الصفحات

قراءة في رواية " ذكريات ملوَّثة " للكاتب أيمن عوض

⏪⏬بقلم : مريم كباش
- رواية تحكي واقعاً عربيّاً مؤلماً , وتفضح بجرأةٍ تسلّط بعض المسؤولين الذين يفهمون القيادة فهماً خاطئاً , ويستغلّون مناصبهم في
ظلم الآخرين وممارساتهم اللا إنسانيّة . وقد اعتنى الكاتب بأدقّ التَّفاصيل وصوَّر الشّخصيّات والمشاعر والأحاسيس من خلال إظهار المتناقضات منوّعاً بين السّرد والحوار , كما اعتمد الصّراع بين الشّخصيتين المتناقضتين معزّزاً الفكرة التي أراد إيصالها من خلال شخصيّة رجل الأمن القاسي الظّالم وكيف تغيّر قلبه وسلوكه بعد تعلّقه بفتاة , وقد أشار في الرّواية أنّ الحبّ لا يخضع لقوانين وقواعد محدّدة كما قال : ( فقد يحبّ الشّرير الطَّيب , وقد يتعلّق الطَّيب بالشّرير .. ) ولكن في النهاية الطّيب يغلب الشّرّ
- استطاع الكاتب من خلال وصفه الدقيق واستخدامه للرموز والصّور البيانيّة التّأثير في القاريء وإظهار المعاني العميقة الدلالة .. فرجل الأمن عيونه شديدة الظلمة وشعره الأسود أشدّ من عتمة عينيه .. ليدلّ على إفراطه في القسوة .. بينما يكثّف اللّون الأحمر لمجونه ولياليه الحمراء .. وللقلم الذي يكتب به ليبطش وهو نقيض الأحمر تماما الذي تستعمله منال في التدريس والاختبارات .. ويرمز باللّون الأزرق للصفاء والأبيض للقلب الطّيب .. هذا التضاد الرّئع له قيمة كبيرة في إبراز الشخصيات وصفاتها وله جمالية خاصة ..
- ومع أنّ موضوع الرّواية ليس بجديد وربما قرأنا مثله لكنّ طريقة تناول الكاتب للموضوع جعلته متألقاً متفرّداً رائعاً وكأننا نشاهد الشخصيات في فيلم سينمائيّ تتحاور وتعرض الأحداث ونتفاعل معها باهتمام .. ولعلّ لغة الكاتب القريبة من القلب والواقع البسيطة بمفرداتها المعبّرة الجزلة الأنيقة بعباراتها وهذا الحوار الذي يجريه على لسان شخصياته بانسيابيّة وصدق وبدون تكلّف في المشاعر هو ماجعل الرّواية رائعة .. فقد كان الكاتب أيمن عوض حريصاً على نقل المشاعر والمواقف بأمانة وصدق ومحرّضاً على متابعة قراءة الرواية بشغف وفضول ونحن نقول وماذا بعد ؟
- من الرّسائل الهامّة التّي استوقفتني وأنا أقرأ الرّواية تلك المعاني الرّائعة التي أشار إليها من خلال مجريات الأحداث وهي مثلا :
1 - أشار إلى أنّ الضّعف يغلب القوّة إذا واكبه التّحدِّي والإصرار وعدم الخوف والوعي والتّحلّي بالكبرياء والكرامة ... فهاهي ( منال ) بطلة الرواية برغم أنّها أنثى استطاعت أن تواجه رجل الأمن القويّ القاسي المتسلّط .. وتتحدّاه وتتفوّق عليه بل وتغيّر قلبه وسلوكه .
2- تحدّث في الرّواية عن العلم والثّقافة والوعي ... وهذه إشارة مهمّة جداً برأيي لمجابهة أي ظلم أو عدوان .
3 - تحدّث عن الخوف النّفسيّ وأثره على الأشخاص .
4 - تحدّث عن العدالة ونقيضها على لسان بطلته من خلال رسالة الدكتوراة التي قدمتها .
5 - ولعلّ أهمّ موضوع لفت نظري وأتمنى لو يدّرس في مدارسنا وجامعاتنا هو ماجاء على لسان بطلة الرّواية وهي تناقش رسالة الدكتوراة وماقالته عن مفهوم القيادة , وصفات القائد الجيّد والنّماذج الثّلاث التي قدّمتها وهي :
(القائد هتلر) الذي هيمن على السّلطة وأسَّس النّازية في ألمانيا فكان قائداً بلا إنسانيّة , والنموذج الثّاني وهو ( المهاتما غاندي ) الذي ملك السّلطة بنضاله ضد الاستعمار والظلم فكان إنساناً بلا قوّة , بينما ( عمر بن الخطاب ) كان إنساناً بقوّة , وقويّاً بإنسانيّة , ليخلص الكاتب إلى نتيجة هامّة عن معنى القيادة : ( القوّة مع الرّحمة في آن واحد .. ) , لذلك تساءل على لسان بطلة الرواية ونحن نتساءل معه : ( لمَ لا يكون هذا نهج القادة في مجتمعاتنا وأوطاننا العربيّة ..؟ )
وقد وجه نداءً ومناشدة رائعة ونحن نضمُّ صوتنا إلى صوته :
( نعم لاستخدام القوّة في العقاب لمن يستحق , لا لمن لا يستحقّ )
* عندما قرأت رواية ( طيف ) للكاتب أيمن عوض أعجبت جدّاً برسالة الرّواية ومغزاها الأهمّ : ( الإنسانيّة فوق الحبّ )
هنا في رواية ( ذكريات ملوَّثة ) قرأت رسالة رائعة أيضاً وهي أنّ (الكرامة أقوى من الحبّ ).. فرغم أنّ بطلة الرواية ( منال ) تنازلت وتناست ماضي رجل الأمن الملوّث استجابة لقلبه وانقياداً لقلبها إلا أنها عندما عرفت زيفه , ومافعله بأخيها وكيف استغلّ منصبه لظلم النّاس وتلاعبه بمصائر أبناء بلده استجابت لكرامتها وكرامة أخيها وكرامات النّاس المهدورة وتخلّت عن حبّها وابتعدت عنه وتركته يعاني قسوة النّدم والذّكريات الملوّثة بالظّلم والتسلّط تطارده لعنتها .
هذه الرّواية الرائعة المؤلفة من ( 253 ) صفحة والتي عنونها الكاتب بعناوين فرعية وهي : ( عالمه - المكنونات - اليقين ) اشتغل فيها الكاتب على التّضاد حتّى في عنوانها مما جعلها تنساب في نفس القاريء وإحساسه وإدراكه ليؤكد الكاتب هنا كما أكّد في رواية ( طيف ) على معنى الإنسانية .
رواية رائعة أشكر الكاتب واتمنى له المزيد من النجاح ولرواياته التألق والانتشار وأن نرى رواياته الواقعية الهادفة في كل مكتبات الوطن العربي .

*مريم كباش

-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.