⏬
عندما وصلت إلى فرنسا كان الفصل خريفا و كان الجميع بثياب صيفية رقيقة تتطاير مع النسمات، و الصفوف أمام بائعي المثلجات طويلة، و كل كراسي شرفات المقاهي و البارات عامرة...و كنت أنا ببلوزة دجين أستعيد دفء صحرائي... افتقدت في خلال يومين عشرين درجة حرارية و انتقلت من أربعين درجة مارثية إلى عڜرين باريسية، كنت ممسكة بيد زوجي، أطلب فقط المشي على ضفاف السان و الحرية، ذلك النهر الذي حلمت به كثيرا قبل أزور فرنسا زيارتي الثانية و الأخيرة... إذ بعدها صرت ليون(ية)...
كطفلة كنت ألتقط الصور كل الصور و أستمع إلى حفيف الشجر و الخطى و نمنمات الحب بين العشاق و أخفي بين جفني كل الألوان على تلونها...
كم هي سهلة أماسيهم و كم كانت قاسية أماسيّ هناك بعد أن افتقدت ليلى بالسفر و بريكة بالحياة، و لم يعد شجر الهندي يتجسس على أحاديثنا و ضحكاتنا..
شيء واحد استوقفني كثيرا: رسام عربي! أمامه ألوان من الرسوم تكاد تتكلم بل هي تتكلم... و بورتريهات لمشاهير لم يستلموها رغم دفعهم ثمنها... كطفلة تعلقت بعيني زوجي، قلت حبيبي أحلم ببورتريه... لي... فقط! أريد أن أراني!
استغرب من نزقي و قال إنه لا يمكن للبورتريه أن يتكرر... و لكنه رضخ أخيرا و جلس قبالتي ينتظر أن ينتهي الرسام من البورتريه...
كان أنا... خطوطي الافريقية، تدويرة وجهي، لوزية عينيّ و لوني و حتى ضفائري...
كان أنا حقا...
علقته دهرا في غرفة نومنا إلى أن أزف الرحيل بامتداد العائلة و ولادة الطفلين...
تركنا بيتنا الصغير لآخر أكبر و لكن دون البورتريه... أتلفته الأيادي مع جملة من الكتب و نحن ننقل المتاع و أعتقده انتهى في احدى محارق المدينة...
ظلت لوعتي تجتاحني كلما مررت برسام للبورتريه دون أن أجرؤ على إعادة التجربة خوفا من الإحباط و الخيبة
نحن نأتي الحياة مرة ... لا أكثر!
لنحسن فعل الحياة كما أحسن الرسام بورتريها لي... ضاع في النهاية و اختفى...
* فتحية دبش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.