذا كله، فإنّ كتابته ليست دورانية، ولا تسطيحية إملاليّة، ولا استسلامية، بل إنها ناريّة، تثويريّة، إدهاشية وتقدميّة من جميع الجهات، وفي جميع الأحوال.
أمّا الكاتب البارد، الماضوي لا المستقبلي، العادي المُرتجِف.. فهذا طبعًا لا تعنيه الحقيقة (وهو بدونها لا شيء!)، ولا يرتفع بقلمه إلى مستوى كرامة الإنسان إلّا نادرًا وبغير قصد. إنه، باختصارٍ شديدٍ، لا يُمطِر ولا يُدهِش ولا يُضيء، وإنما هو كمن يثرثر مع نفسه تحت البطانية، أو كالذي يبكي فوق جثة وهميّة ميّتة، لا أكثر من ذلك.

*ضياف البراق 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.