⏪⏬
قرّرت جمعية الدفاع عن حقوق وحريات المرأة الحديثة بإقامة رحلة ترفيهيّة لأعضاء الجمعيّة. وكان ضمن المدعوّين الرسميين السيّد
عبد القادر الزكري، نائب معروف ببسالته في الدفاع عن مكاسب المرأة. وتكريما لمجهوداته العظيمة تمّت استظافته للحضور كضيف شرف في قرية نائية بالجنوب التّونسي تحاصرها الكثبان الرمليّة من كل الزّوايا . أثناء مرور موكب السيارات الفارهة، أثار مشهد غريب فضول النائب حينما رأى قافلة تسير في عرض الصحراء متاخمة الطريق المعبّد. حينما رأى امرأة تهان وتعامل بطريقة رجعيّة. فصاح على الموكب بالتوقّف. وتظهر على ملامحه الغضب والهيجان.. ونزل من السيّارة، لفحه الشهيلي ووهجه ومالت ربطته عنقه على كتفه الأيسر أثر توجهه بيده اليمنى نحو فتح الباب لزوجته. كانت سيّدة في لباس إفرنجيّ ناولها قبّعة صفراء اللّون تزيّنها وردة حمراء بتصميم بريطاني جميل.
أشار بيده نحو
الصحفي مروان شهر نسنوس الذي يتابع كل شاردة و واردة لخطوات هذا الرجل .لما يخلقه من ضجّة وصدى كبير في تصريحاته النّارية ضدّ خصومه. يمشي بخطوات سريعة نحو شيخ يكاد ينطق وجهه عن غياهب الزّمن وما فعلته مآسي البداوة و تشعّباتها. أثار صياح النائب وحركاته الفرعونية فزع الجمل الذي يقوده العم محمود شيخ القبيلة. علما وأن للإبل ميزة إلهيّة يتفرّد بها عن باقي الحيوانات. حيث يرى كل ما حوله من كائنات طبيعية وبشرية في حجم كبير ومختلف عن ما يراه الإنسان الطبيعي وعدسات التكبير في الكاميرا. فجاة هزّ الجمل ساقيه بإنتفاضة تسودها الهلع مع تناثر الرمال الذهبية يمنة ويسرى وكأنّها عقد من الحلي تفتّت إلى أجزاء من رقبة ناصعة البياض كلون الثّلج لفتاة ترقص بحماس في أداء عرض النخّ في حفل زفاف. واشرأبّ عنقه والتوى إلاّ انّ العم محمود بحذقه وحركات لولبية سحرية استطاع ان يهدّا من روعه. بلهجة عنجهيّة قال عبد القادر : _ما للمرأة هكذا أيّها المتخلّف ؟؟؟
فإبتسم الشيخ والغموض يداري وجهه ثمّ تكلّم بنبرة ساخرة وذات صبغة تربويّة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيّها المهذّب. فارتبك النائب المحنّك من التسديدة المباشرة من هذا البدويّ البسيط. وإذا بنسنوس يصدر شخرات نتيجة تحكّمه الصعب لعدم إظهار حالة الضحك الهستيريّة ممّا زاد في توتّره واشتشاط غضبا وغلياناً. فأردف محمود قائلاً: كدت ان تسقط لي مسعودة يا حضرة المحترم. فردّ قائلا : لو كنت تعرف قيمتها لما ألبستها هذا اللباس وسجنتها فيه. مخاطبا إيّاه برمزيّة السياسي وألاعيبه في حبك خطاب مناهض للعنف ضدّ المرأة وتقييدها بأوتاد يراها كقفص مرصّع بالنصوص القديمة التي تقوّض تحرّكات النساء من أجل التحرّر. مطالباً إيّاه بفكّ الحصار الذكوري. كان يسترق النّظر تارة إلى نسنوس تثبّتا من أنّه يسجّل خطابه النّاري عن كثب. وتارة أخرى يلتفتُ محدّقا بنظرات الشّفقة الى تلك المرأة المتربّعة على عرش الهودج شامخة كنخلة باسقة أصلها في الأرض وفرعها في السّماء. فضحك العمّ محمود رجل صحراويّ دقيق الملاحظة فقال له ببساطة : _ يبدو أنّك رجل مهمّ يا بني وتريد أن ترتقي وتكتسب شهرة على حساب المرأة. وربّت على كتفه بسلاسة وانحنى إلى أذنه هامساً اليه بصوت خافتٍ أبني مرهم بغلق البث للكاميرا درءا للمسّ من سمعتك و
خسرانك في جدال بيزنطي لا فائدة منه. فأطلق قهقهات متعالية وأسمع الحاضرين بعجرفة يريد مناظرتي أنا. فغضب الشيخ من ردّة فعله الصبيانيّة ثمّ تقدّم إلى عدسة الكاميرا مردّدا بأنّه أكثر حرصاً في صون لؤلؤته المكنونة كما يُطلق عليها ويدافع بشراسة للحفاظ على نساء عشيرته المنسيّة والمنفيّة في آخر الخريطة التونسيّة بشهامة وإخلاص صادق وبدون مقابل أَو لهفة على السلطة مستعملاً كل الأساليب المتاحة لديه ومذلّلا كل الصعاب الحياتيّة دون مساعدة ايّة جمعيّة حقوقيّة تدّعي في ظاهرها الدفاع عن المرأة و غايات سياسيّة ونهماً على السلطة علاوةً أنّهم لم يعطوها حقّ قدرها وقيمتها الجوهريّة المنوطة بها، فنظر السيّد عبد القادر إليه متعجّباً شارد الذّهن لوقع الكلمات الحارقة وكأنّها لهب الشّهيلي حين يحرق بشرة ناعمة لم تتعوّد بالمناخ الجاف، إلاّ أنّه كعادته يُلقي بعينيه الى مجهر العدسة المرتعشة في يد نسنوس الذي لم يعد مسيطرا عليها من شدّة الضحك أمام موقف دراميّ ساخر لم يعهده من قبل على تلك الشخصية الفذّة المشاكسة في أغلب المنابر التلفزيّة فتفطّن الى ارتباكه والموقف المحرج الذي وقع فيه فأراد ان يحفظ ماء وجهه بدهاء فجاءته فكرة بورڨيبة في تلك اللّقطة الشهيرة حين نزع رداء المرأة فإتّجه نحو مسعودة وطلب منها ان تدنو اليه لينزع منها السترة التي تحجب وجهها عن الآخرين فصاح العم : _احذر لا تتقدّم إلاّ أنّه واصل السّير بغرور ليتفاجأ بحركات غريبة من الجمل حين أطلق ذيله الى السّماء وأحدث رغاءاً كأنّه في ساحة الوغى يمتطيه فارس أصيل يدافع على عرضه وأرضه والمتمعّن في صَوته و إيقاع هديره يأخذه إلى لحن الفيافي والبيداء وحكاوي كبير النّجع يروي للطبيعة عن سنوات الكلأ والظمأ. كما أنشد الأَصمعي: أَزامِجاً وزَجَلاً هُزامِجا
فتراجع النّائب الى الوراء بحركات لا متناسقة ممّا أدّى الى سقوطه ليمتلأ شعره النّاعم بأرقى المساحيق المستوردة من فرنسا، و غبار الرمال يكتسي شعره المنفوش. فهرع حرّاسه استنجادا منهم لمساعدته على الوقوف ونفض ما طرأ عليه من أوساخ علقت ببدلته الإيطاليّة ذات الطّراز الرّفيع. ثمّ صاح على نسنوس لوقف التّصور الا أنّ هذا الأخير ترك الكاميرا ثابتة على أعمدتها الثلاثية فارّا الى السيّارة. تدخّل الشيخ محمود يغلبه الضّحك : حذّرتك يا بُني
فردّ النائب والحيرة تعتريه على تصرّف الدابّة وقال : أتمتطي المرأة حيوانا غير مروّض. فأجاب العمّ: هو في قمّة الترويض فقد أتعرّض لقطّاع الطرق في قلب الصحراء ولا أستطيع التنسيق بين الدفاع عن المتاع والدواب وزوجتي في نفس الوقت فقُمت بتدريبه لعدم الخضوع للغريب وهي على متنه. فيقوم بالرّفس والعضّ دفاعًا عنها حينما أكون عاجزاً عن حمايتها. وهكذا طوّعتُ لها حارسا شخصيٍا أجدر من حرّاسك الذين وقعت أمام أعينهم. أليست هذه حماية للمرأة التي تتّهمني بعدم حسن معاملتها وهضم حقوقها الإجتماعية فأنبهر من هذه الطريقة العجيبة للفحل الذى روّض فحلا من الإبل يهاب على أنثاه. فهرب من شدّة خيبته ليراَوغ بإجابة سياسية خبيثة : ولماذا تحجبها على النّور وتأخذها إلى الظلام ؟ فأجاب بفطنة البدو الرحّل أنّه لاحظه حينما نزل من سيارته الراقية بأنّه ناول زوجته قبّعتها فسأله : لماذا ناولتها القبّعة حينما نزلت لتخفي جمال شعرها الحريريّ. فأجاب بسرعة : ألا ترى هذه الشّمس يا رجل! كان ردّ الشيخ : أحمي رفيقة دربي بلباس يلاءم معيشتنا وقساوتها لتحافظ على أنوثتها دون اللجوء إلى المساحيق الكيماوية الضارة لبشرتها. فأنا أتعامل مع الطبيعة على سليقتي التي ترعرت فيها.. فأدرك نائبنا الموقّر أنّه المهزوم في كلٍ الجولات مع هذا الحكيم الحاذق في السّجال. متساءلا عن مستواه التعليميّ فأجابه : عصاميّ التكوين وتتلمذ على يد أجداد بارزو الحياة من قبله فلقّنوه عصارة خبرتهم للنّيل منها ومن مشاربها ونهل من رواياتهم في ليال طوال تحت نجوم تضيء عتمة الأدهم الطويل. ترافقهم حلقة من الأحبّة تتوسّطهم نار تدفأهم من وحشة البرد؟، يحتسون كؤوسا من الشاي الأخضر ليزدادو ألفة في سمرهم. فتدخّلت السيّدة الراقية لإنقاذ بعلها من ورطة وقع في شراكها قائلة بصوت مرتعش : تعبتُ من الوقوف! فلنذهب وندعهم وشأنهم فالطريق طويلة... فانقضّ الشيخ محمود قائلا: _نعم أحسنت تدخّل رشيق من امرأة رشيقة تخاف على صورة محبوبها من مطبّ سقط فيه بإرادته إلاّ أنّه يا عزيزتي لم يراعي مشقّتك من الوقوف ومتغاضيا على راحتك. وهذا ما يقابله من رجل رجعيٍ مثلي كما نوّه بكلامه، اثر سير شاقّ في صحراء لا حدود لها تمتطي مرأتي سفينة الصحراء وأحميها من تكبّد عناء السّفر وأنا المترجّل وقدماي تتورّم من شدّة الوجع. فمن منّا ذكوريّ التفكير؟ ومن يدافع ببسالة عن حقوق المرأة وحرٍياتها ويساعدها من أجل حياة
كريمة وكلّ من مقامه الذي يسكن فيه. فنواميسكم لا تتطابق مع نمط عيشي. واستدرك في كلامه : كدت أن أنسى طقوس الضيافة فنحن أهل الجود والكرم فقدومك كان على غفلة فأنا لا أملك سوى حفنة من التّمر وقليل من حليب الإبل. فطلب من مسعودة ان تناوله تلك الظّبية! وهي عبارة على غزالة اصطادها العمّ و أكلوا لحمها و حاكت جلدها بعد ان جفّفتها بالملح والدّبغ لتخيط منها خزانة صحراويّة تحفظ متاعهم من الحرّ والصرّ. قدّم لهم ما بحوزته من تمر. واستدعى عبد القادر الصحفي نسنوس ان يلتقط له صورة فوتوغرافية للذكرى مع الشيخ وجمله وظبيته لعلّه يستثمرها في غرض سياسيّ ما.
اشتغلت محركّات السيارات بجنون لتعبر الطريق وتطوي ثناياه طيّا و بدأ تبتعد شيئا فشيئا بين الكثبان وكأنّها حبّات زيتون في طبق من الكسكسي التّونسي الشهيّ. وعبر مرآة السيارة اليمنى يشاهد النائب مسير القافلة كسراب. اثر ايّابهم الى العاصمة تفاهم السيّد عبد القادر مع مروان النسنوس ان يلتقيا في بار الرونديفو في نهاية الأسبوع. يوم السبت تمّ اللقاء بين النّائب والصّحفي و كانت أكواب البيرا تؤثث جلستهم المعتادة. بينما الموسيقى الصاخبة قال عبد القادر : صديقي مروان أرجوك ان لا يتمّ بثّ الفيديو او صدور ايّة مقال عن ما جرى في رحلتنا الأخيرة. وأنا سأوفي لك بوعدي بتقديم لك مبلغاً ماليّاً يكفيك مدّة زمنيّة طويلة.
أجاب مروان النسنوس : _نعم سيّدي النّائب وحفاظا على صورتك الموقّرة أمام الرأي العام لن يصدر منّي شيئا إطلاقا يشوّه مسيرتكم النضاليّة في المشهد السياسي ودفاعكم عن قضايا المرأة.
نسنوس صحفيّ عرف بطمعه ومقالاته التي تصدر في الإشاعات والأخبار الزائفة يبحث عن الضجّة الإعلامية لا يهمّه في سياسيّ او فنّان يغريه بأمواله، هو الشّره صديق لمن يدفع أكثر. حيثُ باع الفيديو الذي صوّره للعمّ محمود والنّائب عبد القادر الزكري بثمن باهض لقناة الحدث التونسيّة وحقق نسبة مشاهدة كبرى بإعتبار ها سبقاً صحفيّا أحدث زلزالاً تناولته الصحافة والقنوات التلفزيّة في فترة زمنيّة حسّاسة قلبت المشهد السياسي في البلاد.
*الغرياني بالسّعيدي
حزوة - تونس
قرّرت جمعية الدفاع عن حقوق وحريات المرأة الحديثة بإقامة رحلة ترفيهيّة لأعضاء الجمعيّة. وكان ضمن المدعوّين الرسميين السيّد
عبد القادر الزكري، نائب معروف ببسالته في الدفاع عن مكاسب المرأة. وتكريما لمجهوداته العظيمة تمّت استظافته للحضور كضيف شرف في قرية نائية بالجنوب التّونسي تحاصرها الكثبان الرمليّة من كل الزّوايا . أثناء مرور موكب السيارات الفارهة، أثار مشهد غريب فضول النائب حينما رأى قافلة تسير في عرض الصحراء متاخمة الطريق المعبّد. حينما رأى امرأة تهان وتعامل بطريقة رجعيّة. فصاح على الموكب بالتوقّف. وتظهر على ملامحه الغضب والهيجان.. ونزل من السيّارة، لفحه الشهيلي ووهجه ومالت ربطته عنقه على كتفه الأيسر أثر توجهه بيده اليمنى نحو فتح الباب لزوجته. كانت سيّدة في لباس إفرنجيّ ناولها قبّعة صفراء اللّون تزيّنها وردة حمراء بتصميم بريطاني جميل.
أشار بيده نحو
الصحفي مروان شهر نسنوس الذي يتابع كل شاردة و واردة لخطوات هذا الرجل .لما يخلقه من ضجّة وصدى كبير في تصريحاته النّارية ضدّ خصومه. يمشي بخطوات سريعة نحو شيخ يكاد ينطق وجهه عن غياهب الزّمن وما فعلته مآسي البداوة و تشعّباتها. أثار صياح النائب وحركاته الفرعونية فزع الجمل الذي يقوده العم محمود شيخ القبيلة. علما وأن للإبل ميزة إلهيّة يتفرّد بها عن باقي الحيوانات. حيث يرى كل ما حوله من كائنات طبيعية وبشرية في حجم كبير ومختلف عن ما يراه الإنسان الطبيعي وعدسات التكبير في الكاميرا. فجاة هزّ الجمل ساقيه بإنتفاضة تسودها الهلع مع تناثر الرمال الذهبية يمنة ويسرى وكأنّها عقد من الحلي تفتّت إلى أجزاء من رقبة ناصعة البياض كلون الثّلج لفتاة ترقص بحماس في أداء عرض النخّ في حفل زفاف. واشرأبّ عنقه والتوى إلاّ انّ العم محمود بحذقه وحركات لولبية سحرية استطاع ان يهدّا من روعه. بلهجة عنجهيّة قال عبد القادر : _ما للمرأة هكذا أيّها المتخلّف ؟؟؟
فإبتسم الشيخ والغموض يداري وجهه ثمّ تكلّم بنبرة ساخرة وذات صبغة تربويّة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيّها المهذّب. فارتبك النائب المحنّك من التسديدة المباشرة من هذا البدويّ البسيط. وإذا بنسنوس يصدر شخرات نتيجة تحكّمه الصعب لعدم إظهار حالة الضحك الهستيريّة ممّا زاد في توتّره واشتشاط غضبا وغلياناً. فأردف محمود قائلاً: كدت ان تسقط لي مسعودة يا حضرة المحترم. فردّ قائلا : لو كنت تعرف قيمتها لما ألبستها هذا اللباس وسجنتها فيه. مخاطبا إيّاه برمزيّة السياسي وألاعيبه في حبك خطاب مناهض للعنف ضدّ المرأة وتقييدها بأوتاد يراها كقفص مرصّع بالنصوص القديمة التي تقوّض تحرّكات النساء من أجل التحرّر. مطالباً إيّاه بفكّ الحصار الذكوري. كان يسترق النّظر تارة إلى نسنوس تثبّتا من أنّه يسجّل خطابه النّاري عن كثب. وتارة أخرى يلتفتُ محدّقا بنظرات الشّفقة الى تلك المرأة المتربّعة على عرش الهودج شامخة كنخلة باسقة أصلها في الأرض وفرعها في السّماء. فضحك العمّ محمود رجل صحراويّ دقيق الملاحظة فقال له ببساطة : _ يبدو أنّك رجل مهمّ يا بني وتريد أن ترتقي وتكتسب شهرة على حساب المرأة. وربّت على كتفه بسلاسة وانحنى إلى أذنه هامساً اليه بصوت خافتٍ أبني مرهم بغلق البث للكاميرا درءا للمسّ من سمعتك و
خسرانك في جدال بيزنطي لا فائدة منه. فأطلق قهقهات متعالية وأسمع الحاضرين بعجرفة يريد مناظرتي أنا. فغضب الشيخ من ردّة فعله الصبيانيّة ثمّ تقدّم إلى عدسة الكاميرا مردّدا بأنّه أكثر حرصاً في صون لؤلؤته المكنونة كما يُطلق عليها ويدافع بشراسة للحفاظ على نساء عشيرته المنسيّة والمنفيّة في آخر الخريطة التونسيّة بشهامة وإخلاص صادق وبدون مقابل أَو لهفة على السلطة مستعملاً كل الأساليب المتاحة لديه ومذلّلا كل الصعاب الحياتيّة دون مساعدة ايّة جمعيّة حقوقيّة تدّعي في ظاهرها الدفاع عن المرأة و غايات سياسيّة ونهماً على السلطة علاوةً أنّهم لم يعطوها حقّ قدرها وقيمتها الجوهريّة المنوطة بها، فنظر السيّد عبد القادر إليه متعجّباً شارد الذّهن لوقع الكلمات الحارقة وكأنّها لهب الشّهيلي حين يحرق بشرة ناعمة لم تتعوّد بالمناخ الجاف، إلاّ أنّه كعادته يُلقي بعينيه الى مجهر العدسة المرتعشة في يد نسنوس الذي لم يعد مسيطرا عليها من شدّة الضحك أمام موقف دراميّ ساخر لم يعهده من قبل على تلك الشخصية الفذّة المشاكسة في أغلب المنابر التلفزيّة فتفطّن الى ارتباكه والموقف المحرج الذي وقع فيه فأراد ان يحفظ ماء وجهه بدهاء فجاءته فكرة بورڨيبة في تلك اللّقطة الشهيرة حين نزع رداء المرأة فإتّجه نحو مسعودة وطلب منها ان تدنو اليه لينزع منها السترة التي تحجب وجهها عن الآخرين فصاح العم : _احذر لا تتقدّم إلاّ أنّه واصل السّير بغرور ليتفاجأ بحركات غريبة من الجمل حين أطلق ذيله الى السّماء وأحدث رغاءاً كأنّه في ساحة الوغى يمتطيه فارس أصيل يدافع على عرضه وأرضه والمتمعّن في صَوته و إيقاع هديره يأخذه إلى لحن الفيافي والبيداء وحكاوي كبير النّجع يروي للطبيعة عن سنوات الكلأ والظمأ. كما أنشد الأَصمعي: أَزامِجاً وزَجَلاً هُزامِجا
فتراجع النّائب الى الوراء بحركات لا متناسقة ممّا أدّى الى سقوطه ليمتلأ شعره النّاعم بأرقى المساحيق المستوردة من فرنسا، و غبار الرمال يكتسي شعره المنفوش. فهرع حرّاسه استنجادا منهم لمساعدته على الوقوف ونفض ما طرأ عليه من أوساخ علقت ببدلته الإيطاليّة ذات الطّراز الرّفيع. ثمّ صاح على نسنوس لوقف التّصور الا أنّ هذا الأخير ترك الكاميرا ثابتة على أعمدتها الثلاثية فارّا الى السيّارة. تدخّل الشيخ محمود يغلبه الضّحك : حذّرتك يا بُني
فردّ النائب والحيرة تعتريه على تصرّف الدابّة وقال : أتمتطي المرأة حيوانا غير مروّض. فأجاب العمّ: هو في قمّة الترويض فقد أتعرّض لقطّاع الطرق في قلب الصحراء ولا أستطيع التنسيق بين الدفاع عن المتاع والدواب وزوجتي في نفس الوقت فقُمت بتدريبه لعدم الخضوع للغريب وهي على متنه. فيقوم بالرّفس والعضّ دفاعًا عنها حينما أكون عاجزاً عن حمايتها. وهكذا طوّعتُ لها حارسا شخصيٍا أجدر من حرّاسك الذين وقعت أمام أعينهم. أليست هذه حماية للمرأة التي تتّهمني بعدم حسن معاملتها وهضم حقوقها الإجتماعية فأنبهر من هذه الطريقة العجيبة للفحل الذى روّض فحلا من الإبل يهاب على أنثاه. فهرب من شدّة خيبته ليراَوغ بإجابة سياسية خبيثة : ولماذا تحجبها على النّور وتأخذها إلى الظلام ؟ فأجاب بفطنة البدو الرحّل أنّه لاحظه حينما نزل من سيارته الراقية بأنّه ناول زوجته قبّعتها فسأله : لماذا ناولتها القبّعة حينما نزلت لتخفي جمال شعرها الحريريّ. فأجاب بسرعة : ألا ترى هذه الشّمس يا رجل! كان ردّ الشيخ : أحمي رفيقة دربي بلباس يلاءم معيشتنا وقساوتها لتحافظ على أنوثتها دون اللجوء إلى المساحيق الكيماوية الضارة لبشرتها. فأنا أتعامل مع الطبيعة على سليقتي التي ترعرت فيها.. فأدرك نائبنا الموقّر أنّه المهزوم في كلٍ الجولات مع هذا الحكيم الحاذق في السّجال. متساءلا عن مستواه التعليميّ فأجابه : عصاميّ التكوين وتتلمذ على يد أجداد بارزو الحياة من قبله فلقّنوه عصارة خبرتهم للنّيل منها ومن مشاربها ونهل من رواياتهم في ليال طوال تحت نجوم تضيء عتمة الأدهم الطويل. ترافقهم حلقة من الأحبّة تتوسّطهم نار تدفأهم من وحشة البرد؟، يحتسون كؤوسا من الشاي الأخضر ليزدادو ألفة في سمرهم. فتدخّلت السيّدة الراقية لإنقاذ بعلها من ورطة وقع في شراكها قائلة بصوت مرتعش : تعبتُ من الوقوف! فلنذهب وندعهم وشأنهم فالطريق طويلة... فانقضّ الشيخ محمود قائلا: _نعم أحسنت تدخّل رشيق من امرأة رشيقة تخاف على صورة محبوبها من مطبّ سقط فيه بإرادته إلاّ أنّه يا عزيزتي لم يراعي مشقّتك من الوقوف ومتغاضيا على راحتك. وهذا ما يقابله من رجل رجعيٍ مثلي كما نوّه بكلامه، اثر سير شاقّ في صحراء لا حدود لها تمتطي مرأتي سفينة الصحراء وأحميها من تكبّد عناء السّفر وأنا المترجّل وقدماي تتورّم من شدّة الوجع. فمن منّا ذكوريّ التفكير؟ ومن يدافع ببسالة عن حقوق المرأة وحرٍياتها ويساعدها من أجل حياة
كريمة وكلّ من مقامه الذي يسكن فيه. فنواميسكم لا تتطابق مع نمط عيشي. واستدرك في كلامه : كدت أن أنسى طقوس الضيافة فنحن أهل الجود والكرم فقدومك كان على غفلة فأنا لا أملك سوى حفنة من التّمر وقليل من حليب الإبل. فطلب من مسعودة ان تناوله تلك الظّبية! وهي عبارة على غزالة اصطادها العمّ و أكلوا لحمها و حاكت جلدها بعد ان جفّفتها بالملح والدّبغ لتخيط منها خزانة صحراويّة تحفظ متاعهم من الحرّ والصرّ. قدّم لهم ما بحوزته من تمر. واستدعى عبد القادر الصحفي نسنوس ان يلتقط له صورة فوتوغرافية للذكرى مع الشيخ وجمله وظبيته لعلّه يستثمرها في غرض سياسيّ ما.
اشتغلت محركّات السيارات بجنون لتعبر الطريق وتطوي ثناياه طيّا و بدأ تبتعد شيئا فشيئا بين الكثبان وكأنّها حبّات زيتون في طبق من الكسكسي التّونسي الشهيّ. وعبر مرآة السيارة اليمنى يشاهد النائب مسير القافلة كسراب. اثر ايّابهم الى العاصمة تفاهم السيّد عبد القادر مع مروان النسنوس ان يلتقيا في بار الرونديفو في نهاية الأسبوع. يوم السبت تمّ اللقاء بين النّائب والصّحفي و كانت أكواب البيرا تؤثث جلستهم المعتادة. بينما الموسيقى الصاخبة قال عبد القادر : صديقي مروان أرجوك ان لا يتمّ بثّ الفيديو او صدور ايّة مقال عن ما جرى في رحلتنا الأخيرة. وأنا سأوفي لك بوعدي بتقديم لك مبلغاً ماليّاً يكفيك مدّة زمنيّة طويلة.
أجاب مروان النسنوس : _نعم سيّدي النّائب وحفاظا على صورتك الموقّرة أمام الرأي العام لن يصدر منّي شيئا إطلاقا يشوّه مسيرتكم النضاليّة في المشهد السياسي ودفاعكم عن قضايا المرأة.
نسنوس صحفيّ عرف بطمعه ومقالاته التي تصدر في الإشاعات والأخبار الزائفة يبحث عن الضجّة الإعلامية لا يهمّه في سياسيّ او فنّان يغريه بأمواله، هو الشّره صديق لمن يدفع أكثر. حيثُ باع الفيديو الذي صوّره للعمّ محمود والنّائب عبد القادر الزكري بثمن باهض لقناة الحدث التونسيّة وحقق نسبة مشاهدة كبرى بإعتبار ها سبقاً صحفيّا أحدث زلزالاً تناولته الصحافة والقنوات التلفزيّة في فترة زمنيّة حسّاسة قلبت المشهد السياسي في البلاد.
*الغرياني بالسّعيدي
حزوة - تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.