الصفحات

مفتاح السلام العقلي كما يراه الرواقيون ...* بقلم: ماريا پوپوڤا


⏪⏬ ترجمة: فاخرة يحيى

” هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُقْلِقُنَا أَكْثَرَ مَنْ تِلْكَ الَّتِي نَصْطَدِمُ بِهَا وَتُدَمِّرُنَا، نَحْنُ نُعَانِي فِي الْخَيَالِ أَكْثَرَ مِمَّا نُعَانِي فِي الْوَاقِعِ.
” يَقُولُ كورت فينغوت فِي مُنَاقَشَتِهِ لِـ ” هاملت ” فِي مُحَاضَرَتِهِ ” الْأَشْكَالُ الْقَصَصِيَّةِ“: “فِي الْحَقِيقَةِ نَحْنُ لَا نَعْلَمُ إِلَّا الْقَلِيلَ عَنِ الْحَيَاةِ وحَقًّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ الْجَيِّدُ وَمَا هُوَ السَّيِّءُ.

كَمَا أَنَّ الْفَيْلَسُوفَ الإنجليزي آلان واتس كَتَبَ: “إِنَّ عَمَلِيَّةَ الطَّبِيعَةِ عَمَلِيَّةٌ مُتَكَامِلَةٌ مِن التَّعْقِيدِ الْهَائِلِ وَمِن الْمُسْتَحِيلِ حَقًّا تَحْدِيدُ مَا إِذَا كَانَ مَا حَوْلَنَا جَيِّدٌ أَمْ سَيِّئ.

” وَما زِلْنَا نَقْضِي مُعْظَمَ أيَّامِنَا فِي الْقَلَقِ مِن الْأَحْدَاثِ السَّيِّئَةِ الْمُمْكِنَةِ، فَالْخَسَارَاتُ الْمُحْتَمَلَةُ تَنْسَاقُ إِلَيْنَا بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي نُفَكِّرُ بِهَا.

فِي 1930 صَنَّفَ أحَدُ الْكَهَنَةِ الْقَلَقَ بِخَمْسَةِ أَصْنَافٍ، أَرْبَعَةٌ مِنْهَا خَيَالِيَّة وَالْخَامِسَةُ فَقَطْ تَكُونُ قَدْ تَأَسَّسَتْ مِنْ مَخَاوِفَ حَقِيقِيَّة وَالَّتِي تُمَثِّلُ احْتِمَالِيَّةََ 8 % فَقَطْ مِن الْمَجْمُوعِ.

وَلَقَدْ تَغَلْغَلَتْ دَوْرَةٌ إِخْبَارِيَّةٌ مُدَّتُهَا 24 سَاعَةً فِي النَّزْعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَبِلَا شَكٍّ أَدَّى هَذَا إِلَى تَفَاقُمِ الْمُشْكِلَةِ وَتَضَخُّمِهَا بِنِسْبَةِ 8 % لِتَصِلَ إِلَى 98 % وَلَكِنَّ هَذَا التَّزْييفَ لِلْوَاقِعِ هُوَ مَيْلٌ عَقْلِيٌّ قَدِيمٌ أثَّرَ عَلَى النَّفْسِ إِلَى أَنْ تَوَاجَدَ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ بَعِيدًا عَن الأَحْدَاثِ حَوْلَنَا.

قَامَ الْفَيْلَسُوفُ الرُّومَانِيُّ الْكَبِيرُ سينيكا بِاخْتِبَارٍ وَصِفَتُهُ الْفَلْسَفِيَّةُ فِي التَّغَلُّبِ عَلَى الْخَوْفِ بِبَصيرَةٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ ظَهَرَتْ فِي مُرَاسَلَاتِهِ مَع صَدِيقِهِ لوسيليوس الْأَصْغَرَ وَالَّتِي نُشِرَتْ لَاحِقًا بِعُنْوَانِ “ رَسَائِلٌ مِنْ رُوَاقِي ” الَّتِي يُعْطِي فِيهَا سينيكا مَجْمُوعَةً مِنَ الْحِكَمِ الْخَالِدَةِ فِي الصَّدَاقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْبَاطِلَةِ وَالانْضِبَاطِ العَقْلِيِّ الضَّرُورِيِّ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى الْقَلَقِ.

سنيكا


فِي الرِّسَالَةِ الثَّالِثَةَ عَشَرَ “مَخَاوِفٌ بَاطِلَةٌ” كَتَبَ سينيكا:

“هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِن الْأُمُورِ الَّتِي تُقْلِقُنَا أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي نَصْطَدِمُ بِهَا وَتُدَمِّرُنَا، فَنَحْنُ نُعَانِي فِي الْخَيَالِ أَكْثَرَ مِمَّا نُعَانِي فِي الْوَاقِعِ.”
وَعَن الطَّبِيعَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الإنْهِزَامِيَّةِ، وَالَّتِي تُجْهِدُ نَفْسَهَا فِي الإسْتِعْدَادِ لِكَارِثَةٍ وَهْمِيَّةٍ، يَنْصَحُ سينيكا صَدِيقَهُ:

مَا أَنْصَحُكَ بِهِ هُوَ أَنْ لا تَرْضَخَ قَبْلَ حُدُوثِ الْكَارِثَةِ وَتَسْتَاءَ، لِأَنَّ الْأخْطَارَ الَّتِي تَكُونُ قَدْ وَاجَهْتَهَا كَمَا لَوْ أَنَّ الْكَارِثَةَ تُهَدِّدُكَ لَمْ تَأْتِي بَعْدُ وَقَدْ لَا تَأْتِي أبَدًا.
هُنَالِكَ أَشْيَاءٌ تُؤلِمُنَا أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، وَأَشْيَاءٌ تُؤلِمُنَا قَبْلَ أنْ يَنْبَغِي لَهَا ذَلِكَ، وَهُنَالِكَ أَشْيَاءٌ تُؤلِمُنَا حِينَمَا لَا يَنْبَغِي لَهَا أنْ تُؤلِمَنَا عَلَى الاطْلَاقِ، فَنَحْنُ نَعِيشُ تَحْتَ وَطْأةِ الْمُبَالَغَةِ، الْخَيَالِ، التَّرَقُّبِ، وَالْأسَى.

رسم توضيحي لماريا سانوجا من: 100 يوم من الإفراط في التفكير

لِمَاذَا أَتَوَقَّعُ الأسْوَأَ؟

قَدَّمَ سينيكا بَعْدَهَا تَقْيِيمًا نَقْدِيًّا لِلْقَلَقِ الْمَعْقُولِ واللامَعْقُولِ، مُسْتَخْدِمًا خِطَابًا رَائِعًا مُوَضِّحًا فِيهِ حَمَاقَةَ تَبْدِيدِ طَاقَةِ الْعَقْلِ وَالْمَشَاعِرِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أغْلَبَ مَخَاوِفِنَا :

” عَلَى الْأَرْجَحِ هُنَاكَ مَصَائِبٌ قَدْ تَحِلُّ بِنَا وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ وَاقِعَةٌ بَعْدُ، فَكَمْ مِن الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ تَحْدُثْ بِالرَّغْمِ مِنْ تَوَقُّعِ حُدُوثِهَا ! وَكَمْ مِن الْأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ دُونَ تَوَقُّعِ حُدُوثِهَا ! مَا الجَدْوَى مِنْ مُوَاجَهَةِ الْمُعَانَاةِ الَّتِي لَمْ تَأْتِي بَعْدُ ؟ سَتَأْتِي وَسَتُعَانِي مِنْهَا حِينَمَا تَصِلُ لَكَ، تَوَقَّعْ الأفْضَلَ دَائِمًا، مَاذَا سَتَجْنِي مِنْ فِعْلِ هَذَا ؟ الوَقْت. حَتَّى الْحَظُّ السَّيِّءُ مُتَقَلِّبٌ، قَدْ تَصْطَدِمُ بِهِ، قَدْ لَا يَأْتِيكَ لِتُوَاجِهَهُ لَكِنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ لَا يُحَاصِرُكَ، لِذَا يَجِبُ أنْ نَتَطَلَّعَ لِلْأفْضَلِ دَائِمًا.

فن لكاثرين لوبانج ” شَرَائِحُ الْقَلَقِ”: مُلَاحَظَاتٌ وَنَصَائِحٌ لِتَخْفِيفِ حِدَّةِ الْقَلَقِ

قَبْلَ سِتَّةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنْ دِرَاسَةِ ديكارت الْعِلَاقَةَ الْأَسَاسِيَّةَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْأَمَلِ، يَعْتَبِرُ سينيكا أَنَّ لِهَذِهِ الْعِلَاقَةِ دَوْرٌ فِي تَخْفِيفِ الْقَلَقِ لَدَيْنَا:

إنَّ الْعَقْلَ أحيانًا يُصَوِّرُ لِنَفْسِهِ أَشْكَالًا زَائِفَةً مِن السُّوءِ حِينَمَا لَا تَكُونُ هُنَاكَ أَيُّ إشَارَةٍ عَلَيْهَا وَتَنْحَرِفُ الْأَفْكَارُ إِلَى أَسْوَأ الْاحْتِمَالَاتِ مِمَّا قَدْ يُوَلِّدُ ضَغِينَةً لَدَى الْبَعْضِ ضِدَّ أَشْخَاصٍ آخرينَ مَثَلًا، وَقَدْ يَتَطَوَّرُ الْوَضْعُ لِيَصِلَ إِلَى الْغَضَبِ، إِنَّ الْحَيَاةَ لَا تَسْتَحِقُّ الْحَيَاةَ إِذَا تَرَكْنَا أحْزَانَنَا تُسَيْطِرُ عَلَيْنَا لِتُصْبِحَ بِلَا حُدودٍ، دَع الْحِكْمَةَ تُسَاعِدُكَ وَاسَتَهِنْ بِهَذِهِ الْمَخَاوِفِ بِرُوحٍ عَازِمَةٍ وَعَدِّد نِقَاطَ ضَعْفِكَ وَاكْسُرْ حَدَّ الْخَوْفِ بِالْأمَلِ.

لَا شَيْءَ مُؤَكَّدٌ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَكْثَرَ مِنْ أنَّ مَخَاوِفَنَا تَضِيعُ وَتَنْزَوِي وَآمَالَنَا تَسْخَرُ مِنَّا، لِذَلِكَ وَازِنْ بَيْنَ مَخَاوِفِكَ وَآمَالِكَ بِعِنَايَةٍ وَإِذَا غَلَبَ الشَّكُّ عَلَى مَخَاوِفِكَ، انْحَدِرْ لِطَرِيقٍ آخَرَ يُبَدِّدُهَا وَتَوَقَّفْ عَنْ مَا يُضَايِقُ رُوحَكَ
وَيَخْتِمُ سينيكا رِسَالَتَهُ بِقَوْلِهِ أنَّ أَكْثَرَ مَا يُهْلِكُنَا مِن الْقَلَقِ هُوَ انْتِظَارُ حُدوثِ الْكَوَارِثِ، حَيْثُ يَقُولُ أبيقور:”
الْأحْمَقُ هُوَ مَنْ يَكُونُ مُتَأَهِّبًا لِلْحَيَاةِ دَائِمًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.