⏫⏬
أجلس في تكاسل، أعد الدقائق الباقية على انطلاق القطار، كانت العربة يلفها الهدوء إلى أن دلفت إليها مجموعة من فتيات الجامعة،
تجر كل منهن ورائها حقيبة سفر ضخمة، ما عدا واحدة، كانت تجر مع حقيبتها شاباً وسيماً يحمل حقيبة ثانية لها، جلسا متقابلين وراحت عينا كلٌ منهما تحتضن الآخر .
إلى جواره جلس والده الشيخ، وعلى مقربة منهما جلست أنا أتأمل الجميع في محاولة لفهم مايدور في نفوسهم من مشاعر وخاصة الأب الذي كان يتابع حوارهما دون أن يشاركهما فيه.
في البداية لم تكن العيون وحدها التي تتكلم، كان اللسان هو سيد البيان، تنافسه وتسانده العيون بحديثها، الذي صار مع مرور الوقت وتزايد ضجيج القطار هو الوسيلة المُثلى والوحيدة للتفاهم.
دققت النظر لأصابع الفتاة، بيمناها خاتم خطوبة حديث يلمع، ظننت أن محدثها هو خطيبها.
تذكّرت على الفور حين كنت في الخامسة والعشرين من عمري، منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان، وقتها كانت أسرتي تعتقد أنني قد بلغت من العمر أرذله، وأن قطار الزواج قد أوشك أن يفوتني، مما جعل حلقة معدنية مشابهة تحيط بأحد أصابع يدي اليمنى، ولكونها كانت غريبة علي، كنت أعاود النظر إليها مرارا وتكرارا، بينما كانت أصابع يدي اليسرى تعبث بها وتحركها من مكانها في محاولة لمنع التهاب الإصبع، مما جعل جليستي في عربة القطار -في تلك الايام البعيدة- تسألني إن كنت حديث عهد بتلك (الدبلة).
عدت من ذكرياتي لمتابعة الاحداث التي تدور حولي، فوجدت أن الفتاة مازالت ممسكة بناصية الحوار، يعلو صوتها أحيانا فيغطي على ضجيج القطار، بينما كان هناك دستة عيون تتجه نحوها في محاولة عقيمة لمتابعة ما تقول.
وفيم راحت الفتاة -من وقت لآخر- تشير نحو صديقتها الجالسة بجوارها وتذكر لمُحدثها الشاب اسمها بالكامل، مؤكدة له أنها غير مرتبطة، أدركت على الفور أنها ليست خطيبته وأنها تحاول أن تجمع بينه وبين صديقتها في خير.
وفي غمرة ذلك كله لم تنس أبداً أن تختتم كل جملة تقولها بابتسامة مميزة تأسر بها القلوب وتُظهر أسنانها العلوية، بيضاء، متراصة، تذكّر ببديع صنع الله، تحاول بذلك ان تثير إهتمام محدثها.
الغريب أنها كانت تتبع كل إبتسامة بلمس قصبة أنفها بسبابة يدها اليسرى، مما جعلني أمعن النظر إلى أنفها قائلاً في نفسي:"لو صح حدسي فسوف تكون على قصبة ذلك الأنف بؤرة خشنة !ّ.
لم تهتم صديقة الفتاة بحديثها المتكرر عنها، بل راحت تزجرها بضيق كلما ذكرت اسمها أمام محدثها، مما جعلني أتصور أنها شعرت بما شعرت به أنا من انبهار الفتاة بالشاب فزهدت فيه!
رحت أتسائل بيني وبين نفسي:
لماذا تشاغل فتاة مخطوبة، شخصاً آخر لا تعرفه؟.
أتكون غريزة حب التملك لديها قوية للدرجة التي تجعلها تنسى أنها مخطوبة؟.
ولماذا تحاول أن تحتفظ به بقربها عن طريق لفت نظره للإعجاب بقريبتها والارتباط بها؟.
وهل ستحاول الاحتفاظ بأي شخص آخر يظهر في حياتها وتعجب به؟.
وما الذي جعلها توافق اصلاً على الارتباط بشخص لا تحمل له مايكفي من حب يصدّها عن الإعجاب بشخص آخر؟.
وكيف تبدأ فتاة مثلها حياتها الزوجية وبداخلها مشاعر كفيلة ببذر بذور الشقاق بينها وبين زوجها؟.
أسئلة كثيرة راحت تجول بخاطري، أحاول البحث لها عن إجابة شافية رغم إداركي التام لصعوبة ذلك.
*عبدالسلام القطري
أجلس في تكاسل، أعد الدقائق الباقية على انطلاق القطار، كانت العربة يلفها الهدوء إلى أن دلفت إليها مجموعة من فتيات الجامعة،
تجر كل منهن ورائها حقيبة سفر ضخمة، ما عدا واحدة، كانت تجر مع حقيبتها شاباً وسيماً يحمل حقيبة ثانية لها، جلسا متقابلين وراحت عينا كلٌ منهما تحتضن الآخر .
إلى جواره جلس والده الشيخ، وعلى مقربة منهما جلست أنا أتأمل الجميع في محاولة لفهم مايدور في نفوسهم من مشاعر وخاصة الأب الذي كان يتابع حوارهما دون أن يشاركهما فيه.
في البداية لم تكن العيون وحدها التي تتكلم، كان اللسان هو سيد البيان، تنافسه وتسانده العيون بحديثها، الذي صار مع مرور الوقت وتزايد ضجيج القطار هو الوسيلة المُثلى والوحيدة للتفاهم.
دققت النظر لأصابع الفتاة، بيمناها خاتم خطوبة حديث يلمع، ظننت أن محدثها هو خطيبها.
تذكّرت على الفور حين كنت في الخامسة والعشرين من عمري، منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان، وقتها كانت أسرتي تعتقد أنني قد بلغت من العمر أرذله، وأن قطار الزواج قد أوشك أن يفوتني، مما جعل حلقة معدنية مشابهة تحيط بأحد أصابع يدي اليمنى، ولكونها كانت غريبة علي، كنت أعاود النظر إليها مرارا وتكرارا، بينما كانت أصابع يدي اليسرى تعبث بها وتحركها من مكانها في محاولة لمنع التهاب الإصبع، مما جعل جليستي في عربة القطار -في تلك الايام البعيدة- تسألني إن كنت حديث عهد بتلك (الدبلة).
عدت من ذكرياتي لمتابعة الاحداث التي تدور حولي، فوجدت أن الفتاة مازالت ممسكة بناصية الحوار، يعلو صوتها أحيانا فيغطي على ضجيج القطار، بينما كان هناك دستة عيون تتجه نحوها في محاولة عقيمة لمتابعة ما تقول.
وفيم راحت الفتاة -من وقت لآخر- تشير نحو صديقتها الجالسة بجوارها وتذكر لمُحدثها الشاب اسمها بالكامل، مؤكدة له أنها غير مرتبطة، أدركت على الفور أنها ليست خطيبته وأنها تحاول أن تجمع بينه وبين صديقتها في خير.
وفي غمرة ذلك كله لم تنس أبداً أن تختتم كل جملة تقولها بابتسامة مميزة تأسر بها القلوب وتُظهر أسنانها العلوية، بيضاء، متراصة، تذكّر ببديع صنع الله، تحاول بذلك ان تثير إهتمام محدثها.
الغريب أنها كانت تتبع كل إبتسامة بلمس قصبة أنفها بسبابة يدها اليسرى، مما جعلني أمعن النظر إلى أنفها قائلاً في نفسي:"لو صح حدسي فسوف تكون على قصبة ذلك الأنف بؤرة خشنة !ّ.
لم تهتم صديقة الفتاة بحديثها المتكرر عنها، بل راحت تزجرها بضيق كلما ذكرت اسمها أمام محدثها، مما جعلني أتصور أنها شعرت بما شعرت به أنا من انبهار الفتاة بالشاب فزهدت فيه!
رحت أتسائل بيني وبين نفسي:
لماذا تشاغل فتاة مخطوبة، شخصاً آخر لا تعرفه؟.
أتكون غريزة حب التملك لديها قوية للدرجة التي تجعلها تنسى أنها مخطوبة؟.
ولماذا تحاول أن تحتفظ به بقربها عن طريق لفت نظره للإعجاب بقريبتها والارتباط بها؟.
وهل ستحاول الاحتفاظ بأي شخص آخر يظهر في حياتها وتعجب به؟.
وما الذي جعلها توافق اصلاً على الارتباط بشخص لا تحمل له مايكفي من حب يصدّها عن الإعجاب بشخص آخر؟.
وكيف تبدأ فتاة مثلها حياتها الزوجية وبداخلها مشاعر كفيلة ببذر بذور الشقاق بينها وبين زوجها؟.
أسئلة كثيرة راحت تجول بخاطري، أحاول البحث لها عن إجابة شافية رغم إداركي التام لصعوبة ذلك.
*عبدالسلام القطري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.