⏪⏬
كانت الشمس تطرد خيوط الظلام؛ تحلق عاليا في كبد السماء؛ كنت أنظر من نافذة البيت المطل على ساحة التحرير؛ أتأمل وجه بغداد
حيث نهر دجلة و أبي نواس و الطرق المزدحمة و الأزقة التي يملؤها صوت الأطفال و هم يركلون الكرة وتلك الجسور التي تربط بين الرصافة و الكرخ و ذلك الزورق الخشبي الصغير
و شارع السعدون و الرشيد و المتنبي الذي يتحول يوم الجمعة إلى -سوق عكاظ- يجمع الناس.. تجد العراق في قلب بغداد.. يستمع للشعر في قاعة علي الوردي و نازك الملائكة و تلك المتاحف الجميلة و باعة الكتب التي تفترش الطرقات.. و تلك المقاهي التي تجمع الشباب و المسنين معا كمقهى "الشابندر" و "الزهاوي" و "الاسطورة"..
كنت صغيراً جالسا أمام التلفاز أنتظر أفلام الكارتون "السندباد" و "علي بابا" و "ياسمينة العصفورة التي ترافق السندباد"
و المشعوذة "ميساء".. و و اللصوص الأربعين.. كنت متشوقا ً لمعرفة ما يجري و فجأة يظهر ذلك المذيع لكي يقدم نشرة الأخبار، كنا نتذمر كثيراً؛ و كان أبي يستمع له و كأنه هو المعني بذلك... تغيرت ملامح وجه أبي أخذ يصرخ بصوت عال: أين أنت ِ ؟
أجابت أمي: أنا هنا في المطبخ..
"جهزي حقيبتي غدا سوف التحق بمعسكر التاجي"..
و منذ ذلك الوقت و أنا أكره نشرة الأخبار..
-أبي متى تعود؟
قال: يا احمد..!! سأعود عندما تشرق تلك الشمس و يعود النورس فوق دجلة يحلق بأمان..
ضمني إلى صدره.. و كانت دموع أمي كأنها المطر؛
تبتسم رغم كل شيء من أجل أبي و الوطن..
كنت أحاول أن أتصرف مثل أبي.. أجلس على كرسيه؛ أسمع فيروز الذي كان يحب صوتها مع الشاي و كعك أمي اللذيذ.. كنت أمزح كثيراً و أخبر أمي بعدم الخروج، أنا رجل البيت.. و هي فرحة بي.. جرس البيت يرن ذهبت لكي أفتح الباب وجدت جارتنا أم عمر عند الباب.... سوف نذهب إلى السوق.
-أمي أريد بعض أوراق الرسم...
عادت من السوق متعبة منهكة.. أخذت أوراقي و بدأت ارسم خارطة الوطن ... و أكمل ما تبقى من الحصص المدرسية..
كانت أمي جالسة منشغلة في أعمال البيت.. فجأة توقف كل شيء هناك بيان عن بدء الحرب.. كانت ملامح الخوف في عيون أمي و هي تقول: بردا وسلاما على العراق و أهله.. الخوف من قصف الطائرات جعلنا نغلق الأبواب و النوافذ و نضع قماشا مبللا من أجل ألا تدخل الإشعاعات الضارة..
سمعت صوت الجرس يرن.. صوت أبي يخترق مسامعي -افتح أيها المشاغب الصغير..!! شعرت حينها أن الحياة بدأت تدب في أركان المنزل.. احتضن أبي أمي و هو يحبس الدمع في عينيه.. جلسنا حول مائدة الغداء قال أبي: بعد إكمال دورة التدريب نقلنا إلى وحدتنا العسكرية؛ لقد جلبت لك هدية ثمينة..
-ما هي يا أبي ؟
-قبضة من تراب الوطن و خوذة شهيد...
*نصر الغزي
العراق
كانت الشمس تطرد خيوط الظلام؛ تحلق عاليا في كبد السماء؛ كنت أنظر من نافذة البيت المطل على ساحة التحرير؛ أتأمل وجه بغداد
حيث نهر دجلة و أبي نواس و الطرق المزدحمة و الأزقة التي يملؤها صوت الأطفال و هم يركلون الكرة وتلك الجسور التي تربط بين الرصافة و الكرخ و ذلك الزورق الخشبي الصغير
و شارع السعدون و الرشيد و المتنبي الذي يتحول يوم الجمعة إلى -سوق عكاظ- يجمع الناس.. تجد العراق في قلب بغداد.. يستمع للشعر في قاعة علي الوردي و نازك الملائكة و تلك المتاحف الجميلة و باعة الكتب التي تفترش الطرقات.. و تلك المقاهي التي تجمع الشباب و المسنين معا كمقهى "الشابندر" و "الزهاوي" و "الاسطورة"..
كنت صغيراً جالسا أمام التلفاز أنتظر أفلام الكارتون "السندباد" و "علي بابا" و "ياسمينة العصفورة التي ترافق السندباد"
و المشعوذة "ميساء".. و و اللصوص الأربعين.. كنت متشوقا ً لمعرفة ما يجري و فجأة يظهر ذلك المذيع لكي يقدم نشرة الأخبار، كنا نتذمر كثيراً؛ و كان أبي يستمع له و كأنه هو المعني بذلك... تغيرت ملامح وجه أبي أخذ يصرخ بصوت عال: أين أنت ِ ؟
أجابت أمي: أنا هنا في المطبخ..
"جهزي حقيبتي غدا سوف التحق بمعسكر التاجي"..
و منذ ذلك الوقت و أنا أكره نشرة الأخبار..
-أبي متى تعود؟
قال: يا احمد..!! سأعود عندما تشرق تلك الشمس و يعود النورس فوق دجلة يحلق بأمان..
ضمني إلى صدره.. و كانت دموع أمي كأنها المطر؛
تبتسم رغم كل شيء من أجل أبي و الوطن..
كنت أحاول أن أتصرف مثل أبي.. أجلس على كرسيه؛ أسمع فيروز الذي كان يحب صوتها مع الشاي و كعك أمي اللذيذ.. كنت أمزح كثيراً و أخبر أمي بعدم الخروج، أنا رجل البيت.. و هي فرحة بي.. جرس البيت يرن ذهبت لكي أفتح الباب وجدت جارتنا أم عمر عند الباب.... سوف نذهب إلى السوق.
-أمي أريد بعض أوراق الرسم...
عادت من السوق متعبة منهكة.. أخذت أوراقي و بدأت ارسم خارطة الوطن ... و أكمل ما تبقى من الحصص المدرسية..
كانت أمي جالسة منشغلة في أعمال البيت.. فجأة توقف كل شيء هناك بيان عن بدء الحرب.. كانت ملامح الخوف في عيون أمي و هي تقول: بردا وسلاما على العراق و أهله.. الخوف من قصف الطائرات جعلنا نغلق الأبواب و النوافذ و نضع قماشا مبللا من أجل ألا تدخل الإشعاعات الضارة..
سمعت صوت الجرس يرن.. صوت أبي يخترق مسامعي -افتح أيها المشاغب الصغير..!! شعرت حينها أن الحياة بدأت تدب في أركان المنزل.. احتضن أبي أمي و هو يحبس الدمع في عينيه.. جلسنا حول مائدة الغداء قال أبي: بعد إكمال دورة التدريب نقلنا إلى وحدتنا العسكرية؛ لقد جلبت لك هدية ثمينة..
-ما هي يا أبي ؟
-قبضة من تراب الوطن و خوذة شهيد...
*نصر الغزي
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.