الصفحات

علم السياسية تاريخه وجذوره وأصوله تعود إلى تراث الفقه السياسي الإسلامي

⏪⏬
*الدكتورعبد المجيد محمد باعباد
✍ي عتبر علم السياسة علم إسلامي قديم النشأة وليس مستجد من العلوم الحديثة بل علم عربي وجذوره تعود إ لى التراث الفقهي السياسي الإسلامي بل أن جامعاتنا العربية اليوم تعتمده كتخصص علمي جديد ظهر مع تطور الحياة السياسية في العالم وهو بالعكس علم إسلامي قديم النشاة وعربي الابتكار والتأسيس ويرجع فضل تأسيسه الى علماء المسلمين ومفكري الحضارة الإسلامية فهم أول من أسسه وزرعوا بذوره وألَّ فوا فيه الكتب الكثيرة والتي تعتبر مراجع أولية ومصادر أساسية لعلوم السياسة ويعود تاريخ وجود هذا العلم إلى العصور الأولى من عصور الحضارة الإسلامية ففي العام الهجري 260 كانت أول ركيزة تأسيسية ولبنة أساسية لهذا العلم تعود إلى العالم العربي المسلم محمد بن محمد بن طرفان المكنى بابي النصر الفارابي الملقب عند العرب بالمعلم الأول كما يطلق عليه أب الفلسفة السياسية الإسلامية ويرجع الفضل إليه في تأسيس علم السياسة كعلم مستقل عن العلوم الأخرى به تتقدم الدول وعن طريقه تتمكن الممالك لسيادتها ورئاستها وقد ألَّف الفارابي مجموعة من الكتب والمخطوطات والرسائل تناول فيها علم السياسة ومجموعة رسائل سياسية بعضها طبعت ووصلت إلينا ومعظمها ضاعت من مكاتبنا العربية وتوجد بعض منها في متاحف غربية إلا أن ما حصلت عليه التحقيقات العلمية ونشرته دار الكتب المصرية وغيرها مِمَّا تبقَّى من الكتب التي ألَّفها الفارابي وترك وراءه موروثًا علميًّا في كل العلوم وألَّ ف أكثر من مئة كتاب تناول فيها الفنون العلمية المختلفة وجُلُّ ها في الفلسفة والمنطق والموسيقا والفلك والسياسة ومِمَّ ا وصل إلى أيدينا في السياسة مجموع من رسائل وكتب ومخطوطات للفارابي بسلسلة مطبوعات دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن الهند عام 1926 منها كتاب السياسات المدنية وكتاب الآداب الملوكية مخطوط نسخة منه محفوظ بدار الكتب المصرية وكتاب آراء أهل المدينة الفاضلة وطبع أكثر من مرة إ حداها بتحقيق الدكتور البير نادر بيروت 1959وكتاب الفصول المدنية للفارابي ورسالتا تحصيل السعادة كذلك كتاب مجموع في السياسة تضمَّ ن عدة رسائل في علم السياسة لعلماء مسلمين كالفارابي وابن المغربي وابن سيناء وهذا المجموع السياسي تحقيق ودراسة د.فؤاد عبد المنعم والناشر مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية في شوال 1402 هجرية ونقف على رسالة من رسائل الفارابي السياسية إ حداها بالمكتبة الشرقية ضمن مجموع يرتقى نسخه إلى القرن الثامن الهجري ويشتمل على اثنتي عشرة رسالة منها رسالة الفارابي ولا تزيد عدد صفحاتها على 13 صفحة والثانية بالمكتبة الواتكانية وهناك اختلاف بين النسختين مما يدل على أنها نقلت من أصل آخر هذا كما ذكره محقق المجموع الدكتور فؤاد عبدالمنعم وسنقطف لكم شيئًا من رسالة الفارابي جاء فيها في المقدمة الغرض من الرسالة السياسية يقول الفارابي: قصدنا في هذا القول ذكر قوانين سياسية يعم نفعها جميع من استعملها من طبقات الناس في متصرفاته مع كل طائفة من أهل طبقته ومن فوقه ومن دونه على سبيل الايجاز والاختصار على أنه لا يخلو قولنا هذا من ذكر ما تختص بستعماله طائفة دون طائفة وواحد دون واحد منهم في وقت دون وقت ومع قوم دون قوم إذا الواحد من لا يمكنه أن يستعمل في كل وقت مع كل أحد ضرب من ضروب السياسات وتناولت هذه الرسالة أوجه السياسة وقوانينها واحكامها وبدأ بمكانة الإنسان بين غيره من الناس ثم صنف أحوال الناس وما يسلكه المرء من استجلاب السياسة وما يجب عليه أن يحسن سياسته في أعماله وتصرفاته ثم تحدث عن سياسة الإنسان مع نفسه وتناول في الفصل الأول معرفة الخالق وما يجب لعزته ثم تحدث عن النبوات وعن التميز والاتباع ثم تناول الفصل الثاني سياسة ما ينبغي ان يستعمله المرء مع رؤسائه والاجتهاد فيما فُوِّ ض إليه ثم بيَّ ن محاسن الرئيس وذكر أوجه صلاح الرئيس ويقصد بالرئيس هنا أن يكون وزيراً أو مشيرًا أو أميراً أو قائداً أو معلماً ثم تناول حفظ أسرار الرئيس وشرح عن مقابح ومحاسن الرئيس وأحواله الضاهرة وبعدها تناول الاحتراز بالإخبار عن النفس بحضرة الرئيس أما في الفصل الثالث تناول سياسة ما ينبغي للمرء أن يستعمله مع أكفائه ثم صنف الأصدقاء وذكر أصنافهم وأحوالهم كذلك تناول أصناف الاعداء وأحوالهم وطائفة من ليسوا بأصدقاء ولا أعداء وأحوالهم أما في الفصل الرابع تناول سياسة ما ينبغي أن يستعمله المرء مع دونه وهم أصناف الضعفاء وأحوالهم وهم المحاويج ذوو الفاقةوصنوفهم من المقترين ذوو الحاجة وطبائعهم أما الفصل الخامس تناول سياسة المرء مع نفسه وما يجب عليه في ادِّ خار المال وما يتأمل به في وجوه الدخل والخراج ويستقصي النظر في أسباب الدخل والوجوه التي تمكنه من استجلاب المال إلى ملكه ثم تناول الجاه وسياسة ما ينبغي للمرء أن يجتهد كل الجهد في إ حراز الجاه لنفسه ثم تناول سياسة تحصين الأسرار وأصالة الرأى وسياسة المشاورة ولا بد للمرء من المشاورة مع غيره في آراء تدبيره فينبغي أن يستودعها ذوو النيل وكبر الهمة وعزة النفس وذوو العقول والألباب ثم تناول سياسة طلب العلو على العدو ثم ختم بسياسة الأدب وسرد حكم وأمثال سياسية تسبر غور السياسي وتهذب خلق الإنسان فرسالة الفارابي هذه أشتملت على قوانين ومبادئ تقوم عليها السياسة وصنفها من حيث سياسة الإنسان مع نفسه وسياسة الإنسان مع رئيسه وسياسة الرئيس مع رعيته وسياسة الإنسان مع عدوه وسياسة المرء مع أصدقائه ومجتمعه وغيرها ويتضح لنا من خلال هذه الرسالة أن الفارابي ربط بين الفلسفة والسياسة في رسالته وقام بتصنيف فئات الناس وبيَّ ن أداب السياسة وسياسة الرئيس مع نفسه ورعيته حيث تعد هذا الرسالة أول علم سياسي علمي تتناول مفاهيم سياسية ذات فائدة جمة واعتمد الفارابي فيها على التصنيف والتحليل الفلسفي والتفكير السياسي الإسلامي وليس الفارابي فحسب ألف في السياسة بل ساهم مفكري الحضارة الإسلامية وفلاسفتها بتأسيس المفاهيم العلمية لهذا العلم وقدموا بحوثاً سياسية وألفوا كتباً في علم السياسة معتمدين على الواقع المعاصر لهم والتجربة على الوقائع الإسلامية واجراء التجارب في سبيل ترسيخ السلوك القويم والنظام الرشيد وكان الدور لفلاسفة المسلمين في تدوين الفكر السياسي الإسلامي وتقويمه وصولًا إلى المنهج الدال على ذاتية الإسلام وتكامله في فقه السياسة وكان هذا العلم باكورة الفكر السياسي الإسلامي الذي أخد يتكون معتمدًا على التراث الفقهي السياسي وألفت كتب كثيرة شملت دروسًا جمة في علم السياسة كبقية العلوم التي كان الدور الأبرز لاكتشافها والتأليف فيها يعود لعلماء الحضارة الاسلامية لما قام به علماء المسلمين من التدوين والتأليف والتأسيس لعلم السياسة ابتداءً بأبي النصر الفارابي المتوفي (339)هجرية ثم جاء بعده بأعوام أبو القاسم الحسين بن علي المغربي الوزير المتوفى(418) ثم الشيخ الرئيس ابن سيناء المتوفى عام (428) فلو وقفنا على رسالة الوزير المغربي التي تم إ خراجها على نسختين بدار الكتب المصرية الأولى رقم 6 اجتماع تيمور وتقع في 17 صفحة وبخط نسخ حديث واضح يرجع إلى عام 1334 هجري والثانية تحمل رقم 77 مجاميع مصطفى فاضل باشا بدار الكتب المصرية المرجع كتاب المجموع للدكتور فؤاد عبدالمنعم حيث تناولت رسالة الوزير المغربي أنواع السياسات سياسة السلطان لنفسه وسياسته لخاصته وسياسته لرعيته ثم تناول سياسة الخاصة وسياسة العامة واشتملت رسالته على دروس سياسية قيمة لم يتطرق لها الفارابي من قبله مثل سياسة جباية الأموال وسياسة قائد الجيش وسياسة صاحب الشرطة وتناول طبقات العامة وطبقات الخاصة ومراتبهم وتناول سياسة الملك مع الرعية وسياسة الرعية مع الملك وكيف تنشأ أجهزة الحكم من زرع المخابرات لكن رسالة الشيخ الرئيس ابن سيناء كبير أطباء المسلمين وعظيم مفكريهم في السياسة والفلسفة والطب والفيزياء والفلك وغيرها من العلوم بالإضافة إلى ذلك كله كان ابن سيناء مفكرًا سياسيًا كتب رسالة في السياسة ويبدو لنا أن ابن سيناء قد تأثر في رسالته بمن سبقوه من مفكرى المسلمين كالفارابي والوزير المغربي في رسائلهما التي تحمل ذات عنوان رسالته ولكن ابن سيناء كان أكثر منهما فهما ووعيًا لواقع الناس ونفوسهم كما أ ن مفهوم السياسة لديه أكثر سعة إذ هي منهج لإصلاح حياة الناس وقد تبين لنا من تحقيق مجموعة السياسة أن الرسائل الثلاث وأن كنت تحمل عنواناً واحدًا هو السياسة بيد أنها لم تحدد معناها بل هي مقدمات لتأسيس علم السياسة وإن كانت مطعمة بالسياسة الإسلامية ومثل هذه الكتب القيمة الجوهر النفيس في سياسة الرئيس لمحمد بن منصور المعروف بابن حداد وكتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة لابن رضوان العالم المغربي المتوفى 782ه وكذلك كتاب بدائع السلك في طبائع الملك لابي عبدالله بن الأزرق وكتاب السياسة في تدبير الرياسة لأحمد اليمني وكتاب تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك للقاضي نجم الدين الطرسوسى المتوفى سنة 758 وكتاب التحفة اللموكية في الآداب السياسية للإمام الماوردي وكتب كثيرة جدًا ويذهب بعضهم بالقول بأنه لا سياسة في الإسلام وأن الإسلام عقيدة دون نظام أو شريعة وأنه لا يعرف لعلماء المسلمين مؤلفًا في السياسة ولا مترجاً ولا يعرف لهم بحثًا في أنظمة الحكم وأصول السياسة وهذا كلام لا أساس له من الصحة بل هو من أقوال المستشرقين والحاقدين على الحضارة الإسلامية وكشف علماء المسلمين في كل مكان بهتان هذا المقولة وزيفها وأعلنوا الحقيقة التي ظلت أربعة عشر قرناً بأن الإسلام دين ودولة وعقيدة وشريعة ونظام في كافة مجالات الحياة وأن للإسلام فقه سياسي يتميز بالذاتية والأصالة ويستمد مباشرة من آيات الأحكام والأحاديث النبوية وما تضمنته الكتب والمخطوطات الساسية مما يدل دلالة قاطعة أن في الإسلام علم اجتماع سياسي وعلم أخلاق سياسي وفقه سياسي وشتى علوم السياسة جميعها تؤكد أن الدولة في الإسلام خادمة للدين وان الشرع الإسلامي شرع واقعي متكامل ولا ينكره ولا يجحده إلا من يجهل مزاياه ومقاصده فما من مزية نظام إلا وفي الشرع الإسلامي مثلها أو خير منها ولعل دراسات فقه السياسة الإسلامية هي التي عولت على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة النبوية واستقرأت التجربة في عهد الرسول والخلفاء الراشدين وأعملت الاجتهاد في الوقائع المتجددة بما يحقق العدل ومصالح الناس وفيما بعد ألفت كتب كثيرة ودراسات سياسية ذات طابع فقهي سياسي إ سلامي وعرف فقه الإسلام تخصيص أبحاث بالحاكم وبالدولة والوزارة والولايات العامة وعلاقة الدولة الإسلامية بالمحكومين وعلاقتها بغيرها من الدول وهو ما يعرف اليوم بعلم السياسة الحديث فقد ألف العلماء المسلمون المتأخرون بحوثاً ودراسات كثيرة فشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القيم السياسية الشرعية في إصلاح حال الراعي والرعية وكذلك كتاب تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام وأبو الفضل محمد بن الأعرج من علماء القرن العاشر فالكتب المؤلفة حديثا أبرزت الأساس الشرعي لمضمونها وأسندت السياسة كسياسة شرعية مستلهمة من الكتاب والسنة والتشريعات العامة التي أخذت بالتجربة الإسلامية السياسية من عهد الرسول والخلفاء الراشدين إلى عصرنا الحاضر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.