الصفحات

رواية "خلاص" لـ د.هشام قاسم .. بقلم: مصطفى عبدالله


لا يتوفر وصف للصورة.
⏪⏬
العلاقة بين الغرب والشرق كانت دائمًا موضوعًا أثيرًا للكتاب بدءًا من عصر النهضة حينما اتصلت الثقافة العربية بالثقافة الغربية عبر البعثات، وكان الغرب في البداية هو الغرب الأوروبي، وكانت رحلات رواد النهضة أول احتكاك حضاري بيننا وبينه، وقد تمثل
ذلك في أعمال خالدة مثل: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" للطهطاوي، و"علم الدين" لعلي مبارك، و"وضع الساق على الساق فيما هو الفارياق" و"كشف المُخبأ من فنون أوروبا" لأحمد فارس الشدياق، و"عصفور من الشرق" للحكيم، وسندباديات حسين فوزي، و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، و"موسم الهجرة للشمال" للطيب صالح، و"الحي اللاتيني" لسهيل إدريس، وكثير من كتابات أبوبكر العيادي وشريف مليكة وحسين قدري، وعيسى بيومي، وعبدالبديع عبدالله و... و...
ولعل أحدث من تناول هذه العلاقة الدكتور هشام قاسم، مؤلف رواية "خلاص".
ونحن نلاحظ أن العلاقة مع الغرب اختلف طبعها وطبيعتها مع تطور الحياة وتعقد العلاقة بتعقد المصالح، فإذا كان الجيل الرائد نظر إلى الغرب على أنه الغاية التي يُنشدها لما يتمتع به من تقدم في العلم والحريات وضمان الرفاهية، فإن عوامل كثيرة كدرت هذه العلاقة وعكرت صفو مائها، ومنها مبدأ استغلال ثروات الشعوب الفقيرة المتخلفة لكسب المزيد من القوة والثراء وتعطيل الشعوب الساعية للنمو عن تحقيق أحلامها بنصب الفخاخ والكمائن لها، وإغراقها في أزمات متتالية، مما أكد أن الغرب لا يحيا إلا بالسيطرة على مقدرات الشعوب وإملاء سيطرته عليها بقوة السلاح، أو بغواية الرفاهية المصطنعة التي تقدم لهذه الشعوب بعض المنتجات لتسلبها ثرواتها الطبيعية!
والتبست العلاقة وعكسها المثل الشعبي القائل: "اللي يجي من الغرب ما يسر القلب" الذي آمن به كثير من مبدعينا ومنهم الدكتور هشام قاسم؛ ف"خلاص" هي الابنة التي نتجت عن زواج مصري بأمريكية، وكعادة مثل هذه الزيجات تكون شديدة البهجة والحماس في بدايتها وسرعان ما تظهر فيها البثور والأخاديد التي تشوهها وتسلمها للفشل، فالأب الشرقي يريد لمولودته – دون أن يعلن - أن تكون مثله ومثل آبائه واجداده، بينما زوجته تريدها مثلها ومثل أهلها وحضارتها، وهذا ما يستكن أيضًا في وجدانها كأمريكية، وكلاهما لا يفصح عن رأيه، ولكن أفعالهما هي التي تشي بذلك؛ فحينما يود الزوج بعد أسبوع من الميلاد أن يقيم "سبوعًا" لمولودته يكون هذا الأمر مستهجنًا تمامًا من الأم، باعتبار أن ذلك يشكل تأثيرًا في تكوين شخصية الطفلة التي اتفقت الأم مع زوجها من قبل على ترك حرية اختيار نمط حياتها كما تشاء دون تدخل منهما.
وإذا تركنا هذا الصراع بين الأبوين على كيفية تنشئة وليدهما، فإننا نتذكر البعد التاريخي لهذه القضية التي عبر عنها المسرحي الألماني برتولد بريشت في مسرحيته الشهيرة "دائرة الطباشير القوقازية"، وبمعنى آخر فإن القصة تجسد الرغبة في الاستحواذ على حق الآخر.
صاغ المؤلف روايته التي صدرت في سلسلة "الهلال" في لقطات سريعة، وتناول موضوعه من زوايا مختلفة مما سهَّل عليه أن يكون السرد وجهات نظر متقابلة يعرضها دون تدخل منه أو تأثير مباشر على الحدث. ويمتاز المؤلف بخطاب رشيق، ووضوح رؤية للقضية التي يعرضها، وإن كان قد انتهى إلى نهاية لم تكن متوقعة إذ كانت "خلاص" ضحية لذلك الصراع بين القوتين المتقاتلتين دون أن يستطيع أي منهما أن يكون الحماية الحقيقية لها، ولهذا كانت "خلاص" التي استلبتها أمها بعد انتصارها على ثقافة أبيها، مما جعله يعيش في قلق الفشل، ويتجرع ألم الفقد والحزن على أنه لم يحقق ما كان ينشده. بمعنى آخر أن العلاقة بين طرفين إذا لم تنهض على الشفافية والوضوح تنتهي إلى تلك النهايات المعتمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.