⏪⏬
دائما كان هناك خوف من القادم من المستقبل من التشريد والتشرد والتعرض لأي هجمة علينا أو حصول كارثة احتباس الأمطار مثلاً
أو حرائق في الصيف تؤدي إلى كوارث بيئية واقتصادية ، مخاوف الأهل كانت تؤدي إلى تعذيبنا بالحرمان الجميل ،رغم الحالة الميسورة التي كانت أغلبية الناس تتعامل بها وأصبحت جزءاً من الثقافة التربوية لديهم
إلا أن هذا الحرمان أدركناه فيما بعد أسبابه ونتائجه ، كان هذا التعامل والأفعال التي أقحمونا بها يجعلنا نفرح مرتين في السنة فقط وكل مرة تستغرق فيها مدة الفرح لحين وصول الدفعة الثانية من كأن لا ننام في الليالي التي تسبق العيد أو موعد بدء العام الدراسي أو حدوث مناسبة عرس لأحد الأقارب على أثره نذهب للسوق ويتم شراء الملابس لنا طبعاً دون اختيارنا نحن وكانت قضية الذهاب للسوق مع والدتي كانت معجزة تحدث بعد عذاب وانتظار طويل ويكون مزاجها مُنتَزع أساساً .
يلقبونه البالوني أو الروسي لشدة بياض بشرته واخضرار عينيه
رغم هدوئه الشديد وثبات مواقفه ورتابته ، دوما يتحمل الغضب والمشاكسات لم أتركه لحظة طيلة اليوم إلا في ساعات النوم
يكبرني بأكثر من عشرة أعوام كان يشفق لحالي كوني سمراء البشرة باختلاف شقيقتي والإخوة الثلاثة أصحاب العيون الزرقاء والخضراء والبشرة الناعمة البيضاء ، يحملني دوما على ظهره وباقي الأكياس أو دلاء الماء في يديه أينما ذهب أبكي كثيرا عندما يبتعد عني ، وأذكر أنني بكيت يوماً كاملاً حتى فقدت صوتي وأصابني رشح وزكام وسخونة عندما قرر الذهاب للدراسة في مدرسة مهنية ويبيت فيها وتقع في مدينة بعيدة عنا وكان يحضر مرة واحدة كل شهر ليقضي يومين معنا ويعود للمدرسة .
كان ذلك في صيف 1970 حيث قررت والدتي اصطحابي وشقيقي الروسي معها للسوق لتشتري لي حذاء صيفياً ، عبرنا ثلاثتنا سوق المدينة المركزي وهو يحملني تارة ويمسك يدي تارة أخرى ، بدأنا المسير وأنا أتعثر بخطواتي وعيناي معلقة في الأعلى من شدة انبهاري في واجهات المحلات التجارية والدكاكين المتلاصقة والبضائع المزركشة والملابس والألعاب وكانت المرة الأولى التي أغادر فيها المزرعة للمدينة ضجيج وصخب ومناداة على البضائع شعرت أنه يوم القيامة والحساب ولكنه يوم جميل جداً ،
راق لي حذاء صيفي بلاستيكي ( صندل لونه أحمر قانٍ معلق في واجهة إحدى المحال ) ،
وحيث أنني لا زلت أعاني من النطق السليم في لفظ الحروف جيدا بدأت أصرخ ..
( صندل أمح ) أمح بدل كلمة أحمر كنت أسمع والدي يقول : السمراء يليق بها الأحمر ويبدأ إخواني بالضحك ،
اقتنعت والدتي من شدة صراخي واشترت الصندل الأحمر والفرحة تغمرني وقمت بخلع حذائي القديم وانتعلت الأحمر وبدأت بالدبكة والرقص والمارة يضحكون وأخي في حالة خجل ،
عدنا للبيت وأقسم اخي لأمي أنه لن يرافقني إلى السوق مرة أخرى وفي المساء وضعته محاذيا لوسادتي وكلما صحوت أنظر له وأتفقده وفي منصف الليل سحبته ونمت والصندل بين أحضاني خشية عليه،
في صبيحة اليوم الثاني ارتديت الصندل وتبعت والدتي إلى الحقل كي ألهو وأمرح بينما هي تقطف الخضار وخوفاً من أن يتسخ الصندل من التراب قمت بخلعه ووضعته جانباً وبدأت باللعب والذهاب والإياب في البستان الكبير ،
انتهت والدتي من القطاف ونادتني للعودة للبيت ذهبت للمكان الذي وضعت الحذاء الأحمر الصغير فيه فلم أجده
بكيت كثيراً وصرخت حتى أن عيوني لم تظهر من شدة البكاء والحزن وعفرت رأسي بالتراب حزناً على ضياع الصندل ، وفي لحظة تذكرت : كان هناك رجل ياتي من قرية مجاورة لنا دائماً كان يرتدي قميصاً أبيض وبنطالاً أسود عريضاً وحذاء كبيراً أكل الدهر عليه وشرب من التجاعيد بسبب ترقيعه بقطع كاوتشوك يقوم بتسخينها وإلصاقها في مكان الثقوب في حذائه ،
وكان يحمل دلاء ماء ينتشلها من البئر القريب من مزرعتنا ماراً من منتصف الحقل ذهاباً وإياباً ولم أكن أعرف لفظ اسمه
إنه ( العبد فريج ) لم يتوانَ عن نقل الماء من البئر يومها؛
يا ترى هل كان له طفلة في عمري ؟ .
*مريم حوامدة
دائما كان هناك خوف من القادم من المستقبل من التشريد والتشرد والتعرض لأي هجمة علينا أو حصول كارثة احتباس الأمطار مثلاً
أو حرائق في الصيف تؤدي إلى كوارث بيئية واقتصادية ، مخاوف الأهل كانت تؤدي إلى تعذيبنا بالحرمان الجميل ،رغم الحالة الميسورة التي كانت أغلبية الناس تتعامل بها وأصبحت جزءاً من الثقافة التربوية لديهم
إلا أن هذا الحرمان أدركناه فيما بعد أسبابه ونتائجه ، كان هذا التعامل والأفعال التي أقحمونا بها يجعلنا نفرح مرتين في السنة فقط وكل مرة تستغرق فيها مدة الفرح لحين وصول الدفعة الثانية من كأن لا ننام في الليالي التي تسبق العيد أو موعد بدء العام الدراسي أو حدوث مناسبة عرس لأحد الأقارب على أثره نذهب للسوق ويتم شراء الملابس لنا طبعاً دون اختيارنا نحن وكانت قضية الذهاب للسوق مع والدتي كانت معجزة تحدث بعد عذاب وانتظار طويل ويكون مزاجها مُنتَزع أساساً .
يلقبونه البالوني أو الروسي لشدة بياض بشرته واخضرار عينيه
رغم هدوئه الشديد وثبات مواقفه ورتابته ، دوما يتحمل الغضب والمشاكسات لم أتركه لحظة طيلة اليوم إلا في ساعات النوم
يكبرني بأكثر من عشرة أعوام كان يشفق لحالي كوني سمراء البشرة باختلاف شقيقتي والإخوة الثلاثة أصحاب العيون الزرقاء والخضراء والبشرة الناعمة البيضاء ، يحملني دوما على ظهره وباقي الأكياس أو دلاء الماء في يديه أينما ذهب أبكي كثيرا عندما يبتعد عني ، وأذكر أنني بكيت يوماً كاملاً حتى فقدت صوتي وأصابني رشح وزكام وسخونة عندما قرر الذهاب للدراسة في مدرسة مهنية ويبيت فيها وتقع في مدينة بعيدة عنا وكان يحضر مرة واحدة كل شهر ليقضي يومين معنا ويعود للمدرسة .
كان ذلك في صيف 1970 حيث قررت والدتي اصطحابي وشقيقي الروسي معها للسوق لتشتري لي حذاء صيفياً ، عبرنا ثلاثتنا سوق المدينة المركزي وهو يحملني تارة ويمسك يدي تارة أخرى ، بدأنا المسير وأنا أتعثر بخطواتي وعيناي معلقة في الأعلى من شدة انبهاري في واجهات المحلات التجارية والدكاكين المتلاصقة والبضائع المزركشة والملابس والألعاب وكانت المرة الأولى التي أغادر فيها المزرعة للمدينة ضجيج وصخب ومناداة على البضائع شعرت أنه يوم القيامة والحساب ولكنه يوم جميل جداً ،
راق لي حذاء صيفي بلاستيكي ( صندل لونه أحمر قانٍ معلق في واجهة إحدى المحال ) ،
وحيث أنني لا زلت أعاني من النطق السليم في لفظ الحروف جيدا بدأت أصرخ ..
( صندل أمح ) أمح بدل كلمة أحمر كنت أسمع والدي يقول : السمراء يليق بها الأحمر ويبدأ إخواني بالضحك ،
اقتنعت والدتي من شدة صراخي واشترت الصندل الأحمر والفرحة تغمرني وقمت بخلع حذائي القديم وانتعلت الأحمر وبدأت بالدبكة والرقص والمارة يضحكون وأخي في حالة خجل ،
عدنا للبيت وأقسم اخي لأمي أنه لن يرافقني إلى السوق مرة أخرى وفي المساء وضعته محاذيا لوسادتي وكلما صحوت أنظر له وأتفقده وفي منصف الليل سحبته ونمت والصندل بين أحضاني خشية عليه،
في صبيحة اليوم الثاني ارتديت الصندل وتبعت والدتي إلى الحقل كي ألهو وأمرح بينما هي تقطف الخضار وخوفاً من أن يتسخ الصندل من التراب قمت بخلعه ووضعته جانباً وبدأت باللعب والذهاب والإياب في البستان الكبير ،
انتهت والدتي من القطاف ونادتني للعودة للبيت ذهبت للمكان الذي وضعت الحذاء الأحمر الصغير فيه فلم أجده
بكيت كثيراً وصرخت حتى أن عيوني لم تظهر من شدة البكاء والحزن وعفرت رأسي بالتراب حزناً على ضياع الصندل ، وفي لحظة تذكرت : كان هناك رجل ياتي من قرية مجاورة لنا دائماً كان يرتدي قميصاً أبيض وبنطالاً أسود عريضاً وحذاء كبيراً أكل الدهر عليه وشرب من التجاعيد بسبب ترقيعه بقطع كاوتشوك يقوم بتسخينها وإلصاقها في مكان الثقوب في حذائه ،
وكان يحمل دلاء ماء ينتشلها من البئر القريب من مزرعتنا ماراً من منتصف الحقل ذهاباً وإياباً ولم أكن أعرف لفظ اسمه
إنه ( العبد فريج ) لم يتوانَ عن نقل الماء من البئر يومها؛
يا ترى هل كان له طفلة في عمري ؟ .
*مريم حوامدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.